الذكرى الـ 13 للثورة المظفرة، ودعوة لتعميق مقاطعة العدو
يستعد الشعب هذه الأيام للاحتفاء بالذكرى الثالثة عشرة لثورته المظفرة، ويستحضر ما قدّمه من تضحيات بهدف استرداد حريته وأرضه من المحتل الخليفي الغاشم. وسيمارس أقصى ما يستطيع من فعاليات لاستذكار شهدائه الأبرار وتعميق روح الثورة لدى المواطنين ومشاعر الكرامة والإباء في نفوسهم. سينظم الأحرار مظاهراتهم كما اعتادوا في الذكريات السابقة، وسيزورون قبور شهدائهم تأكيدا للوفاء، كما سيزورون عائلات الشهداء للتضامن معها وتعميق ثقتها بإنسانية المواطنين خصوصا الثوار منهم. وفي سياق الاحتفاء بذكرى الثورة تتجلى أمام الشعب جرائم الحكم الخليفي المجرم، سواء في معاملته الوحشية للمتظاهرين او السجناء السياسيين الذين مضى على اعتقال بعضهم ثلاثة عشر عاما، أم علاقات الخليفيين مع أعداء الأمة. ويبرز تطبيعهم مع الاحتلال نقطة سوداء كالحة وجريمة نكراء بحق أرض المعراج وسكانها. وبرغم توجه الخليفيين لتعميق أواصرهم مع الصهاينة والتطبيع مع كيان الاحتلال، فقد أثبت شعب البحرين، ماضيا وحاضرا، إصراره على رفض ذلك، وذهب أبعد من المقاطعة السياسية، وألزم نفسه بالتوقف عن شراء المنتجات الإسرائيلية كافة. وحتى عندما عمدت العصابة الخليفية للتضليل بترويج مقولة أن تلك البضائع إنما هي من إنتاج الفلسطينيين وليس الصهاينة، كان الشعب أوعى من ذلك، فأفشل تلك الخطة جملة وتفصيلا، وعندما بعث الطاغية بعض عملائه من التجار لزيارة تل أبيب لعقد صفقات تجارية، باءت الخطة بالفشل نتيجة الوعي الشعبي في بلد ناضل شعبه من أجل الحرية عقودا متواصلة. اما المقاطعة العربية للمنتجات الإسرائيلية فهي منظومة تجارية – سياسية بدأت بعد الاحتلال 1948 وتجددت عبر العقود اللاحقة. وبرغم محاولات خرقها من قبل الصهاينة من جهة وبعض الحكومات العميلة من جهة أخرى، ما تزال الشعوب العربية ترفض الاحتلال وتقاطع منتجاته. مع ذلك لم تتراجع “إسرائيل” عن محاولاتها اختراق منظومة المقاطعة، وحاولت توجيه التطبيع نحو الجانب الاقتصادي والتجاري، وطالما روّجت أن أوضاع الشرق الاقتصادية سوف تتطور من خلال مشروع التطبيع والاعتراف بالكيان الغاصب والتخلي عن فلسطين وشعبها.
ويمكن القول ان المقاطعة التجارية من أهم وسائل النضال الشعبي، فهو سلاح فاعل ضد العدو نظرا لدور الاقتصاد في دعم المشروع السياسي لأي نظام أو دولة. والمقاطعة ذات شكلين: رفض الشراء ورفض البيع. والسائد في الثقافة العامة أن المقاطعة محصورة برفض الشراء من الطرف الآخر، أما رفض البيع فيصنف ضمن مصطلح “الحظر”. فأمريكا مثلا تحظر تصدير منتجاتها للدول التي تعتبرها معادية مثل إيران. والنقاش هنا يدور حول دور الجماهير في تفعيل مبدأ المقاطعة، أي الامتناع عن شراء منتجات الطرف الآخر الذي تعتبره عدوا. وهذا ما حدث في العقود السابقة، حيث قاطعت الشعوب العربية والإسلامية المنتجات الإسرائيلية كأحد وجوه رفض الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، بهدف إضعاف ذلك الاحتلال الغاشم. وتقتضي المسؤولية الدينية والأخلاقية والإنسانية محاصرة المحتلين اقتصاديا خصوصا في ضوء ما يمارسونه من قمع واضطهاد للشعب الفلسطيني. وتكفي مشاهد الدمار اليومية على أيدي الصهاينة لاستيعاب طبيعة العدو وتوحشه. فإذا عجزت الأمة عن مقارعته بشكل مباشر، فهي قادرة على إضراره اقتصاديا بالالتزام بالمقاطعة، خصوصا أن هذه الامة عملاقة بشريا وجغرافيا، وتمتلك قوة شرائية هائلة، وحرمان العدو من تلك الإمكانات لا شك أنه يساهم بإضعافه. ولذلك تتواصل الجهود لكسر المقاطعة او الالتفاف عليها. ولو أن هذه المقاطعة استخدمت كذلك مع الدول الأساسية الداعمة للكيان لربما اضطرت لتغيير سياساتها.
