الحراكات الشعبية تتواصل في العام الجديد، منطلقة من فلسطين
في زمن العهر الصهيوني والغطرسة الأمريكية لا مكان للفضيلة او الكرامة أو الإنسانية. ويزداد الوضع إيلاما حين يتحالف بعض حكام العرب معه، ويتآمرون جميعا ضد فلسطين وأهلها وضد الأحرار والشرفاء. في عالم يهمين عليه التحالف الشرّير لا مكان للإنسان أو الدين، ولا حرمة للدم، ولا كرامة للروح. لذلك يسقط الشرفاء صرعى بالرصاص والطائرات المسيّرة وكافة أدوات الموت. فتفكير أصحاب المصالح من الصهاينة وعملائهم لا يهتم بالإنسان وتنميته ولا العلاقات البشرية أو قيم الحب والاحترام والاعتراف المتبادل، بل يتركز على أساليب إزهاق الأرواح واقتلاع البشر. أليس هذا ما حدث لشعب فلسطين قبل 75 عاما وما يزال مستمرا؟ إنه عالم التفوق التكنولوجي البحت الذي نزعت منه الرحمة والقيم، وأصبح الكثيرون فيه عبيدا للمادة وأتباعا للشيطان. في هذا العالم يتساقط أطفال غزة كالجراد، وأجسادهم الغضة ممزقة بلا رحمة إو إنسانية. وهنا تتسابق الحمم لتسقط من السماء وتدمر كل شيء، وتنشر الموت في كل زاوية. وحين يتحول العالم إلى غابة يمارس القوي فيها ما يريد من قتل وتدمير تتلاشى الإنسانية ويتساءل العقلاء عما إذا كانت الإنسانية تتجه نحو إعمار الأرض او تدمير البشر. ولا يمكن إحلال الأمن والسلم الدوليين ما لم تكن هناك إرادة مشتركة لدى الشعوب والحكومات بممارسة الدور الطبيعي للدولة الحديثة المخوّلة بالدفاع عن حدودها ضمن القوانين المحلية والدولية التي لا تسمح بممارسة الاعتداء على أحد.
فما شهدته المنطقة في الأسبوع الاخير يؤكد عمق الازمة وغياب الضمير الإنساني. فهناك مجموعة من البشر احتلت أراضي الغير ومارست عليها أبشع الجرائم، وما تزال تفعل. وتحظى هذه المجموعة المحتلة بدعم من قوى غربية عديدة لا مكان في قاموسها لمعاني الحق والعدالة والحرية. فلا تطرف لها عين حين تلقى الحمم على السكان الأصليين ويقتلون بالمئات كل يوم. هؤلاء يقضون حياتهم في المخيمات والملاجيء وفوق ذلك يتعرضون لأبشع أصناف التنكيل والقتل والإبادة. هؤلاء المحتلون لا يرعوون عن ارتكاب الجرائم بأبشع الوسائل ومنها الاغتيال بالطائرات المسيّرة. وقد أظهر اغتيال المناضل الفلسطيني صالح العاروري بصواريخ إسرائيلية مدى ما بلغه الإجرام الصهيوني الذي لم يكتف بقتله بل مزق أشلاء عدد ممن كان معه في الشقة التي استهدفت وسط العاصمة اللبنانية. هذه الجريمة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة ما دام النظام الرسمي العربي يواصل سياساته الخانعة ويسعى للتصالح مع الاحتلال والتخلي عن قضية فلسطين. مع ذلك يمكن القول ان الاعتداءات الاسرائيلية التي استمرت ثلاثة أرباع القرن لن تحسم المعركة لصالح الاحتلال، فما دامت قد فشلت طوال العقود السابقة في فرض هيمنتها على فلسطين او المنطقة فإنها لن تحقق اليوم ما عجزت عنه بالأمس. بل سيظل الكفاح الفلسطيني مستمرا بعد ان فرض على الساحة معادلة جديدة للتوازن العسكري وحرم المحتلين من ضمان تفوق كاسح.
الأمر المقزز حالة الصمت في الأوساط السياسية العربية. فالجرائم الإسرائيلية ترتكب يوميا، بدعم أمريكي مكشوف، ومع ذلك لم يوجّه يوما للأمريكيين عتاب او لوم لما يقدمونه من دعم سياسي ولوجستي للمحتلين، فضلا عن التهديد بإجراءات دبلوماسية او اقتصادية. فلو علمت واشنطن أنها ستواجه غضب الحكومات العربية بشكل فاعل فلربما أحجمت عن دعم الاحتلال. هذا الدعم ليس سرا بل حقيقة يعرفها العالم، بينما يغض النظام الرسمي العربي طرفه عنها ويترك الشعب الفلسطيني وشأنه في صراعه مع العدو. إنها واحدة من الحقب التاريخية التي تمر بها الأمة وهي عاجزة عن الدفاع عن نفسها برغم ما لديها من إمكانات مادية واسعة تكفي لردع المحتلين وداعميهم. من هنا تتعمق مشاعر الجماهير بالظلامة التاريخية التي أدت بهم للعيش على هامش الحياة بدون ان تكون لديها القدرة للدفاع عن المظلومين وضحايا الاحتلال والاضطهاد. فذلك جزء من المقايضة بين الانظمة والقوى الغربية، فتغض الطرف عما يمارسه الاحتلال في مقابل بقائها في الحكم وحمايتها من غضب شعوبها المطالبة بالحقوق والحرية. إن بإمكان الحكومات العربية النهضة من جديد لاستعادة المصداقية والتحول الى قوة عربية ضاربة تحمي حدود الأوطان وتمنع حدوث العدوان. ولكن ما دامت هذه الحكومات تستمد وجودها من الدعم الغربي، فلن تكون يوما مستقلة أو قادرة على اتخاذ القرار الضروري لحماية مصالحها. الحكومات العربية تدرك ان لديها أسلحة ضغط عديدة، وان بإمكانها لملمة صفوفها وإبراز صف موحد يلقن المحتل صاعين من العذاب. ولكن غياب الإرادة والقرار يمنعها من ممارسة الدور المنوط بها للذود عن الأوطان.
