مشاهد ثلاثة تسبق استعداد شعب البحرين للاحتفاء بعيد الشهداء
ثلاثة مشاهد سياسية جذبت أنظار الإعلاميين والمراقبين، لما لها من دلالات وتبعات. وقد تبدو منفصلة أحدها عن الآخر ولكنها في الوقت نفسه مترابطة وربما متداخلة. أولها استمرار حكومة البحرين بعلاقاتها الخيانية مع الاحتلال الصهيوني ويرتبط بذلك قبضتها الأمنية على المواطنين ومنعهم من التظاهر وسجنهم بأحكام قضائية إذا لم يلتزموا. ثانيها: استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة وتزايد أعداد الأطفال الذين استشهدوا نتيجة ذلك. ثالثها: قمة مجلس التعاون التي عقدت يوم الثلاثاء الماضي، وانفضت ولم ينجم عنها قرارات ذات شأن برغم الظروف الإقليمية التي تعصف بالمنطقة. وفي ما يلي توضيح للأبعاد الثلاثة:
أوّلا: دفعت رغبة حكام البحرين في تمتين علاقاتهم بالكيان الإسرائيلي لارتكاب المزيد من التنكيل والاضطهاد بحق الشعب البحراني. ومع أن هذا الاضطهاد مستمر منذ عقود، ولكنه يشهد صعودا وهبوطا مع التطورات الإقليمية والدولية. هذه المرة تمثل الاضطهاد بأوامر من رأس العصابة الخليفية بالتنكيل بكل من تحدثه نفسه بإعلان الدعم لأهل غزة، سواء بالتظاهر او الاحتجاج او جمع التبرعات. فمنذ بدء العدوان الصهيوني، دأب البحرانيون، رجالا ونساء، على المشاركة في المسيرات والاحتجاجات الداعمة لأهل فلسطين والمعادية للاحتلال. بينما يلتزم الحكم الخليفي بسياسة أخرى، تختلف جوهريا عن مواقف الشعب. فقد أعلن تضامنه مع الاحتلال منذ اليوم الأول للأزمة الحالية، وسعى لفرض تلك السياسة على المواقف الشعبية، ولكن البحرانيين شعب متمرّد دائما على من يخون قضايا الأمة او يتحالف مع أعدائها. لذلك كان موقفه واضحا منذ اليوم الأول: إعلان الدعم بشكل واضح وصريح لأهل غزة وتجريم العدوان الصهيوني مهما كان ثمن تلك المواقف. وقد خرجت المسيرات والاحتجاجات بدون توقف وهتف المشاركون بشكل علني وصريح من أجل فلسطين وضد التطبيع. بينما رأى الطاغية الخليفي في تلك الشعارات تحديا لسلطته فاستشاط غضبا وأصدر أوامرة لاجهزته القمعية التي يشارك الخبراء الإسرائيليون في بعضها، للتنكيل بالبحرانيين. وهذا ما حدث. فقد استُهدفت التظاهرات واعتقل الكثيرون من المشاركين. ثم بدأت المحاكم الخليفية بإصدار الأحكام القاسية بحق من استطاعت أجهزة الأمن القبض عليه. ولهذه الأحكام ثلاثة أهداف: الانتقام من معارضي السياسة الخليفية، توفير رادع للمواطنين لتثبيطهم عن أعمال مماثلة في المستقبل، وإظهار النظام الخليفي المهتريء بأن له قبضة حديدية على السلطة وأنه يستطيع التنكيل بمعارضيه بدون خشية من أحد. وقد تميزت الأسابيع الأخيرة بصدور أحكام قاسية بحق العشرات من المواطنين، بينما اكتظت السجون بالمتظاهرين الذين اعتقلوا تباعا. وإذا كان الطاغية وعصابته يعتقدون أن هذه السياسية سوف تحمي حكمهم من غضب الشعب، فما أبعدهم عن الحقيقة. فالشعب يرى في سياساتهم خيانة للأمة والقضية وفلسطين والشعب، ولن يغفر لهم تلك الجريمة النكراء.
