عام جديد وإصرار بحراني لتحقيق التغيير والنصر
في السابع من يناير استشهد عامل الدين البحراني، السيد حسين الغريفي بعد ان ساءت حالته نتيجة ما تعرض له من تعذيب وتنكيل خلال سجنه في الشهور الأولى بعد انطلاق ثورة 14 فبراير. لم يكن الرجل طاعنا في السن، أو مريضا عندما اعتقله جلاوزة الخليفيين، بل كان شابا بصحوة موفورة. ولكن الضرب والركل والتعليق من اليدين والرجلين وأشكال التعذيب الأخرى أضعفت جسده الطيني فاحتوشته الأمراض. يومها نقل الى مستشفى السلمانية للعلاج، ولكن شراسة التعذيب كانت أشد مما يستطيع الطب علاجه. وقد بقي ضحية الأمراض حتى توفاه الله مظلوما. إنه ليس أمرا جديدا القول بأن جلادي النظام الخليفي سجلوا مستويات غير مسبوقة في الشراسة والتوحش، وأن العشرات من البحرانيين فقدوا حياتهم نتيجة ما تعرضوا له من تعذيب ومعاملة سيئة. فهذه حقيقة وثقتها التقارير الحقوقية الدولية والمحلية، وهي خيار النظام بشكل واضح. ولم لو يكن كذلك لأجرى تغييرات جوهرية في نظام السجون، ولاعتقل المعذّبين المعروفين، ولقام بتشكيل لجان تحقيق مستقلة لجمع إفادات الآلاف من ضحايا التعذيب ومعاقبة المجرمين الذين ارتكبوها. لم يحدث شيء من ذلك، بل حدث العكس، فما أكثر الأوسمة التي وزعها الطاغية وعصابته على الجلادين، وما أكثر ما أنفق من أموال لخلق منظمات بعناوين شتى، هدفها طمس الحقائق والدفاع عن العصابة الخليفية وتلميع صورتها في المحافل الدولية. وبالمناسبة فقد استذكر الشعب البحراني ذكرى استشهاد الشيخ نمر النمر الذي أعدمه السعوديون في الثاني من يناير 2016، ورفعت صوره في المسيرات داخل البحرين وخارجها.
هل هناك أكثر معرفة بما يجري في السجون الخليفية من ضحاياها؟ فقد انطلق العام الميلادي الجديد باحتجاجات واسعة في طوامير التعذيب برغم علم المشاركين فيها بما ينتظرهم من تعذيب وتنكيل وعقوبات مريرة. فقد بدأ أكثر من 400 سجين سياسي من المباني 7 و 8 و 9 و 10 بسجن جو المقيت، إضرابا عاما مطالبين بتغييرات جوهرية في الانظمة المتبعة في السجون الخليفية. وهرع الخليفيون مجددا في محاولة أخرى للتعتيم على الإضراب وبعثوا عبيدهم للالتقاء بالسجناء ومحاولة إنهاء إضرابهم بأسرع وقت ممكن. وهذا ما حدث قبل اسبوعين فحسب بسجن الحوض الجاف. فقد أضرب المعتقلون اليافعون هناك مطالبين بتحسين أوضاعهم، فاجتمع معهم جلاوزة الطاغية وقدّموا لهم وعودا بالاستجابة لبعض مطالبهم. وهذا ما كان يحدث في كل مرة يحدث فيها إضراب من قبل السجناء السياسيين. ولكن نادرا ما التزم الخليفيون بوعودهم.
ربما يعتقد البعض أن المشكلة محصورة في أنظمة السجن وسوء المعاملة وغياب الرعاية الصحية وعدم انتظام الزيارات والاتصالات العائلية. ولا شك أن هذه بعض مظاهرة الأزمة، ولكن جوهرها يكمن في المشاعر الداخلية المختزنة لدى سجناء الرأي البحرانيين الذين قضى الكثيرون منهم ثلاث عشرة سنة وراء القضبان ظلما وعدوانا. هذا البحراني البريء يشعر في قرارة نفسه أن اعتقاله في البدء كان خطيئة، وأن استمراره ضاعف تلك الخطيئة. إنه شعور بالظلامة التاريخية التي عانى منها الشعب البحراني منذ عقود، وتظاهر من أجل رفعها، واحتج شبابه لتغيير الواقع، واستشهد المئات على طريق التغيير المطلوب، وبعد مائة عام من الحراكات الشعبية تعمقت مشاعر الظلامة خصوصا بعد صعود الحاكم الحالي الذي يعتبر أسوأ الحكام الخليفيين على الإطلاق. فهو ديكتاتور مستبد يعتقل ويعذب ويقتل. وهو عميل رخيص رهن الوطن للاجانب، وهو متصهين إلى النخاع. لذلك لا يرى الجيل الحالي من البحرانيين الذين عاشوا ظروف الثورة إمكانا للتعايش مع هذا الطاغية وعصابته، ولا يرى ان استقرار البلاد وأمنها سيتحقق إلا بحدوث تغيير جذري يعيد السيادة للشعب وينهي هيمنة العصابة الخليفية على الحكم.
