ثلاث عشرة شمعة أشعلتها ثورة البحرين لتضيء طريق الحرّيّة
أكد الاحتفاء الشعبي بالذكرى الثالثة عشرة لثورة البحرين المظفرة بإذن الله وعيا وعميقا والتصاقا قويا بما حدث في 14 فبراير 2011 وما تبعه من حوادث. ففي الأسبوع الأخير خرجت المظاهرات والاحتجاجات في أغلب مناطق البحرين، ولم تقتصر على يوم الذكرى فحسب، بل بدأت قبله ويتوقع استمرارها بعده. وبذلك أصبحت الثورة مرتبطة بالذاكرة الوطنية بمستوى لا يستطيع الطغاة الخليفيون وداعموهم القضاء عليه او التقليل منه. حدث ذلك برغم الضربات الأمنية الاستباقية التي شنها الحكم الخليفي الشرس، بالاعتقالات المصحوبة بالتنكيل والتعذيب، والتهديدات بالانتقام وبث الدعايات الهادفة لردع المواطنين عن المشاركة في فعاليات إحياء ذكرى الثورة. برغم كل ذلك خرجت المسيرات والمظاهرات، وقام البعض بحرق الإطارات وقطع بعض الشوارع، تعبيرا عن الغضب المختزن تجاه العدو الخليفي وداعميه. كما اكتظت وسائل التواصل الاجتماعي بالتعليقات والمقالات التي تتطرق للوضع في البلاد وتأكيد حتمية حدوث التغيير بعد ان بلغ السيل الزبى. ولم يفت الكتّاب والمعلّقين ما قام به الخليفيون من تطبيع مع العدو الإسرائيلين مؤكيد ان ذلك وحده يكفي للثورة على الطاغية وعصابته وأسقاطهم بعد ارتكابهم الخيانة العظمى بحق الأمة والشعب. وقد أصبح واضحا أن التعامل الخليفي مع البحرانيين هذا العام مختلفا عن السابق، إذ دخل العنصر الإسرائيلي في مجال الأمن من أوسع الأبواب، ظنا من الطاغية أن ذلك سيقتلع روح الثورة من نفوس الأحرار بالقمع والاضطهاد.
ماذا يعني ذلك؟ وماذا يحمل العام الجديد من مفاجأت على صعيد الحراك الوطني تأسيسا على التجربة الثورية التي كانت ناجحة بكل المقاييس. يكاد يكون هناك إجماع على أن ثورة البحرين كانت الأكثر جذبا للجماهير والأوسع شعبيا في العالم العربي. فلا يمكن التطرق للربيع العربي بدون التطرق لثورة البحرين، ولا يمكن النقاش حول دور تحالف قوى الثورة المضادة بدون العودة إلى ما فعله ذلك التحالف الشرير لقمع تلك الثورة. فلم يمر شهر واحد فحسب على اندلاع تلك الثورة من ميدان اللؤلؤة حتى قرر ذلك التحالف اجتياح البحرين عسكريا لشن عدوان كاسح في وضحا النهار أمام عدسات المصرين ومراسلي القنوات التلفزيونية. كان المواطنون يهتفون من أجل الحرية والعدالة ويطالبون بإنهاء الاستبداد الخليفي القبلي الرجعي، كما كان ثوار البلدان العربية الأخرى يفعلون في مصر وليبيا واليمن. ولم تتدخل الجيوش الأجنبية لقمع شعوب تلك البلدان، ولكن كان وضع البحرين مختلفا. فقد استدعيت قوات من الخارج لقمعها بدون رحمة، فكانت هناك القوات السعودية والإماراتية والقوات الباكستانية والأردنية، بالإضافة للدور الذي لعبته السفارتان الأمريكية والبريطانية. كانت حربا شعواء على الشعب البحراني ضمن مسلسل استهداف الشعوب العربية المطالبة بالحرية. وهكذا يتضح ان الصراع بين الحرية والاستبداد في العالم العربي سوف يتواصل ولم ينته باستهداف الربيع العربي بقسوة ووحشية وإرهاب سلطوي غير مسبوق.
وقد لوحظ ان ثورة البحرين شاركت فيها قطاعات شعبية عديدة. فكان للأطباء حضورهم الفاعل، الامر الذي دفع الطاغية وعصابته لاستهداف الكادر الطبي وسجن عدد من أفراده وكذلك الممرضين، بالإضافة لعسكرة المستشفيات خصوصا مسشتفى السلمانية. وكان للرياضيين دورهم في الاحتجاجات، حتى اعتقل العديد منهم ومنع من المشاركة في الدورات الرياضية اللاحقة. أما المرأة فكان لها نصيب الأسد سواء في الاحتجاجات ام الاعتقال والتعذيب، وما تزال هذه المرأة تشارك بفاعلية وحماس في المظاهرات اليومية التي تجوب شوارع القى والمدن. هذه المرأة التي تعرضت للتعذيب الوحشي لم تتراجع عن دورها، بل التحقت بالثورة طوعا بحماس ووعي وإصرار، حتى بلغ الأمر ان تصدّرت صور المرأة البحرانية المناضلة واجهات الصحف الدولية مثل “اندبندنت” التي نشرت يوما صورة آيات القرمزي كرمز للدور الثوري للمرأة البحرانية.
