غزّة ستنتصر وستهزم الصهاينة والمطبّعين
مع استمرار العدوان الإسرائيلي على أهلنا في غزة، يواصل شعبنا البحراني الأصلي (شيعة وسنّة) تضامنه مع إخوانه في فلسطين، كما فعل منذ النكبة قبل ثلاثة أرباع القرن. هذا الإصرار الوطني على دعم فلسطين أدى إلى حال استقطاب ليس لها نظير في بقية أقطار العالم العربي. فهناك طرفان في البحرين لم يلتقيا قط او يتفقا على أجندة سياسية داخلية أم خارجية. ومنذ العام 1948 بدأ الطرفان يبتعدان أحدهما عن الآخر. فالشعب كثّف نضاله الوطني والقومي بعد أن أدرك استحالة إصلاح الحكم القبلي التوارثي الذي يمارسه آل خليفة. كان هذا الشعب دائما يشعر بالانتماء لأمته العربية والإسلامي، ويقف مع شعوبهما بدون تردد، انطلاقا من إيمانه المبدئي بالعدالة والحرية، ورفضه الاستبداد والظلم. كان هواه مع المستضعفين حتى من غير المسلمين، فدعم نضال شعب جنوب أفريقيا وشعب روديسيا وشعب الجزائر. وفي العقود الأخيرة لم يتردد عن نصرة إخوته في العراق وإيران وتونس ومصر. وعلى الطرف الآخر وقف الخليفيون على الطرف الآخر، لذلك لم يلتق الجانبان يوما، بل كان توتر العلاقات بينهما سمة دائمة. يؤكد ذلك اكتظاظ السجون بالمناضلين والأحرار ماضيا وحاضرا. وما الإصرار على إبقاء رموز الشعب كالاستاذ عبد الوهاب حسين وحسن مشيمع والدكتور عبد الجليل السنكيس والشيخ علي سلمان برغم مرور ثلاثة عشر عاما على أغلبهم إلا تأكيد لهذه الحقيقة.
حالة الاستقطاب هذه ازدادت رسوخا بعد حوادث 7 أكتوبر عندما هرع الخليفيون لإعلان الانحياز لطرف ضد الآخر، واستهدفوا مجموعات المقاومة بالشجب والتنديد، وأعلنوا تضامنهم مع الصهاينة. هذا ليس موقفا جديدا بل يمتد عقودا الى الوراء. فقد كان الحكم الخليفي من اوائل الخارجين على الإجماع العربي الرفض للاحتلال الاسرائيلي والمتضامن مع الشعب الفلسطيني. وإذا كان قد أعلن تطبيعه مع الاحتلال قبل ثلاث سنوات، فإن قصة تواصله معه تمتد أكثر من ثلاثين سنة. ففي العام 1994 استقبل رموزه وزير البيئة الصهيوني، معلنين كسر الموقف العربي. واستمرت الاتصالات لاحقا حتى أعادوا علاقاتهم مع المحتلين. ولكن الشعب البحراني الاصلي (شيعة وسنة) كان واعيا لمسؤوليته الوطنية والقومية، فرفض المبادرات الخليفية واصر على مواقفه المبدئية الداعمة لفلسطين وأهلها. وما يحدث اليوم إنما هو امتداد لتلك السياسة. فالشعب يعلن بشكل صريح دعمه لأهل غزة، من خلال تظاهراته اليومية وتصريحات قياداته ورموزه، وفعالياته الشعبية. فلا يمر يوم بدون خروج مسيرات عديدة في مناطق مختلفة من البلاد. وتجسد مواقف سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم، حفظه الله، وهو الرمز الديني والسياسي الأبرز في البلاد، جوهر هذا الموقف المبدئي الذي لا يساوم على الحق ولا يخشى في ذلك لومة لائم. فهناك انسجام كامل بين قطاعات الشعب حول هذا الموقف، الأمر الذي جعله يسير في اتجاه مضاد للحكم الخليفي الذي أعلن عمليا انتماءه للجانب الصهيوني.
هذه الحقائق تساهم في تفسير الرفض الخليفي للتحول الديمقراطي، ودعم القوى الغربية لذلك، ومن ذلك: أولا أن الحكم الخليفي لم يثق بالبحرانيين يوما، وشاطره الشعب هذا الشعور، فالبحرانيون لا يثقون بالخليفيين أبدا بعد عقود من التجارب المرّة معهم. ثانيها: ان النظام الذي يستمد قوته من شعبه ودستوره يشعر بالقوة والشرعية، ولا يحتاج لدعم خارجي للبقاء. وهذا غير متوفر للخليفيين، فهم يشعرون بالضعف دائما بسبب الرفض الشعبي لحكمهم، ويسعون لاستبدال ذلك بدعم خارجي، منغرب تارة ومن “إسرائيل” أخرى ومن الدول الخليجية الأعضاء بمجلس التعاون تارة. ثالثها: أن النظام الحر يعشق الحرية ويسعى لترويجها، لعلمه ان حريته لا تدوم إذا كان من حوله من الشعوب فاقدا لتلك الحرية. الخليفيون لم يكونوا يوما أحرارا، بل كانوا تابعين لمن يدعمهم للبقاء في الحكم واضطهاد الشعب البحراني.
