ذكريات مريرة عن الاحتلال السعودي – الإماراتي وهدم المساجد
مرّت الذكرى الثالثة عشرة للاجتياح السعودي – الإماراتي للبحرين، واستذكرها شعبنا المظلوم بمرارة وأسى وحزن، فقد أعادت له ذكريات فتحت الجروح القديمة التي كانت عميقة ومؤلمة جدا. فهل يستطيع شعب البحرين نسيان تلك الصورة التي بقيت علامة لذلك العدوان الغاشم الذي استهدف ثورة البحرين وشعبها ونال من سيادتها؟ الشهيد أحمد فرحان وجمجمته المفضوخة لن تزول من ذاكرة الوطن يوما، بل ستبقى دلالة على العدوان السعودي – الإماراتي الذي بدأ باختراق الحدود عبر الجسر الذي يربط البحرين بالسعودية، وذلك في الساعات الاولى من 14 مارس 2011. كان ذلك بعد شهر واحد فحسب من انطلاق ثورة الشعب المظفرة بإذن الله في ذروة الربيع العرب، حيث أصبح البلد مستقطبا بصورة غير مسبوقة. فمن جهة يقف الشعب مطالبا بحقوقه المسلوبة، ويرفع شعارات تطالب بإنهاء الحقبة الخليفية السوداء، وعلى الجانب الآخر كان الغزاة ينتقمون بوحش من ذلك الشعب بدون رحمة. كانت قواتهم تنتشر في مواقع استراتيجة بدعوى حماية المنشآت المهمة من المتظاهرين السلميين. وكانت الطائرات العمودية تشارك بإطلاق النار على المتظاهرين من أجل كسر شوكة الشعب. في هذه الأثناء جاء العدوان الذي اشتركت فيه قوات الخليفيين والسعوديين والإماراتيين على المعتصمين السلميين بدوار اللؤلؤة، فاستشهد العديد من المواطنين في ذلك الصباح الأسود، وتم حرق خيامهم ومطاردة الفارّين في الشوارع والأزقة. كان يوما من أشد أيام تاريخ البحرين سوادا، حيث استخدم الرصاص الحي لقتل أهل البلاد الأصليين بدون رحمة. ولن تمحى من الذاكرة الوطنية مشهد مرتزقة النظام وبلطجيته وهم يشنّون أوسع عدوان على جامعة البحرين ويضربون الطلاب بوحشية. وترسخت القناعة بوجود قبول ضمني من القوى الأخرى خصوصا امريكا وبريطانيا اللتين غضتا الطرف عن العدوان المشترك على طلاب الحرّيّة والثائرين من أجلها، ولم يصدر عنهما ما يدل على الغضب أو الرفض. أليس هذا هو موقف هذه الدول مما يجري في غزة التي يسفك الصهاينة المحتلون دماء أهلها يوميا بدون توقف؟
كانت أياما سوداء كالحة، خصوصا بعد العدوان على الدوار واستهداف المتظاهرين في كافة المناطق بالرصاص الحي. وسرعان ما أعلنوا فرض الإحكام العرفية على البلاد، ومنع التجول لمدة ثلاثة شهور. كانوا يعتقدون أنهم كسروا إرادة الشعب والوطن بذلك العدوان، فأقاموا المحاكم العسكرية وزجوا بالآلاف في غياهب السجون. وبعد بضعة أيام فحسب تم اعتقال رموز الوطن والشعب، فسيقوا إلى المخافر وطوامير التعذيب، ودخلت البلاد بذلك حقبة سوداء كالحة، لتجعل عهد الطاغية حمد بن عيسى أسوأ عهد شهدته البلاد في تاريخها المعاصر. وسرعان ما بدأت المحاكم العسكرية بإصدار أحكامها الجائرة بحق المتظاهرين السلميين، وانتشرت وحدات الجيوش في مناطق البحرين لتتصدى لمن يحتج أو يتظاهر. ولكن سرعان ما استرد الشعب ثقته بنفسه مجددا، فانتفض في مسيرات واحتجاجات لم تتوقف حتى اليوم. إنها قصة البحث عن الحرية والكرامة والحقوق، وهو بحث كلّف الشعب البحراني كثيرا، ولكنه لم يكسر إرادته ولم يوفر للمعتدين أمنا أو استقرارا. بل بقيت البلاد طوال الثلاثة عشر عاما اللاحقة تعيش هواجس الثورة وسقوط النظام الخليفي وهيمنة الجيوش الاجنبية على مقدراتها. وكان لصمود الشعب ووعيه دور في إرغم الطاغية الخليفي على تشكيل لجنة تقصي الحقائق برئاسة المرحوم شريف بسيوني. فكان من أهم ما توصلت إليه أن التعذيب في البحرين ممارسة منهجية، الأمر الذي لطّخ سمعة الخليفيين إلى الأبد، وأظهرهم حفنة من الوحوش الضارية التي لا تقيم وزنا لقيمة الإنسان أو حياته. وبرغم صدور ذلك التقرير المخزي لم يتوقف الخليفيون عن اضطهاد المواطنين خصوصا من يتصدى منهم للإجرام الخليفي. فها هي سجونهم تكتظ بالشباب واليافعين الذين يعتقلون يوميا من ميادين الكفاح الذي لم يتوقف يوما. وخلال هذا الشهر الكريم ما أكثر العائلات التي يُنغص عيشَها على موائد الإفطار غيابُ أبنائها المغيّبين في طوامير التعذيب الخليفية. وما أكثر الأمهات اللاتي تدعو كل ليلة علنا وفي بطن الغيب من أجل زوال الطاغية ومحق الحكم الخليفي المتصهين.