ثانيا: في هذه الظروف عقدت القمة الرابعة والاربعين لمجلس التعاون الخليجي الذي يضم كلا من السعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات وعمان. كان انعقادها هذا العام شكليا بسبب تباين مواقف العائلات الحاكمة في هذه الدول إزاء القضايا الأساسية للأمة وفي مقدمتها قضية فلسطين. فالكويت حكومة وشعبا تقف مع فلسطين وتدعم غزة بدون تردد، وقد رفضت علنا مشروع التطبيع مع الكيان الصهيوني. أما سلطنة عمان فقد التزمت سياسة غير مسبوقة في تعاملها مع فلسطين. فالحكومة أعلنت بوضوح دعمها أهل غزة وتضامنها معهم، ورفض الاحتلال الاسرائيلي بشكل قاطع. وتميّز مفتي السلطنة، الشيخ أحمد الخليلي بمواقفه المتفاعلة بحرارة مع قضية فلسطين، حتى أنه بعث رسالة تهنئة وشكر لأهل اليمن عندما استهدفوا السفن الإسرائيلية التي تمر عبر باب المندب الذي يسيطرون عليه. وعُرف عن قطر دعمها الفلسطينيين بوضوح. بينما وقفت حكومات السعودية والإمارات والبحرين مع الاحتلال وضد أهل فلسطين خصوصا في غزة. وهكذا يبدو مجلس التعاون منشقا بالنصف إزاء قضية محورية للأمة، وهذا من شأنه ان يؤدي الى المزيد من تصدع المجلس. لذلك صدر بيانه الختامي باهتا ليكون مقبولا من الجميع، فدعا لوقف اطلاق النار وحمّل المجتمع الدولي مسؤوليته إزاء ما يجري في غزة. لقد اتضح أن مجلس التعاون الخليجي يمر بأزمة سياسية خطيرة بسبب تباين أولويات دولها توجهاتها. ومن شأن هذا ان يؤدي بشكل تدريجي الى تصدع هذا الكيان الهش الذي مضى على قيامه أكثر من أربعة عقود. القمة لم تتطرق لمواقف عملية وسياسات جديدة للضغط على داعمي “إسرائيل” خصوصا أمريكا والاتحاد الأوروبي. في السابق كانت هذه القمة تحظى باهتمام واسع منذ ان بدأت في العام 1981، وبرغم تبدل زعمائها المؤسسين وصعود أبنائهم إلى الحكم، لم يستطع مجلس التعاون الخليجي ان يتحول إلى كيان فاعل يلتقي زعماؤه على سياسات موحّدة إزاء التحديات العديدة سواء المحلية او الإقليمية أو الدولية. هذا الكيان كانت السعودية تخطط أن يكون أداة لتنفيذ خططها وسياساتها، ولكنها واجهت رفضا لذلك، وتنافسا على النفوذ من الدول الأخرى خصوصا الإمارات التي وسّعت نفوذها في السنوات الأخيرة مستفيدة من أموال النفط والاستثمار. وقد تراجع دور القمّة تدريجيا حتى تلاشى وانطفأ بريقه. وساهم في ذلك أمور عديدة منها: أولا غياب الرؤى لدى زعماء دوله التي اكتفت بإدارة الأموال النفطية التي لديها، وهرعت الحكومات لتحديد أولويات سياساتها الخارجية بشكل منفصل، خصوصا مع الدول الإقليمية مثل إيران والعراق. ثانيا: تغييب دور الشعوب عن القرار السياسي، وهذا أدى إلى جمود آليات اتخاذ القرار بسبب عدم تجديد الدماء في الهيكلية السياسية. فليس هناك شراكات سياسية من خلال ممارسات انتخابية حرّة. ثالثا: التنافس على زعامة المجلس في ظل مماحكات سياسية بين قادته، الأمر الذي أدى لتراجع رغبتهم في العمل المشترك.
ثالثا: تفاعل شعب البحرين مع قضية فلسطين خصوصا في ظروفها الحالية التي يتعرض فيها سكان قطاع غزة لحرب استئصالية تهدف للقضاء على المقاومة الفلسطينية. تمثل هذا التفاعل بالتظاهرات اليومية والمواقف الشعبية خصوصا مواقف العلماء وخطباء الجمعة والرموز الدينية وعلى رأسهم سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم. هؤلاء جميعا ساهموا في توجيه المواطنين نحو فلسطين وشعبها خلال محنتهم الحالية. ويرى النشطاء السياسيون في صمود شعب غزة كسرا لشوكة الاحتلال وداعميه، الأمر الذي يدفع للتفاؤل بحتمية التغيير السياسي في المنطقة بعد أن فشلت الانظمة الاستبدادية في الإعلان عن موقف موحد يساهم عمليا في إنهاء العدوان. سيظل الشعب البحراني متفاعلا مع قضية فلسطين وداعما لشعبها ومطالبا بقطع الخليفيين علاقاتهم مع الصهاينة. ويعلم أحرار البلاد ان مواقفهم المبدئية حول قضايا الامة لا ترضي أعداءها، ويعلمون أن ذلك من بين أسباب التحريض السلطوي في العالم العربي للغرب من أجل تصعيد عدوانه على الشعوب واستهداف الحركات والمجموعات والشخصيات الفاعلة التي تساهم في التوعية والتوجيه وتكشف ألاعيب الأنظمة ودول الغرب الهادفة لحرف مسارات الشعوب وتوجهاتها. من المؤكد ان القضية الفلسطينية بقيت وما تزال مصدر إشعاع ثوري لقطاعات واسعة من العرب لمواصلة درب النضال من أجل الحرية من الاحتلال والاستبداد. ويدرك شعب البحرين هذه الحقيقة ولذلك فهو يصر على دعم فلسطين والتشبث بالحضور الميداني اليومي لتعميق المشاعر الثورية والرغبة في التغيير الشامل. وسوف يستمر ذلك في المستقبل المنظور برغم الاعتقالات والتنكيل من قبل الحكم الخليفي الجائر الذي ستهزمه إرادة الجماهير الصامدة في الميادين، وما ذلك على الله بعزيز
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
8 ديسمبر 2023