رابعها: أن الغربيين يرون في النظام الطيّع يخدم مصالحهم، على عكس النظام الحر الذي يعتمد عل شعبه، ولذلك لم يدعموا التوجه الديمقراطي في العالم العربي، بل خذلوا الشعوب التي ثارت في ذروة الربيع العربي، ودعموا بعض الانظمة، ومنها البحرين لقمع ثورات شعوبها. ويعيش الغربيون حالة من التناقض الخطير، فهم يدّعون الديمقراطية والحرية ولكنهم لا يدعمون من يطالب بها.
ما هي أفاق الوضع السياسي في المنطقة بعد ان تتوقف حرب غزة؟ هناك مشاعر متباينة لدى السياسيين والمراقبين. فأغلب الحكومات العربية خصوصا في الخليج يراهن على هزيمة قوى المقاومة الفلسطينية، ويعتبرون ذلك ضرورة لما يعتبرونه “استقرارا”، أي بقاء الوضع الراهن. ويرون أن هذه الهزيمة سيكون لها آثار سلبية على معنويات المناضلين من أجل الحرية فيالعالم العربي. بينما يراهن أصحاب أجندات التغيير على فشل العدوان الإسرائيلي، ويرون أن بقاء المقاومة الفسطينية بعد الحرب سيكون مصدر فخر واعتزاز، وسوف يعمّق الحماس في نفوس مجموعات المعارضة العربية الساعية للتغير. فكل انتصار لأية مجموعة عربية مناضلة من شأنه أن يدعم مشاريع التغيير ويكسر حالة الجمود التي هيمنت على الاوضاع منذ عقود. وليس جديدا القول أن القضية الفلسطينية كانت مصدرا للحالة الثورية ليس في العالم العربي فحسب بل في دول العالم الآخرى التي تناضل شعوبها من أجل الاستقلال تارة ومن أجل الحرية ثانية ولإنهاء التبعية للغرب ثالثة. ولذلك خرجت المظاهرات في مناطق واسعة من العالم لدعم الفلسطينيين وتمنّي النصر لهم. هذه الجماهير التي اكتظت الشوارع بها تكشف أمرين: أولهما عمق تأثير القضية الفلسطينية على ظاهرة الوعي الثوري في العالم، وأنها رفدته بالحماس على مدى ثلاثة أرباع القرن، وثانيهما أثر تلك التظاهرات والاحتجاجات على معنويات المجموعات الفلسطينية أولا وعلى الانظمة السياسية الداعمة للاحتلال من جهة ثانية. هذا الزخم الثوري الذي ملأ الشوارع أمر مروّع للاستبداد والاحتلال، لأنه يشجع حركات التحرر والمقاومة في البلدان العربية بشكل خاص. المسيرات هذه المرة غير مسبوقة من حيث حماسها وأعداد المشاركين فيها وتوزعها الجغرافي، ويكفي الإشارة الى أن المظاهرة التي خرجت في العاصمة البريطانية في الاسبوع الثاني من نوفمبر ربما كانت الأكبر في التاريخ البريطاني المعاصر. هذا الوعي الشعبي العالمي ترك أثره على السياسيين وأحرجهم كثيرا، خصوصا مع المشاهد اليومية المرعبة للممارسات الإسرائيلية وكيف تجاوزت الحدود والأعراف في قتل الأطفال والنساء. لذلك لم يجد الرئيس الامريكي بدّا من الضغط على الصهاينة لوقف العدوان والامتثال للأمر الامريكي. وهنا جاءت الهدنة الإنسانية المؤقتة التي سمحت بشيء من الرعاية الصحية وتوفير الطعام.
في نهاية المطاف سوف تتوقف الحرب، ولكنها هذه المرة ستكون مختلفة عن سابقاتها. فالتهديدات الإسرائيلية ذات الأهمية لم تتحقق، فلم تنته غزة ولم يندثر الفلسطينيون او يتراجعوا أو يرفعوا الراية البيضاء. كما ان حركات المقاومة الفلسطينية لم تهزم، بل احتفظت بكياناتها العملية وكررت تهديداتها ضد الكيان الإسرائيلي. الواضح أنه لم يعد هناك مزاج للصلف الإسرائيلي خصوصا مع وجود بنيامين نتنياهو على رأس السلطة التي يشاركه فيها عناصر صهيونية يمينية متطرفة ترفض الاعتراف بوجود شعب فلسطين فضلا عن حقه في إقامة دولته المستقلة. هذه المرة هُزم مع الصهاينة العديد من الأنظمة العربية خصوصا التي طبّعت مع الاحتلال مثل الإمارات والخليفيين. وسعت الامارات على وجه السرعة لتلافي جريمة التطبيع بنقل بعض الأطفال الفلسطينيين المصابين إلى أراضيها من أجل العلاج. هذا الالتفاف لا يكفي لتناسي الدور الإماراتي في فتح باب التطبيع بدون حياء او خجل، وجر الخليفيين لذلك. الأمر المؤكد ان فلسطين ستنتصر مرة أخرى، وسيُهزم الاحتلال ومعه المتخاذلون والمطبّعون والخائنون. ستستمر حركة الزمن ومعها نفاذ السنن الإلهية، وسينتصر المظلومون بعون الله، وسيتحرر الأقصى من الاحتلال، كما وعد القرآن الكريم. إنهم لهم المنصورون، وإن جندنا لهم الغالبون.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا، يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
24 نوفمبر 2023