آهات الشعب في شهر الصوم: سجون مكتظة وصفقات سلاح مفروضة
في الوقت الذي يستمتع به المسلمون بأيام شهر رمضان المبارك ولياليه، يتعبّدون لربهم بالصوم والصلاة وقراءة القرآن والدعاء، هناك شريحة منهم مغيّبة قسرا عن هذه الأجواء، حيث يرزح أفرادها في السجون والمنافي. ولا يكفي الطغاة تغييب الأبرياء وراء القضبان، بل يمعنون في إيذائهم والنيل من حقوقهم وكرامتهم. ويعاني عدد غير قليل السجناء البحرانيين المرتهنين لدى العدو الخليفي من تضييق وإيذاء وسوء معاملة واضطهاد. فهناك سجناء رأي يضاعف لهم العذاب، ويُعزلون في زنزانات ضيقة بعيدا عن بقية سجناء الرأي الذين يتجاوز عددهم 1200. ويوضح البيان الذي أصدره هذا الأسبوع سجناء مبنى 5 بسجن جو المركزي السيء الصيت أن “سياسة العزل الأمني التي تنفذ بحقهم دون أي آلية واضحة أو أسباب موضوعية أو مدّة محددة، هي لمجرد التشفي و استعماله كسلاح تضييق ضدهم من هذه الإدارة، عملاً بالسياسة الصهيونية”. فإدارة السجن تفتقر للإنسانية والأخلاق والقيم وتتعامل مع السجناء كأعداء بتوحش وشراسة وانتقام خلافا لما تنص عليه القوانين والمواثيق الدولية. وتتضاعف معاناة السجناء المعزولين حين يُدمجون مع السجناء الجنائيين المحكومين بقضايا مخدرات وقتل وآداب. كما يعانون، كغيرهم من السجناء السياسيين، من غياب العناية الطبية بشكل مرعب.
بعض سجناء العزل قضوا حتى الآن ثلاث سنوات متوالية، الأمر الذي أحدث لدى بعضهم حالات نفسية أثرت على حياتهم كثيرا. ويعتزم المعزولون الاستمرار في تحدّي قرارات العزل تارة بالاحتجاج وأخرى بكتابة الرسائل وإصدار البيانات، وثالثة بالإضراب عن الطعام. وهكذا يمضون أيام الصوم وهم يصارعون أوضاعهم المزرية ويشعرون بعمق الحقد الخليفي ضد البحرانيين الأصليين الذين يرفضون الاستبداد والعمالة والخيانة. ويمعن السجانون في الإيذاء فيواصلون نقل السجناء السياسيين إلى عنابر مشتركة مع الجنائيين، ولم يقوموا بنقل سجين سياسي واحد إلى مباني المحكومين السياسيين، فحرموا من البيئة الروحانية التي تساعدهم على إحياء الأجواء العبادية التي يعدّها السجناء قبل حلول الشهر الكريم.
في هذه الأجواء تعيش عائلات السجناء السياسيين في قلق دائم، فلا تستطيع الاستمتاع بالأجواء الرمضانية في غياب أبنائها، بل يتضاعف قلقها حين تعلم أن أولئك الأبناء يصارعون من أجل أداء الفريضة كما يليق بها، في أجواء يصرّ الخليفيون على أن تستمر عدائية تجاههم. فالمعتقل السياسي البحراني لا يُعامل كإنسان له كرامته وحقوقه وشخصيته، بل كعدو يخطط للانقضاض على الخليفيين ويعكر مزاجهم ويهدد حكمهم. لذلك فإن مصيره يحدده الطاغية وعصابته، وليس القضاء الذي يعيّنون قضاته ويزوّدونهم بالقرارات ضد المعتقلين السياسيين ومصائرهم. فليس من حق البحراني ان يهنأ بالعيش الهاديء المستقر على تربة وطنه التي ورثها من أجداده عبر القرون السالفة، وعليه أن يرضى بما يعطيه الخليفي من فتات. فكل شيء “مكرمة” يتفضل بها الطاغية، وعلى هذا المواطن المظلوم تقديم الشكر والامتنان له. هذه ثقافة الحكم الخليفي البائس الذي ينظر إلى البحرانيين أنهم “رعايا” وليسوا مواطنين تتوفر لهم حقوق المواطنة كما هو معمول به في الدول الحديثة. والسجين السياسي يعاني اضطهادا أكبر لأنه كالنسر الذي يقع بيد القنّاص فيفقد قوته ويصبح أسيرا لدى ذلك القناص. لقد حوّل الطاغية وعصابته البحرين، بلد الإيمان والعلم، إلى مملكة خاصة به، يقرر كل ما يجري فيها ويفرض ما يراه من قوانين عليها، ويفتحها لأعداء الأمة كما يشاء. أليس هذا ما فعله عندما أقام العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي برغم معارضة المواطنين التي عبّروا عنها بالتظاهرات التي لم تنقطع، وخطب أئمة الجمعة وبيانات العلماء والمثقفين؟ أليس هو الذي استدعى في مثل هذه الأيام قبل 13 عاما القوات السعودية والإماراتية لاجتياح البلاد وتصفية ثورة شعبها وهدم دوار لؤلؤتها وتدمير العشرات من مساجدها واعتقال قادتها وسجن الآلاف من أبنائها بعد قتل العشرات منهم؟
