العبثية الخليفية تزهق أرواح البحرانيين، فمن يتصدى لها؟
ليس خبرا سارا على الإطلاق مقتل أي إنسان، مهما كان جنسه او لونه او دينه. وقد فاجأ خبر مقتل ثلاثة جنود من الجيش الخليفي مؤخرا الكثيرين، خصوصا المواطنين الذين لا يعرفون شيئا عما يفعله الطاغية وعصابته وما يمارسه من حركات استعراضية لا تفيد الوطن والشعب في شيء. هذا الطاغية الذي لا تحرك مشاعره مصائب الشعب لا يهمه إن مات ثلاثة او عشرة او مائة من البحرانيين. ولذلك فهو يزج بالبشر في طواحين الموت بدون حساب. فهو يقتلهم بالرصاص الحي في الشوارع العامة، والتعذيب في طوامير تعذيبه، وعلى المشانق بالإعدام. ولا يتردد في إرسال أفراد الجيش وغيرهم الى حقول الموت في حروب عبثية لا ناقة للبحرين فيها ولا جمل. لقد فجعت عائلات هؤلاء الجنود الثلاثة، عندما أزهقت أرواحهم في معركة ليست معركتهم. فما شأنهم واليمن؟ ولماذا أرسل أبناؤهم لخوض حرب خاسرة مع بلد بعيد لا تشترك البحرين معه في حدود، بل ان المسافة بين البلدين تقرب من ألف كيلومتر. أكثر من ثمانية أعوام مرت منذ ان بعث الطاغية أبناء البحرين للمشاركة في عدوان خطط له السعوديون، وانتهى بهزيمة ماحقة للمعتدين. وفي الوقت الذي كان فيه وفد يمني يتفاوض مع السعوديين في الرياض، كان الطاغية مصرا على إرسال أبناء البحرين إلى الحدود السعودية – اليمنية ليلقوا مصرعهم هناك. فأية جريمة أكبر من هذه الجريمة؟ ما مصلحة البلاد والشعب من عدوان على شعب عربي مسلم طالما شارك أفراده في بناء البحرين في الستينات والسبعينات؟
إن ما حدث في جازان يوم الثلاثاء الماضي جريمة ارتكبها الخليفيون عن سبق إصرار وعمد، وليس هناك مبرر سياسي او عسكري او اقتصادي لذلك العدوان، خصوصا بعد ان أعلن المشاركون فيه هزيمتهم ورفعوا راية الاستسلام امام استبسال أهل اليمن وشجاعتهم وصمودهم. فثمة فرق بين مقاتل يدافع عن أرضه ووطنه أمام عدوان خارجي، وآخر يجبر على قطع المسافات الشاسعة للمشاركة في عدوان سافر في وضح النهار، بدون مبرر، خصوصا ان الطرف المستهدف بذلك العدوان لم يقم بأي اعتداء عسكري على جيرانه. والأمل ان يتحرك ذوو الضحايا للاحتجاج على قرار إرسال أبنائهم الى حرب طاحنة لا تعنيهم من قريب او بعيد. فهي ليست دفاعا عن الوطن لأن أهل اليمن لم يهددوا البحرين ماضيا او حاضرا، وكل ما فعلوه أنهم ساهموا في بنائها بعرقهم قبل ستة عقود. فمن الخطأ الكبير القبول بحصد ارواح المواطنين بسبب سياسات عبثية واستعراضات تلبي جانبا من غرور العظمة لدى الطاغية ولكنها لا تخدم الوطن او الشعب. فما لم يكن هناك تحرك واسع للرد على الطاغية فمن المرجح تكرار ما حدث في حروب عبثية قادمة. فالبحرين بلد عريق له حضارته المتميزة، وشعبه يحظى بحب الآخرين واحترامهم، وليس بحاجة للمشاركة في العدوان على الآخرين. والأخطر من ذلك إحاطة الجرائم الخليفية بسرية كاملة حتى تفاجأ العائلات البحرانية بمصرع أبنائها في تلك الحروب العبثية التي أثبتت مرارا عدم جدواها.