مع ذلك يسجل لشعب البحرين أمور عديدة
أولا: انها ثورة متواصلة منذ أكثر من مائة عام، هتف المشاركون فيها عبر الأجيال المتعاقبة بالحرية وحق تقرير المصير والشراكة الشعبية في الحكم وصناعة القرار وتأكيد انتماء البحرين عربيا وإسلاميا.
ثانيها: أنها جاءت بعد جريمة كبرى ارتكبها الحكام الخليفيون بانقلابهم على دستور البلاد قبل حوالي خمسة عقود، ثم رفضهم الالتزام بوعودهم أمام الشعب في العام 2001 بإعادة العمل بذلك الدستور.
ثالثها: أنها عندما انطلقت استقطبت كافة القطاعات الوطنية والانتماءات المذهبية والأيديولوجية، حيث كان الجميع يتطلع لعهد جديد يسوده حكم القانون وتكون الحاكمية فيه للشعب وليس لعصابة آل خليفة المجرمة.
رابعها: أنها كانت سلمية بشكل مطلق، فلم يكن لدى المشاركين سوى ألسنتهم وأصواتهم وسواعدهم التي تهتز في الهواء مع إطلاق الهتافات المطالبة بالتغيير والتحول الديمقراطي.
خامسها: أن الحكم الخليفي هو الذي لجأ لاستخدام القوة المفرطة واعتدى على المواطنين في دوار اللؤلؤة وقتل العديد منهم ثم استدعى قوات من الخارج لضرب الثورة، بدون تفويض من أي طرف شعبي.
سادسها: أن ثورة شعب البحرين لم تنكسر برغم العدوان العسكري السعودي والإماراتي والتدخلات الأنجلو- أمريكية، بل استمرت فعالياتها حتى خلال أحكام الطواريء الذي فرضها الغزاة، وقد استشهد خلال تلك الحقبة العديد من المواطنين.
سابعها: أن التعامل السلطوي مع الثورة تجاوز الحدود، فلم تكتف القوات الخارجية التي استدعاها بقتل الأبرياء وسجن الأحرار بل عمدت لاستهداف ثقافة البلاد وتاريخها ودينها، فهدمت المساجد في حملة شرسة استهدفت 40 مبنى دينيا.
ثامنها: أن روح الثورة لم تضمر في نفوس الشعب، بل يصر البحرانيون على الاستمرار بدون توقف، ولم يتوقفوا طوال الثلاثة عشر عاما الأخيرة، بل رابطوا في الميادين وسجلوا حضورا ثوريا متميزا في أحلك الظروف، ولم تمنعهم حمامات الدماء التي سفكها الطاغية وعصابته من العمل الثوري والتضحية بأعز ما يملكون.
في ذكرى هذه الثورة تستعيد ذاكرة الشعب مشاهدها التي تنضح بالكرامة والإباء، وتكشف لذوي العقول شجاعته واستبساله وإباءه. ولذلك لم تنفع معه كافة أساليب القمع برغم شراستها. وهل هناك قمع من قتل المحتجين بالذخير الحية؟ أو استشهادهم تحت مباضع الجلادين في طوامير التعذيب؟ او على المقاصل والمشانق؟ لقد عاش احرار البلاد كل ذلك، ولكنه لم يسمح لها بكسر عزيمته او النيل من إرادته. إنها قصة في الشجاعة تواصلت ليس عبر الثلاثة عشر عاما الأخيرة فحسب، بل على مدى طويل خاض شعب البحرين خلاله انتفاضات وثورات وعاني من المحن ما لا يحصى. فقد اكتظت السجون بالأحرار، من سافرة إلى جدة إلى جو إلى الحوض الجاف، وفي كل منها تذوقوا العذاب والألم بدون رأفة أو رحمة. لذلك كانت كل انتفاضة تحدث أقوى من سابقتها حتى وصل الأمر الى ثورة 14 فبراير التي غيّرت طبيعة الصراع بين شعب البحرين والعصابة الخليفية الحاكمة.
ذكرى الثورة تحل هذا العام، كما سبقه من الأعوام في ظل غياب رموزها المغيّبين وراء القضبان، وهم الذين قادوا أعظم ثورة شهدتها البلاد. وقد سجّل التاريخ دور الأستاذ الكبير عبد الوهاب حسين الذين قاد أول تظاهرة خرجت في الساعات الأولى من صباح الرابع عشر من فبراير 2011، ومعه قرابة المائة من المواطنين. وما هي إلا لحظات حتى تعرضت لعدوان خليفي وحشي لتفريقها، ثم انطلقت الاحتجاجات في المناطق الأخرى وفق الخطة المرسومة، فكانت الثورة. فطوبى للاستاذ عبد الوهاب والاستاذ حسن والدكتور السنكيس والخواجة وعلماء الدين: الشيخ علي سلمان والمقدادين والنوري والمخوضر وبقية رموز الوطن المغيبين في طوامير التعذيب الخليفية. ندعو الله للشعب بالانتصار وللرموز وبقية السجناء السياسيين بالحرية، وللشعب البحراني العظيم بالنصر المؤزر على أعداء الإنسانية والوطن، ولشهداء البحرين وبقية ثورات الربيع العربي بالمغفرة والرحمة والخلود.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
16 فبراير 2024