الشهيد حسين الرمرام حرم من العلاج والدواء، والطاغية مسؤول عن ذلك
جاء استشهاد الشاب حسين خليل إبراهيم الرمرام ليثير مشاعر الوطن والشعب وليسلط الضوء على قضايا الوطن وسياسات الحكم والصراع لتحديد مآلات الصراع القائم بين شعب البحرين والعصابة الخليفية. فالشهيد كان يطالب بالعلاج منذ شهور، وتكشف رسالته الصوتية لأهله قبل أسابيع عمق شعوره بالمرض وحاجته للعلاج. وقد خاطب مسؤولي السجن مرارا ولكن بدون جدوى، بل تركوه حتى اختاره الله إلى جواره فارتفعت روحه الطاهرة في الساعات الأولى من صباح يوم الأثنين الماضي. فكان وقع ذلك الحدث على عائلته صاعقا لأنها لم تتوقع أن تكون بشاعة الحكم بهذا المستوى. فقد قضى الشهيد في السجن قرابة الأعوام السبعة منذ اعتقاله في مايو 2017 بسبب نشاطه ضمن حركة الشعب الإصلاحية. لقد اقتيد كما اقتيد المئات من البحرانيين بأيدي الجلاوزة والسفاحين، وقلبه مطمئن بالإيمان وبما يمليه عليه ذلك الإيمان من شعور بالمسؤولية وضرورة أداء الوجوب والعمل من أجل الإصلاح. قضاة الطغمة الحاكمة لم تتردد عن إصدار حكم جائر بسجنه خمسة عشر عاما ظلما وعدوانا، استقبلها الشاب آنذاك بالتسليم من جهة والإصرار على مواصلة الطريق من جهة أخرى. كان يعلم أن مصير أمثاله الشهادة، وهي ما وطّنوا أنفسهم ليس للقبول به فحسب، بل عملوا ليتسلقوا في سلم الكمال حتى يستحقوها. لقد كان على وعي بواقع الوضع السياسي في البلاد في ظل الحكم الخليفي الجائر، الجاثم على صدور الآدميين كالجبل. ولم يتردد لحظة عن أداء واجبه الديني والوطني، هادفا لرفع الظلامة عن ضحايا القمع الخليفي الذي لم يتوقف يوما منذ أن دنست أقدامهم أرض أوال الطاهرة.
لقد أدرك حسين الرمرام منذ نعومة أظفاره طبيعة الصراع في البلد، وشهد وهو طفل صغير حوادث الانتفاضة التسعينية المباركة، وعرف عددا من شهداء قريته مثل حميد قاسم ونضال النشابة وفاضل العبيدي وآخرين كانوا سائرين على درب أسلافهم ومنهم شهداء بدر وشهداء ا لطف بالإضافة لشهداء البحرين. واستوعب حقيقة جوهرية ثابتة: أن طريق النضال طويل وأن العدو متوحش، وأن التضحيات جسيمة، وكذلك فإن طريق الحرّيّة وعرٌ لا يطيق سلوكه ذوو النفوس الضعيفة والمتهالكون على الدنيا ومن زيّن لهم الشيطان أعمالهم فضلّهم عن السبيل. فانخرط في معركة الشرف والكرامة راضيا غير مكره، وواعيا غير مضلّل. فكان نصيبه الاعتقال والتعذيب، ولما عجز جسده عن تطلّعات روحه حُرم من العلاج والدواء. مع ذلك لم تضعف إرادته ولم تهن، فاستمر حتى وصل نهاية الطريق الدنيوي. عندها بدأ الصعود إلى عالم الخلود ليكون قريبا من الحضرة الإلهية التي يرقى إليها الصدّيقون والشهداء. وها هو الآن قد حقق أمنيته وصار مع الخالدين. لقد بكته أمه حتى جفّت مآقيها، وهل تطيق والدة فراق فلذة كبدها؟ لقد فقدت صحبته الطويلة منذ ان امتدت يد الغدر الخليفية لتخطفه من بين أهله لتودعه غياهب السجون. فقد ودّعته يوم اعتقاله، وكان كل لقاء حظيت به معه مسجونا فرصة لإمعان النظر في وجهه لكي ترى فيه القمر الذي لا يغيب والنور الذي لا يخبو. ومع أنها كانت في كل مرة تظهر التجلّد والثبات، إلا أنها كانت تحترق في داخلها، فلطالما راودها الحلم بتزويجه، ولكنها حرمت من ذلك. فتعاظم كمدها حتى ماتت غصة على ولدها الذي أسره الطاغية وزبانيته ولم يراعوا له إلًّا ولا ذمة. وبرحيل أمه ازداد شعورا بالوحدة خصوصا بين الجدران الأربعة لزنزانته التي اعتبرها حائلا عن النضال والتواجد في الميدان. ويوما بعد آخر فقد الجسد الشاب حيويته واحتوشته الأمراض، حتى عرج إلى السماء راضيا عن نفسه وشعبه وأهله.