هذه المشاعر تتعمق مع استمرار الأزمة واكتظاظ السجون بالمواطنين. كما يزداد المواطنون رفضا لهذا الحاكم بعد أن كشف وجهه القبيح بتطبيعه مع العدو الإسرائيلي وتنكره لقضية فلسطين. لذلك يزداد حماس الشعب للتغيير خصوصا مع اقتراب الذكرى الثالثة عشرة لثورته المظفرة التي جسدت أروع الملاحم وكتبت تاريخا جديدا للبلاد بدماء شهدائها التي سالت أنهارا. وطوال هذه الفترة أكد الطاغية طبيعته الإجرامية بتوسيع السجون وممارسة التعذيب والقتل. لذلك تعتبر ذكرى الثورة محطة سنوية لتثبيت هوية البلاد وتعميق مشاعر الثورة وتوسيع دائرة الرفض الشعبي للحكم المارق. ويأتي إضراب السجناء ليكون محطة أخرى على طريق النضال الوطني، وسببا لتجديد حركة الشارع والسعي لتحقيق التغيير المنشود الذي اقتنع الشعب بحتمية حدوثه. فالحكم يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم. صحيح أن الشعب يدفع أثمانا باهضة خلال محاولاته المتكررة لتحقيق التغيير، ولكنه يدرك كذلك أن هذا الثمن على المدى الطويل سيكون أقل كلفة من ثمن بقاء الخليفيين على سدة الحكم. هذا ما يحرك المعتقلين السياسيين الذين يعانون من أوضاع السجن السيئة ويحرمون من التواصل الحقيقي مع عائلاتهم، ولا تتوفر لهم أدنى الحقوق الإنسانية التي ينص عليها القانون الدولي.
والسؤال هنا: لماذا يستمر هذا الحكم ماسكا بتلابيب السلطة برغم المعارضة الواسعة التي لم تتوقف يوما عن النضال والتصدي الميداني له؟ لا شك أن الدعم الغربي من أهم عوامل بقائه. وفي هذه الفترة التي يتصاعد فيها التوتر الإقليمي بسبب طغيان الاحتلال الإسرائيلي أصبحت المنطقة كلها على مرجل من نار، وتوسعت الصراعات وتعددت بؤر التوتر، فتجاوزت منطقة الخليج التي عرفت بسخونة أجوائها، وأصبحت منطقة البحر الأحمر بؤرة أخرى للصراع بين الشعوب وقوى الاستبداد والبغي والاحتلال. فمع ازدياد وعي الشعوب العربية بضرورة التغيير السياسي وتحرير البلدان من الاحتلال وإنهاء الهيمنة الصهيونية على فلسطين، يستعصي الفتق على الراقع، وشيئا فشيئا تتصاعد موجات النضال والصمود سواء في فلسطين أم اليمن أم الدول الأخرى التي تتحرك شعوبها من أجل الحرية. وهذا يمثل تحديا حقيقيا للقوى الاستعمارية التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي بوقاحة. وقد أصيبت هذه الدول بصدمة شديدة عندما دخلت جنوب أفريقيا على خط النضال ضد الصهاينة من أوسع أبوابه، فقدمت شكوى رسمية ضد “إسرائيل” لمحكمة العدل الدولية بتهم خطيرة على رأسها الإبادة، وهي جريمة خطيرة تتوفر لها مصاديق عديدة في السياسات الصهيونية تجاه الشعب الفلسطيني.
النضال عنوان المرحلة، فلا مجال للتغيير بدونه، ولا مجال للتراجع عنه من قبل الشعوب المضطهدة خصوصا الواقعة تحت الاحتلال كالشعبين الفلسطيني والبحراني. وليس غريبا تردد أصداء صوت فلسطين في أرجاء البحرين، نظرا لتشابه الوضعين، وعمق مشاعر البحرانيين تجاه فلسطين وأهلها. هذا الشعب يعلم أنه يدفع ثمنا مضاعفا لهذا الموقف، ولكن ماذا يضيره وهو الذي اكتوى بنيران الظلم والاستبداد والاحتلال عقودا؟ ومع توسع حالة الاستقطاب السياسي في المنطقة يمكن القول أن مستقبل الصراع الذي يبدو غامضا سيكون لغير صالح الأطراف المعتدية، وسيكون للشعوب نصيبها من النصر المحتوم. ولن تكون أمريكا ومواقفها وما تملكه من قوة عسكرية عاملا حاسما في معركة تخوضها شعوب المنطقة من أجل الحرية والكرامة. إن ما يجري في البحرين يمثل صورة مصغّرة لدائرة الصراع الأوسع في الشرق الأوسط، ذلك الصراع التاريخي بين الحق والباطل، بين المظلومين والظالمين، وبين أصحاب الأرض والمحتلين. فدموع الثاكلات في البحرين وغزة واحدة، وهي من وقود الثورة التي لن تتوقف حتى يتحقق النصر بعون الله تعالى. فذلك قدر هذه الأمة وشعوبها، وهي مستعدة لتحمل المسؤولية المنوطة بها كأمة وسط، شاهدة على الناس ومساهمة في النضال الإنساني من أجل الحرية والكرامة.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
12 يناير 2024