في الأجواء الرمضانية يبدو الإجرام الخليفي ماثلا للعيان. فالاعتقالات لم تتوقف، حيث امتدت يد الإجرام الخليفية مؤخرا لتعتقل ثمانية من المواطنين انتقاما منهم بعد مشاركتهم في مسيرات داعمة لشعب غزة ومندّدة بالاحتلال الإسرائيلي ومطالبة بقطع العلاقات مع كيان الاحتلال. كان هؤلاء مع مئات آخرين يمارسون حقوقهم الطبيعية بشكل سلمي بدون ان يتجاوزوا ذلك إلى العنف. فالبحرانيون أكثر حرصا على أمن البحرين وسلامتها التي يعتبرونها بلدهم وبلد أجدادهم. أما الخليفيون الذين لا ينتمون للبحرين، بل جاؤوا من الخارج لاحتلالها بدعم أجنبي متواصل حتى اليوم، فهم السبب الأساس لفقدان الأمن وتهديد سلامة البلاد والتخلي عن سيادتها وتعريض أمنها للخطر بالسماح للقوات الأجنبية ببناء القواعد العسكرية، البرّيّة والبحرية، واستدعائهم للتدخل لحمايتهم إذا ما شعروا بتصاعد غضب السكان الأصليين ضدهم. إنه وضع سياسي متميز ليس له مثيل في العالم. فكافة الحكومات إنما تنبثق عن المواطنين ولا تستمد شرعيتها من الجيوش الأجنبية. وهذه الحقيقة دفعت المواطنين الأحرار للنهوض والوثبة ضد النظام السياسي الذي راهن كثيرا على الدعم الخارجي مستعينا به على السكان الأصليين. وقد بقيت هذه الظاهرة مستمرة منذ بدء الاحتلال الخليفي لأرض أوال. ولذلك يؤسس سياساته وتحركاته الاجتماعية والثقافية على ما يحمي نظام العائلة الخليفية ويضطهد الشعب الأصلي الذي سلب الخليفيون منه السيادة والشراكة السياسية وحقه في التعبير السلمي عن الرأي والموقف.
المواطنون مستمرون في أداء فريضة الصوم في هذه الأجواء، ويصرّون على التشبثت بعاداتهم وتقاليدهم التي ورثوها من أجدادهم منذ قرون. ويتميز آباء الشهداء خصوصا في شهر رمضان بنشاطهم الثوري الذي لا يتوقف، فما الذي بقي لديهم ليخسروه بعد أن فقدوا فلذات أكبادهم الذين مزقت أجسادهم مباضع الحقد الخليفي؟ هؤلاء أصبحوا حركة لا تفتر أبدا، وأصبح همّهم الأول التنقل بين قبور الشهداء بدون خوف او وجل، وزيارة عائلات المعتقلين. فما الذي يستطيع الطاغية عمله وهم الذين يتمثلون بقول المؤمنين لفرعون: فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا. وفي ظل فقدانه الشرعية، يصر الطاغية الخليفي على التنكيل بالنشطاء بشكل خاص وفي مقدمتهم علماء الدين. يقول سماحة القائد الشيخ عيسى قاسم: “إن سجنُ علماء الدين الأجلاّء والرموز السياسيّة المناضلين للحراك الشعبي الثوري المطالب بالحقوق العادلة وتأكيد مكانة الشعب في الحكم؛ هو سجنٌ للشعب كلّه وسلبٌ لحريته ممّا يحتّم على الشعب المقاومة وتبادل الوفاء مع العلماء والرموز.” وكما جاء أعلاه، فان الطاغية الخليفي إنما يستقوي بالدعم الذي يوفره الاجانب خصوصا الولايات المتحدة الامريكية. وقد أعلنت واشنطن هذا الأسبوع أنها بصدد إقرار صفقة عسكرية للخليفيين بقيمة 2.2 مليار دولار لتزويدها بدبابات “أبرامز”. فهل البحرين بحاجة لهذه الدبابات؟ وهل لديها من المال ما يكفي لهذه الصفقات؟ وهل هناك حرب محتملة تستعد لها؟ الجهة الوحيدة التي تتحدى الاستبداد الخليفي هي الشعب الذي يرزح أبناؤه في السجون، وبدلا من موقف أمريكي ضاغط من أجل الحقوق والحرّيّات العامة، تهرع واشنطن لدعم الحاكم الذي يواصل سياسات القمع والاضطهاد بحق السكان الأصليين. ولكن واشنطن تنظر له من زاوية أخرى. فهو الحاكم الذي هرع للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وهو الذي وافق على المشاركة في ما يسمى “تحالف البحر الأحمر” الهادف لضرب الشعب اليمني. لكل ذلك لا ترى إدارة بايدن غضاضة من تكديس السلاح بيديه لكي يستخدمها ضد المواطنين، وضد الشعوب الأخرى إذا سنحت له الفرصة كالشعبين الفلسطيني واليمني. وبذلك يرتكب الطاغية الخليفية جرما مضاعفا في شهر الصوم، ويتحدى الله ورسوله والأمة وشعب البحرين، ولكن من قال أنه سينجو من غضب الله الذي يمهل ولا يهمل. “وانتظروا إنا منتظرون”، وإن غدا لناظره قريب
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
22 مارس 2024