ذكرى ولادة المهدي تعمّق الأمل بانتصار المظلومين
احتفى المؤمنون في اليومين الماضيين بذكرى مولد الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه، فأقيمت الاحتفالات وألقيت الكلمات والقصائد للتعبير عن الفرحة بحلول المولد الشريف. ولم يمنع تغييب أكثر من 1300 سجين سياسي بحراني وراء ا لقضبان عائلاتهم من المشاركة في تلك الاحتفالات. فالمناسبة تكتسب أهميتها من آثارها النفسية على المظلومين والمستضعفين في أنحاء الأرض. فالإمام المهدي، حسب ما جاء في الأحاديث المرويّة عن آل بيت رسول الله، سيقود حركة تصحيحية عالمية غير مسبوقة منذ البعثة النبوية الشريفة ا لتي كانت انقلابا شاملا على الجاهلية اعتقادا وفكرا ونظاما. وبتحطيم الأصنام وكسر الهيمنة القبلية على الشأن العام في الجزيرة العربية، وشل دور رموز الهيمنة والاستبداد بزغ فجر جديد كان واعدا بمستقبل مختلف للبشرية انطلاقا من الجزيرة العربية. ولكن سرعان ما استعاد رموز الجاهلية تماسكهم، ووضعوا خططهم موضع التنفيذ بعد وفاة رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام. ولكن الرسالة المحمّدية كانت تنطوي على عنصر التجديد والمفاجأة والمرونة في التعامل مع الانحرافات والانقلابات. وقد أكد القرآن الكريم حتمية ظهور الدين وقيمه ولو بعد حين. فذلك وعد إلهي غير مكذوب.
من هنا تتجلى أهمية المشروع الإصلاحي الشامل المنوط بالإمام المهدي المنتظر الذي تم الاحتفاء بذكرى مولده الشريف هذه الأيام. والمهدي ليست فكرة عابرة او اعتباطية أو تخديرية بل هو عنوان لمشروع إصلاحي شامل يكمل المشروع المحمّدي الذي انقلب القبليون عليه. هذه المرة ليس هناك ا ستعجال بوضع المشروع المهدوي موضع التنفيذ، فلن يعلن عنه إلا بعد ان تتهيّأ ظروف نجاحه. وقد بقي طوال القرون السابقة سببا للتفاؤل لدى حملة المشروع الإسلامي والمؤمنين. وقد تم التأكيد عبر الأدبيات الإسلامية الواعية على ضرورة الإعداد الجيد من خلال توسيع مفهوم الانتظار ليكون مبدأ فاعلا يدفع المؤمنين به للعمل الدؤوب على كافة الصعدان التي يتطلبها نجاح مشروع الإمام المهدي عليه السلام. هنا لا مجال للتراخي أو التكاسل او التواكل او التخدير بالوعود غير الواقعية. الانتظار هنا يعني الإعداد المحكم، وهو مهمة موكولة لكل فرد يؤمن بالمهدي. هذا ما يشعر به الثوريون والمناضلون في البحرين وغيرها، إذ يرون مسؤوليتهم الشرعية تفرض عليهم أمورا عديدة: أولها: تعميق الإيمان في النفوس بما يجعل المرء ينصره في العبودية لله وحده، مصدر المشروع الإصلاحي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسوف يكمله المهدي عليه السلام. ثانيها: تكريس مشاعر الانتماء لهذا المشروع، فبدون ذلك الشعور يغيب الحماس للإعداد المطلوب. ثالثها: مقارعة الظلم دائما لجعله مرفوضا في نفوس الجماهير، وإسقاطه هدفا للمناضلين على مر التاريخ. فما السجن والتنكيل والتضحيات الكبيرة إلى من مستلزمات الإعداد المطلوب. رابعها: العمل على تأسيس أنظمة سياسية تنتمي للإسلام عقيدة وشريعة لتسهيل المهمة ا لإصلاحية الكبرى عندما يحين وقت انطلاقها على يدي الإمام المهدي (ع). خامسها: توسيع دائرة الحكم الإسلامي ليشمل أكبر عدد من الأقطار والدول، فذلك يساهم بشكل مباشر في تسهيل مهمات الإمام عندما يظهر.
