الأمة مسؤولة عن تحرير فلسطين وحماية أهلها
مجددا تتفجر الحرب في المنطقة التي ما فتئئت شعوبها تعيش هواجس الاقتتال والصراعات السياسية والعسكرية. ومرة أخرى تكون أرض الأقصى ساحة للحرب التي هي ألأشد ضراوة من سابقاتها، والأكثر غموضا من حيث النتائج والمآلات. لم يمض على اندلاع الحرب سوى أقل من أسبوع، ولكنها هذه المرة تبدو غامضة ومرعبة وغير قابلة للتوقف بسهولة. هذه المرة توازن الرعب هو سيد الموقف، فإن ضعف أحد الطرفين أو أبدى تراجعا أو تنازلات فسيلتهمه الطرف الآخر. هذه المرة أيضا تتميز الحرب بظاهرة جديدة لم تحدث من قبل. فليس من حق أحد أن يتعاطف مع الجانب الفلسطيني وإلا اتهم بدعم الإرهاب. إنها مباراة لا يحق لمشجعي أحد الفريقين إصدار هتافات التأييد والدعم لفريقه، بل عليه أن يتظاهر بأنه ضده او على الأقل يلوذ بالصمت. إنها حرب غير مسبوقة من حيث الظروف والاستعدادات والأسلحة المستخدمة والأهداف “المشروعة”. فكل شيء من أخضر أو يابس، حيوان أو إنسان، رجل او امرأة، طفل او شيخ، هدف مشروع للحرب. هذه المرة ليس هناك خطوط حمراء، فدور العبادة هدف مشروع، وتدمير القباب على رؤوس المصلين في المساجد ممارسة يومية، وقتل الأسرى مسموح به.
تبدو الحرب الجارية ضروسا وشاملة وساحقة وذات أجندة واضحة، إلغاء فلسطين من الخريطة تماما، فمن يرفع علَمها في العواصم الغربية يعتبر داعما للإرهاب، ومن يهتف ضد الاحتلال يرتكب جرما. وحتى اللحظة التزم أغلب الحكام العرب بما فرضه التحالف الغربي – الصهيوني، بل أن بعضهم بعث بالمساعدات لأحد طرفي الحرب الذي ما يزال من الناحية الرسمية يسمى “العدو”. بينما تُرك الطرف الآخر بجوعه وعطشه وجراحه. الطرف الذي اعتبر نفسه دائما الأقوى وصاحب القرار الحاسم في قضايا الحرب والسلام سمح لنفسه إعلان ما يعتبر في القانون الدولي جرائم حرب. فأعلن منع وصول الطعام والماء والكهرباء لأهل غزة المحاصرين من البحر والبر والجو. قالها الوزير الاسرائيلي علنا ونقلتها عنه وسائل الإعلام العالمية، بدون ان يصدر موقف قانوني من الجهات الدولية تهدد بمقاضاة من يرتكب تلك الجريمة. فحتى الآن يعتقد الاحتلال أن لديه صكا مفتوحا لارتكاب أية جريمة حرب يختارها، ويصر على إلغاء كافة الخطوط الحمراء التي تفصل بين ما يعتبر دفاعا مشروعا عن النفس وما يصنّف ضمن جرائم الحرب.
ولكن هل صمتت الشعوب؟ هل استسلمت للإملاءات الغربية وصفقت للاحتلال؟ الواضح أن ذلك لم يحدث، فهذه المظاهرات الشعبية الحاشدة تجوب الشوارع في العديد من العواصم العربية: عمّان، بيروت، القاهرة، دمشق، بغداد، صنعاء، الكويت، المنامة وسواها. هذه بداية هزيمة عقلية الاحتلال والهيمنة والعداء لفلسطين. لا أحد يدعم الإرهاب وليس هناك من يقر قتل الأبرياء في اي مكان، كما ليس هناك من يوافق على كل ما يقوم به الطرف الذي يدعمه. ولكن هناك ضمير إنساني متحرّك، يحب الخير ويرفض الشر، يتضامن مع المظلوم ويقف ضد الظالم، يرفض استلاب حريته وموقفه بالقوة والإكراه، ويرجع إلى ضميره دائما لتحديد الموقف الإنساني الذي يبريء ذمته أمام ربه ويريح ضميره ويجنّبه مشاعر الأسف من ارتكاب ما يعتبره خطأ. هكذا تعلم العرب من دينهم وتراثهم وتاريخهم، وإن كان الشيطان يتربص بالبشر دائما. ولكن لديهم ايضا ذاكرة حية تعيد لهم مشاهد مؤلمة من تاريخهم، وتمنعهم من الاستسلام لأساليب الابتزاز والتهديد والتخويف بالموت. يستحضرون ما حدث يوم السبت الماضي ويستذكرونه بضمائر متحركة ومشاعر إنسانية لا تخطيء اتجاههم الأخلاقي. وفي الوقت نفسه يقفون عند المجازر التي تلت ذلك وما صدر من تهديدات وما مورس من جرائم غير مسبوقة في قطاع غزة، حيث سلب الأبرياء ليلهم وأجبروا على ترك منازلهم لتحولها طائرات المحتل إلى ركام. لقد تكررت مشاهد الحربين العالميتين، الأولى والثانية في غضون بضعة أيام, إذ تظهر صور الدمار الشامل في غزة عمق ما يختزنه الصهاينة من عداء للإنسانية، وتحدّ للمواثيق الدولية.