لقد ظن الغزاة السعوديون والإماراتيون أنهم ذاهبون في نزهة الى البحرين، ولكنهم سرعان ما اكتشفوا أنهم يواجهون رجالا عمالقة وبشرا يتميز بسمو قدره وعلو همته وعمق إيمانه بقضيته. وها هي ثلاثة عشر عاما تمر على البلاد بدون أن تصل إلى بر الأمان أو يستقيم أمرها أو يرضى سكانها بحكامهم الطغاة. فطوال هذه الفترة لجأ الشعب للتظاهرات العملاقة التي بلغت أوجها في العام 2013 واستمرت حراكاتها بدون توقف حتى هذه اللحظة. إنها قصة نضال وطني فريد ، تضافرت قوى الشر لقمعه واستئصال روح الثورة لديه، ولكنها فشلت. فالخليفيون يعيشون معزولين في أبراجهم العاجية، تحميهم الجيوش الأجنبية بعد أن شعروا بقرب نهاية عهدهم الأسود وتصاعد الرفض الشعبي لحكمهم البغيض. أما الطاغية فيستجدي الدعم الشعبي فلا يجد له أثرا، ويضطر للضغط على البعض للتظاهر بالتواصل معه. ولكن هيهات أن ينسى قلبٌ بحراني أصيل جرائمه التي لا تُحصى، بل طالت كل شيء حتى بيوت الله. ففي مثل هذه الأيام قبل 13 عاما كانت جرافات الاحتلال السعودي – الإماراتي تقوم بهدم بيوت الله حتى اقتلعت قرابة الأربعين منها. وما تزال قبة مسجد البربغي التاريخي ماثلة في الذهن وهي تستغيث من معاول الهدم التي دمّرتها. وستظل هذه القبّة رمزا لتحدي حكم الطاغية الخليفي وداعميه، وكرامة الشعب البحراني وثبات مناضليه خصوصا رموزه المعتقلين. لقد حطّم المواطنون كبرياء الطاغية وهرعوا لإعادة بناء المساجد التي هدمها الاحتلال السعودي – الإماراتي بموافقة الطاغية المجرم. وليس أدل على هزيمته من إصرار المؤمنين على أداء الصلاة على أراضي المساجد المهدومة التي يرفض الديكتاتور حمد إعادة بنائها. إن قوة الإيمان المختزن في نفوس هؤلاء يفوق كثيرا ما لدى الطغاة المجرمين من إصرار على استهداف بيوت الله.
يعلم الطاغية ومن معه أن كافة خيوط التواصل والعلاقة مع البحرانيين الأصليين (شيعة وسنة) قد قطعت بفعل جرائمه التي لم تتوقف منذ أن نصّب نفسه حاكما بدون تفويض شعبي أو دستوري. يعلم هذا الطاغية أن هدم بيوت الله وقتل أبناء البلاد تارة بالذخيرة الحية وأخرى بالتعذيب وثالثة بالإعدام إنما هي أساليب شيطانية لا تحمي حكمًا ولا تهزم شعبا، وأن الشعب الذي ثار من أجل التغيير لن يتراجع أو يستسلم. كما أنه موعود من الله بالنصر على أعداء الله والأمة والوطن والشعب. هؤلاء المجرمون الذين أراقوا دماء المواطنين وقتلوا المئات منهم بدم بارد وحقد دفين شركاء أيضا في دماء أهل غزة الذين يقتلهم الاحتلال كل يوم بدون رأفة أو رحمة أو إنسانية. وهيهات ينتصر القتلة والسفاحون، فالسيف لا ينتصر على الدم، والظلم لا يدوم أبدا والطغاة راحلون حتما.
في دوامة الصراع الأزلي بين الحق والباطل كثيرا ما يتعرض المؤمنون للامتحان والابتلاء، وهذه سنة الكفاح والنضال، وقد صمدت الشعوب المناضلة ونالت حريتها بعد أن بذلت التضحيات ورفضت الاستسلام للطغاة. ولطالما وجد الحكام الديكتاتوريون أنفسهم موقوفين أمام العدالة ليدفعوا أثمانا باهضة لجرائمهم التي ارتكبوها بحق الشعوب. فالحرّيّة لا تتحقق مجانا بل أن لها ثمنا غير قليل. وتؤكد وقائع التاريخ أن الحكم الديكتاتوري يسفك من دماء الأحرار ورافضي الاستبداد أضعاف ما يُسفك من دمائهم حين يتصدّون له ويسقطون حكمه. فالاستبداد آفة سرطانية تقضي على البشر إذا لم يتم التصدي لها بقرارات حاسمة من الأحرار والمناضلين الذين يرفضون العبودية أو يقبلون بالظلم وينامون على الضيم. فلكل طاغية نهاية، وسيرث المؤمنون المظلومون وعباد الله الصالحون الأرض ومن عليها. وذلك وعد الهي غير مكذوب
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا ربّ العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
15 مارس 2024