ثمة ملاحظة فارقة في هذا السجال. فشعب البحرين لم يتردد عن دعم الشعب الفلسطيني في تصديه للعدوان الصهيوني، وقدم الشهداء على هذا الطريق. وفي الوقت نفسه قرر الطاغية الخليفي ان يقف على الطرف الآخر من النزاع، فطبّع مع العدو وتحالف معه في موقف مناقض تماما لموقف الشعب. وتكرر الموقف نفسه في اليمن. فالشعب البحراني يتضامن مع شعب ذلك البلد الذي تعرض لعدوان كاسح بمشاركة 14 دولة في بداية الأمر، ولكنه سرعان ما لقّنهم دروسا لا تنسى وألحق بهم هزيمة ماحقة. بينما أصر الطاغية الخليفي وعصابته على الوقوف على الجانب الخطأ من التاريخ، فقرر المشاركة مع السعوديين والاماراتيين والامريكيين في عدوانهم على اليمن. فماذا كانت النتيجة؟ لقد انتصرت إرادة شعب اليمن وتمكن من هزيمة العدوان. واعتقد الكثيرون ان تلك الصفحة السوداء قد طويت وأن الخليفيين سحبوا جنودهم واستوعبوا درس العدوان. لكنهم فوجئوا بخبر مقتل عدد من جنود الجيش الخليفي وجرح العشرات، وتبين لهم أن هؤلاء كانوا موجودين على الحدود السعودية اليمنية بأمر من الخليفيين. إنها مفارقة غريبة عجيبة سترسخ الفجوة المتزايدة بين الطرفين، بعد أن ثبت لكل منهما أنه مختلف جوهريا عن الآخر، سياسيا وثقافيا وأن من المستحيل تقاربهما مستقبلا بعد ان ترسخت تلك المفارقات على مدى عقود متواصلة.
مشكلة البحرين أنها محكومة بعصابة مجرمة بدأت وجودها السياسي بالعدوان على البلاد وقتل أهلها، بدعم خارجي متواصل. ومنذ ذلك الوقت لم يستطع الخليفيون بناء دولة عصرية يتساوى فيها المواطنون كافة ويشاركون في حكمها وثروتها. وأصر الطاغية وعصابته على اعتبار البحرانيين “رعايا” يتصرفون فيهم كما يشاؤون. ولكي يضمنوا بقاءهم في موقع السلطة والحكم دخلوا في تحالفات مع الاجانب للاستقواء بهم على أهل البلاد الأصليين. فتحالفوا مع البريطانيين، واعتبروا علاقاتهم ضرورة لبقائهم في الحكم, وفي السنوات الأخيرة تقلبوا في تحالفاتهم مع السعودية والإمارات وأخيرا مع الاحتلال الصهيوني. ولم يكونوا موفقين دائما في هذه العلاقات والتحالفات، وكثيرا ما وجدوا انفسهم محسوبين على هذا الطرف او ذاك. فمثلا ما حقيقة علاقاتهم مع كل من السعودية والامارات بعد ان اصبحتا تتنافسان على النفوذ بشكل علني مخجل؟ يسعى الخليفيون للاستفادة من التناقضات، ولكنهم كثيرا ما وجدوا أنفسهم في موقف ضعيف لا يحسدون عليه، وكما كانت سابقا، فإن خشيتهم الأساس تنبعث من العلاقة التاريخية السيئة مع شعب البحرين، تماما كما هي “إسرائيل”. فهل يعقل ان تصبح هناك ثقة متبادلة يوما بين المحتلين الصهاينة والفلسطينيين؟ الأمر نفسه ينطبق في حالة البحرين التي يشعر الطرفان فيها بالتنافر والتناقض والكراهية. أما محاولات الرموز الخليفية التظاهر بعلاقات حميمة مع أحد المكوّنين الأساسيين في البلاد، فهو وهم لا يصدقه الواقع، فقد فشل الخليفيون في الانصهار في بوتقة الوطن، وأصروا على الانعزال الاجتماعي والسياسي عن المكونات الوطنية، وحصروا أنفسهم بالعيش ضمن منطقة الرفاع. كما رفضوا ان يتحولوا إلى مواطنين بحرانيين كالآخرين، وأصروا على البقاء خارج إطار المواطنة المتساوية مع بقية أبناء الشعب. ولذلك لم يستطيعوا الانخراط في المجتمع.
إن حادثة جازان الأخيرة التي أدت لمصرع ثلاثة على الأقل من أفراد الجيش الخليفي قد تكون حادثة مفصلية في العلاقة بين الخليفيين والبحرانيين، خصوصا ان العائلات المفجوعة سوف تحمّل الطاغية وعصابته مسؤولية فقد أبنائهم، كما يشعر الوطن أن الخليفيين سوف يستمرون في مغامراتهم على حساب الوطن والشعب، وسيجلسون بعيدا عن الخطر، ويضحون بالآخرين بزجّهم في الحروب والصراعات بهدف كسب المزيد من أموال النفط المختزنة لدى السعودية والإمارات. أما العائلات البحرانية المفجوعة فليس هناك مال في الدنيا قادر على تهدئة آلامهم والتخفيف من لوعة فراق أبنائهم. سيقدم الطاغية بعض المال لعائلات ضحاياه ولكنها لا تعني شيئا لأمٍّ فقدت فلذة كبدها في مغامرة مفروضة عليها لا تفيد أحدا. من هنا حان الوقت لمواجهة الطاغية وعصابته لمنع حدوث المزيد من المآسي والكوارث البشرية. سيظل الشعب يقظا وواعيا، وسيواجه القتلة والسفاحين الذين ما فتئوا يهدرون دماء المواطنين ظلما وعدوانا وتغطرسا وتكبّرا، متناسين أن الله لهم بالمرصاد.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
29 سبتمبر 2023