الأمر الذي يدعو للتقزز استمرار النظام السياسي العربي في صمته، في الوقت الذي تتضافر فيه جهود الغرب لدعم قوات الاحتلال. وتبرز حكومتا الإمارات والبحرين كمصداق للخيانة العظمى، فقد وقفتا مع الاحتلال وتجهمتا للشعب الفلسطيني، وبعثتا مساعدات للصهاينة، بدلا من السعي لتشكيل موقف عربي موحّد يدافع عن فلسطين وأهلها. فمن المؤكد رفض العنف والإرهاب أيا كان مصدره، ولكن الحديث هنا عن الموقفين السياسي والإنساني المطلوبين لدعم الشعب الفلسطيني من جهة واستعادة المصداقية العربية إزاء قضايا الأمة، بدون الارتهان للسياسات الغربية خصوصا الأمريكية. فلا يمكن لذي ضمير ان يبقى متفرجا على ما يجري في غزة من دمار شامل يتجاوز ما يمكن تسميته عقوبات، ويصل الى الحرب الشاملة التي تتجاوز القوانين والأعراف وتعبّر عن غياب الإنسانية من قلوب الذين يمارسون القصف الوحشي ليلا ونهارا. إنها حرب شاملة ليس على “الإرهاب” بل على الشعب الفلسطيني، فمن غير المنطقي تحميل مليونين ونصف من سكان غزة مسؤولية ما حدث يوم السبت الماضي. وإذا كان الغربيون قد حسموا أمرهم وأعلنوا الوقوف مع الاحتلال في كل ما يمارسه من انتقام بلا حدود، فلماذا تغيب المشاعر الإنسانية عن الحكام الذين يحكمون الشعوب بالنار والحديد؟ لماذا لا يطلقون تصريحا واحدا يدين المجازر الإسرائيلية المتواصلة التي تفوق في شراستها أضعاف ما حدث للإسرائيليين؟ لماذا لا يسعون لاستعادة ثقة شعوبهم ولو مرة واحدة بالتلميح لاستخدام النفط في المعركة الجارية، فلعل بعض دول الغرب يستعيد وعيه ويراجع موقفه؟
إن الظرف الذي تمر به أمة العرب والمسلمين صعب جدا، فقد أصبحت هذه الأمة بين أن تكون او لا تكون، بين ان تستطيع قادرة على الحياة بمكوّناتها الإنساننية أو تواجه الفناء بأسلحة الدمار الشامل والصواريخ والطائرات والقنابل الفوسفورية. فالمسألة هنا لا تخص الفلسطينيين وحدهم، فهم جزء من هذه الأمة، ولا يمكن فصلهم عنها، واستهدافهم بالقتل الجماعي والتدمير الشامل يستهدف الأمة كلها. مطلوب من العرب والمسلمين لملمة الجهود لحماية فلسطين من الانتقام الصهيوني الذي يدعمه الغرب، بهدف التوصل إلى حل للأزمة المستعصية منذ ثلاثة أرباع القرن. وبسبب غياب العدالة عن الموقف الدولي فقد فشلت كافة محاولات حل المشكلة الفلسطينية، فهي محاولات تتنكر للحقائق المرتبطة بالاحتلال وترفض الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني وحقه في الحرية وإقامة دولته على أرضه، وما لم يتغير هذا الموقف ليحتضن القضية ويدعمها ويتصدى للعدوان الإسرائيلي المتواصل والدعم الذي يحظى به من دول الغرب، فسوف تتواصل الآزمة عقودا أكثر، وسوف يدفع العالم ثمنا باهضا للتلكؤ عن نصرة المظلوم والإصرار على دعم الظالم والمحتل. أمتنا بحاجة لصحوة ضميرية وشعور إنساني ونخوة عربية لتستطيع النهوض بأعباء المسؤولية المنوطة بها في هذه المرحلة، ومن مصاديق تلك المسؤولية الدفاع عن أهل فلسطين المحاصرين في غزة والضفة الغربية، لكي يستطيعوا الدفاع عن أرضهم ومواصلة المشوار لتحقيق إقامة دولتهم المستقلة. وإذا كانت الحكومات قد عجزت حتى الآن عن النهوض بالمسؤولية فقد حان الوقت لتعبئة طاقات الشعوب في معركة التحرير، حينها سيجد العدو نفسه مرغما على التراجع، وسيجد الغربيون أنفسهم أمام خيارات صعبة، أهونها التوقف عن دعم الاحتلال والتنكر لضحاياه. والأمل ان يحدث ذلك عاجلا لوقف الكارثة الإنسانية التي تهدد أهل فلسطين.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
13 أكتوبر 2023