تطورات المنطقة في الأيام الأخيرة تهدف للقضاء على روح التحرر والتصدي للاحتلال الإسرائيلي، وبشكل خاص قوى المقاومة الفلسطينية. فإذا تحقق ذلك فسيكون تمهيدا للقضاء على كافة تجليات الحراكات والثورات الشعبية. وليس جديدا القول أن القضية الفلسطينية كانت دائما مصدر إشعاع وإلهام للاجيال المتطلعة للحرية، الأمر الذي دفع الحكام والقوى الغربية لاستهدافها لمنع استمرار ذلك. مع ذلك لا يمكن القضاء على المشاعر الثورية لدى الأجيال العربية المتطلعة للحرية خصوصا مع تغوّل النظام الاستبدادي المهيمن على أغلب الدول العربية. كما ان استمرار احتلال الأراضي الفلسطينية يدفع قوى المقاومة للصمود والثبات، وهذا يساهم في خلق أجواء ثقافية وفكرية وإعلامية تشجع روح التمرد والثورة، وبشكل تدريجي تتعمق حالة الاستقطاب التي يسعى النظام الرسمي العربي، بدعم القوى الامبريالية لمنع حدوثها. ومن المؤكد ان استمرار العدوان الإسرائيلي يساهم في إبقاء جذوة النضال متقدة، كما هو الوضع عليه هذه الأيام. إنها جذوة التغيير التي لن تنطفيء يوما، خصوصا مع توسع دائرة العمالة للغرب، ونزوع بعض الأنظمة للتطبيع مع العدو الإسرائيلي. فعندما أقدمت عصابة الحكم في البحرين على التطبيع مع العدو أدى ذلك لتوسع دائرة الصراع الداخلي في البلاد، وأصبح لدى الشعب أسباب أخرى للتمرد على الحكم الخليفي. ويلاحظ ذلك من الاحتجاجات اليومية التي لم تتوقف، وهي احتجاجات يشارك فيها جيل شبابي واع يتطلع للحرية ويرفض مسايرة الاحتلال.
مع دخول العام الميلادي الجديد تواصلت حراكات الشعب البحراني مجددا، وشعر الجيل الجديد بلذة النضال الهادف لتحقيق الحرية ومنع التطبيع وتعميق مشاعر الانتماء للآمة. ويتوقع ان يشهد العام الميلادي الجديد تصاعد التوتر في البلاد. وقد بدأ ذلك بتصاعد وتيرة الاعتقالات والتنكيل وتضييق مساحة الحريات العامة والتلاعب بمناهج التعليم والتربية لتكون منسجمة مع التوجه للتطبيع والتخلي عن روح المقاومة. وبرغم توجه بعض الحكومات العربية للتطبيع مع العدو، فإن المشاعر العميقة المختزنة في نفوس الكثيرين من ابناء الأمة تحول دون نجاح ذلك. فلدى الجماهير العربية مشاعر ترفض الاحتلال وتعتبر فلسطين أرضا عربية إسلامية تبحث عن حريتها وتسعى لصهر كافة التوجهات الدينية والسياسية في بوتقتها، وتصر على أن تكون مصدر إلهام للأجيال المتعاقبة. إن فلسطين عنوان لاضطهاد الأمة كلها من جهة، ومدخل لتحريرها من جهة أخرى. وستؤكد الفترة المقبلة حتمية انتصار الحراك الشعبي المتطلع للحرية والرافض لاستمرار احتلال أرض فلسطين. حقا إنه عام جديد يحمل تباشير النصر للشعوب المسحوقة، وستكون البحرين إحدى الساحات التي ستعيش حراكا سياسيا متواصلا يهدف لتحقيق الحرية والديمقراطية، وينهي عهد الاسترقاق القبلي الذي تدعمه امريكا وبريطانيا بدون مراعاة التطورات التكنولوجية. فلتتواصل الجهود من أجل التغيير الشامل، ولتتوحد الأمة في منطلقاتها وأهدافها. فذلك وعد إلهي غير مكذوب.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
5 يناير 2024