وعلى مستوى البحرين، فقد أثبتت المقاطعة جدواها. وهنا لا بد من ذكر حادثة وقعت في ذروة الانتفاضة المباركة في التسعينات. فقد كانت هناك جدّيّة لمحاصرة الخليفيين والمحسوبين معهم. وقررت المعارضة في لندن استهداف بعض أولئك الداعمين اقتصاديا، فدعت الشعب لمقاطة منتجات البيبسي كولا. وما هي إلا أيام حتى اتصل مالك المصنع (أحمدي) بسماحة الشيخ علي سلمان الذي كان يومها يحضر اجتماعا للمعارضة في لندن، وبدأ يشرح له موقفه وأنه لم يدعم النظام ماليا، وأن المقاطعة قد أضرّت تجارته كثيرا، وتوسل بالشيخ علي للدعوة لرفعها. كان واضحا أن تلك الدعوة كان لها أثر كبير على المسار التجاري لتلك الشركة. ويجدر هنا استحضار ما يسمى “فتوى التنباك” التي أصدرها في 1891 المرجع الديني السيد محمد حسن الشيرازي. يومها منح الملك القاجاري، ناصر الدين شاه، حق بيع وشراء التبغ في إيران لصالح شركة بريطانية، فحدث احتكارعلى تجارة التنباك (التبغ) في إيران، من قبل شركة واحدة. فأصدر المرجع فتواه الشهيرة بتحريم استخدام التنباك، فانهارت تجارته في إيران تماما، وأجبرت الشركة على التخلي عن احتكار تجارة التنباك. وسر نجاح الفتوى حالة الالتزام الكاملة من قبل الجماهير حيث أظهرت قوة الفتوى الدينية في توجيه المسارات الاقتصادية وربما السياسية في البلدان التي تلتزم بالدين ومراجعه وفتاواهم.
إن من الضرورة بمكان الاستمرار في مقاطعة المنتجات الإسرائيلية بشكل كامل، وعدم التساهل في تطبيقها، ويجدر بعلماء الدين والمثقفين ترويج مشروع المقاطعة لتكون فاعلة. كما أن من الضروري تشجيع الأفراد على التخلي عن الأنانية والمصالح الفردية، والتوجه نحو الجماعة ودعم موقفها إزاء القضايا الكبرى التي تواجه الأمة. وحين يتم ترجيح المصلحة العامة على المصلحة الخاصة يزدهر المجتمع وتستطيع الأمة إثبات وجودها أمام الآخرين. وقضية فلسطين ساحة واسعة لممارسة العمل الجماعي وتشجيع المواقف الجماعية التي تؤثر في المسار العام. فالتظاهرات الداعمة للحق الفلسطيني مطلوبة لان من شأنها أن تحدث تغيرا في سياسات الأنظمة التي تتعرض للضغوط الخارجية لمسايرة السياسات الأنجلو-أمريكية بالتوجه نحو التطبيع وكسر الحواجز بين الأمة والاحتلال الإسرائيلي. ولكن المطلوب أيضا تفعيل مبدأ المقاطعة العربية والإسلامية على نطاق أوسع لأسباب عديدة:
أولا: منع التداعي النفسي والسياسي لدى الأمة أمام الغطرسة الصهيونية، خصوصا بعد ما ارتكبه المحتلون من مجازر وقتل جماعي يصل الى مستوى الإبادة. فالمقاطعة إجراء مهم لإبقاء جذوة الرفض للاحتلال. أما الذين هرولوا للتطبيع فإنهم يساهمون في التخفيف من وطأة الاحتلال وتوحشه.
ثانيا: إفهام العالم، خصوصا داعمي “إسرائيل” أن أمة العرب والمسلمين لن تقبل الاحتلال يوما، ولن تتعامل بشكل طبيعي مع من احتلوا فلسطين والقدس ودنّسوا الأقصى، ومارسوا أبشع الجرائم بحق النساء والأطفال، فهدموا الأبراج السكنية على رؤوس ساكنيها وأمعنوا في إراقة دماء الأبرياء بدون حدود.
ثالثا: أن المقاطعة تؤثر على ظاهرة التطبيع التي يهرول البعض وراءها، والتي تدفع أموال النفط لتسهيلها. ووجود المقاطعة يكرّس روح الممانعة، ويعمّق حالة الاستقطاب مع الصهاينة. وقد لوحظ أن الذين هرولوا للتطبيع كحكومتي الإمارات والبحرين، هرعوا للتبادل التجاري مع “إسرائيل”، الأمر الذي يعتبر دعما للاحتلال ومكافأة لسفاكي الدماء.
رابعا: أن المقاطعة سلاح فاعل بوجه الاحتلال. فهو يحرمه من التبادل التجاري الذي يدرّ الأموال على خزينة كيان الاحتلال، ويساهم في رفاهية المحتلين والمستوطنين. والمقاطعة تبعث رسالة بليغة بأن مصادرة أراضي الآخرين لن يكون طريقا للعيش الرغيد يوما، وأنها ستحاصر من يقوم بها من كل الجهات.
أمام هذه الحقائق الدامغة لا يبقى مجال للتلاعب بالموقف السياسي والاقتصادي الذي يفترض ان يلتزم به العرب والمسلمون. فالالتزام بالمقاطعة مسؤولية إنسانية وإسلامية تهدف لإضعاف المعتدي ومحاصرته اقتصاديا وتجاريا، ففي ذلك ضغط كبير من شأنه تشجيع العالم لمقاطعته كذلك. والأمل أن لا يحدث تراخ او تراجع عن المقاطعة التي أصبح لا بد منها بوجه الاحتلال وما يمثله من عدوان على الإنسانية. ونهيب بالنشطاء القيام بدور فاعل في مجال نشر ثقافة المقاطعة كآخر جبهة من جبهات المواجهة على خط تحرير أرض المعراج.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
9 فبراير 2024