لقد شاءت الإرادة الإلهية أن يحيط موعد الظهور بالغموض لأسباب غير معروفة بشكل حاسم، ولكن يمكن طرح بعض التفسيرات لها. فالاستخلاف الإلهي يهدف لجعل البشر السائرين على الأرض مسؤولين بشكل مباشر عن إعمارها على كافة الصعدان بشكل متواصل، وان لا يتقاعس المؤمنون عن أداء وظيفتهم التي تقتضي الكفاح الدائم، فلو كان موعد ا لظهور معلوما لانحصر الإعداد له بالفترة الزمنية القريبة من ذلك الموعد، ولعاشت أجيال كثيرة بدون هدف او رسالة، ولأصبح التواكل سمة الكثيرين. يا أيها الإنسان إنك كادح كدحا فملاقيه. ولا شك أن توفر الأمل بحتمية إصلاح الأرض وما عليها يساهم في التشجيع على المساهمة فيه. فالعاقل يسعى لأن يكون عنصر خير دائما وأن يتصدر الصفوف لذلك، وأن يتزاجم بالمنكب مع الآخرين للمشاركة. ولذلك لم تتوقف أعمال الإصلاح منذ الغيبة الكبرى، فكان هناك العلماء والمفكرون والنشطاء الذين سعوا للإصلاح وتصدوا للظلم والباطل. وما اكثر الذين استشهدوا على ذلك الطريق، فما أكثر أعداء الإصلاح، وما أبشع الباحثين عن المصلحة الشخصية بعيدا عن الالتزام بالمبداء وأداء المسؤولية. فحتى في ظل أشد الحكومات قمعا واضطهادا لم يتراجع المؤمنون الصادقون عن العمل الدؤوب، فاكتظت السجون بهم، وعلّقوا على المشانق ماضيا وحاضرا. وهل المناضلون الذين يرزحون في سجون البحرين مثلا إلا السائرون على الخط المبدئي الذي يعتبر المشروع المهدوي حتمية ستتحقق يوما؟ هؤلاء استوعبوا مفهوم الانتظار الإيجابي الذي يدفع المرء للعمل ويبعده عن الانتظار السلبي الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. فللظهور شروطه التي منها توفر الكتلة الصالحة المستعدة للتضحية والفداء مع الإمام، وكذلك توفر الظروف التي تشجع على الإصلاح وكذلك وسائل الأداء.
من هنا أكد العلماء والمفكرون مبدأ الانتظار الإيجابي، وتشكلت عبر القرون فرق الإعداد والإصلاح، تارة في المساجد وأخرى في أماكن التجمع الأخرى كالمآتم والمراكز الإسلامية، وثالثة بالتصدي السياسي المكشوف ضد الظالمين، تطبيقا للحديث الشريف: إن من أغظم الجهاد كلمة حق أمام سلطان جائر. فالظالم إنما يستقوي بصمت الجماهير عن ظلمه، ويخشى حركتها الواعية التي تكسر حاجز الصمت وتنزل للشوارع لتحدّيه. وكلما تعمّق إيمان المرء اشتد شوفه للقاء الله، وهنا تصبح مواجهة الظلم والطغيان أمرا يسيرا مهما انطوت عليه من مخاطر قد تؤدي إلى الاستشهاد والموت. ويرتبط مفهوم الشهادة بالمشروع المهدوي الإصلاحي. إذ يشعر المؤمنون الواعون بضرورة المشاركة الجادة في الإعداد لظهور الإمام، وأن ذلك يتطلب إصلاح الأوضاع في بلدانهم بالإضافة لبناء الكوادر الذي يتطلب تفعيل مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هذا ما استوعبه أحرار البحرين الذين رزحوا في السجن طويلا، وما يزال الكثيرون منهم وراء القضبان. فالذين يشاركون في الاحتجاجات اليومية ويهتفون ضد الظالم يمثلون شريحة واعية من المجتمع تنكّرت للخوف وأدركت أن رضا الله له ثمن كبير يتطلب التضحية والفداء بدون حساب. والذين يفكّرون ويسطرون أفكارهم في أدبيات تهدف لتربية الأجيال الواعية للإسلام وتعتبر المشروع المهدوي جانبا مهما من المشروع الإلهي، يقدّمون خدمة للمشروع كذلك. والذين يمارسون العمل السياسي بهدف القدرة على تحقيق شيء من التغيير في واقع الأ مة يساهمون في الإعداد المطلوب. إن طرق هذا الإعداد كثيرة وضرورية لإبقاء المشروع متحركا في النفوس، ودافعا للأمل بحتمية الإصلاح الذي يبحث عنه البشر جميعا.
هذه الحقائق تساهم في تفسير استهداف المشروع المهدوي قبل ولادة الإمام الثاني عشر وبعدها. فقد ترصد العباسيون للإمام وحاولوا قتله في بطن أمه قبل أن يولد، ولكن إرادة الله وحكمة والده الإمام الحسن العسكري عليه السلام حالت دون ذلك. وبعد ولادته اضطر للابتعاد عن الأنظار في ما يسمى “الغيبة الصغرى” فيما كان يؤدي مهمته من خالال السفراء الأربعة الذين كانوا حلقة الوصل بين الإمام الشرعي والفئة المؤمنة. وبعد اثني عشر قرنا تتضح أهمية الدور الذي قام به أولئك السفراء، وكذلك مدى صلابة مشروع الإصلاح المهدوي الذي يزداد قوة كلما سعى المؤمنون به لإصلاح أوضاع الأمة تمهيدا لظهور الإمام. هذا ما استوعبه المؤمنون عبر الأجيال وما أدركه شعبنا البحراني البطل الذي أحيا المناسبة بأساليبه المتطورة والواعية. هذا الشعب استوعب حقيقة مهمة: أن التمهيد لظهور الإمام المنتظر عليه السلام يستوجب العمل الدؤوب لبثت الإصلاح والتصدي للفساد والاستبداد، وقد دفع ثمن ذلك غاليا، ولكنه مصمم على التضحية والفداء على طريق إقامة نظام سياسي عادل، يوفر بيئة مناسبة لتطوير الأوضاع تمهيدا لظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل قهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
23 فبراير 2024