لن يكون رحيل الشهيد حسين الرمرام نهاية المطاف لشعب ملتزم بإيمانه، مصمم على الحرّيّة والكرامة، طامع في ما عند الله من نعيم خالد. فهذا الشعب لم يعقم قط منذ أن قرّر خوض تلك المعركة التي شهدها الآلاف من الأحرار، واستشهد فيها المئات، فأصبحت قبورهم معالم جليّة لمن يبحث عن الحق والعدل والحرّيّة والكرامة. فالطريق الذي شيّده الشهداء بدمائهم أصبح يستقطب المزيد من الأحرار ا لذين يتلهّفون للعمل والعطاء والنضال، ويرفضون مبارحة الميادين، ويستسخفون تهديدات الطاغية ويهزأون بجنوده وأذنابه. وهم في كل ذلك فرحون مسرورون، يتطلعون لما عند الله ويربت كل منهم على كتف صاحبه ليشد أزره ويقوّي عزمه. في هذا البلد الصغير تنمو الأزهار بدون انقطاع، وتتعانق الأرواح حبّا في ا لله ورغبة في ما عنده، وتلتحم الأجساد في ساعات النضال والمواجهة. في هذا البلد المبتلى تغيّرت مفاهيم السعادة والشقاء، فأصبح العظماء يبحثون عن سعادتهم في الصمود والتصدي والعطاء والتضحية والفداء. فلا يمر يوم إلا وتشهد شوارعه حضورا معطاء من الشباب الذي امتحن الله قلبه للإيمان وتمرّد على الشيطان فأصبحت له بصيرة يرى بها ما لا يراه الآخرون مما عند الله من رضوان ونعيم. هذه حقيقة تؤكدها التظاهرات والاحتجاجات والوقفات المتواصلة بمشاركة الرجال والنساء والشباب. وما أكثر عناوينها. فهي تارة من أجل الحقوق السياسية وإنهاء الاستبداد الخليفي المقيت، وثانية للمطالبة بإطلاق سراح السجناء السياسيين، وثالثة لنصرة غزّة ورابعة ضد الهيمنة الاستعمارية والصلف الغربي ضد شعوبنا العربية والإسلامية المقهورة، وخامسة لرفع قضايا معيشية عديدة. وفي كل هذا الحضور الميداني لا يتخلف أمثال الشهيد وأصدقاؤه عن أداء ما يعتبرونه واجبا ومصداقا للإيمان والشرف.
برغم ما قيل فقد فجع الشعب باستشهاد حسين الرمرام، فكل شهيد يترك وراءه فراغا كبيرا. وما أكثر الذين استشهدوا في السجن أو بسببه. هذا ما يسجله تاريخ نضال الشعب ا لبحرين، وما أكثر قائمة هؤلاء التي تضم حوالي 48 بطلا منذ العام 2011، ومن بينهم حسين برطات وعباس مال الله وسواهما. وقد سبقهم آخرون منذ أكثر من أربعة عقود. فقد استشهد كريم الحبشي في مايو 1980 بعد أسبوعين من الإفراج عنه من سجن العدو. وبعده بقليل استشهد الشيخ جمال العصفور بعد أيام من إطلاق سراحه، وفي جميع هذه الحالات كان الإفراج عن ا لسجين لسبب واضح: أنه يقترب من الموت وأن الأفضل أن يموت بين أهله لكي لا يُتهم الخليفيون بقتله في السجن. فما أشبه الليلة بالبارحة. هذه المرّة أصبح واضحا أنه كان بالإمكان علاج الشهيد حسين الرمرام بشكل مناسب، إذ لم يكن وضعه الصحي خطيرا بل كان بحاجة لعناية مناسبة طالب بها مرارا بدون جدوى، وآخرها قبل بضعة أسابيع. فماذا يعني رفض الخليفيين علاجه؟ لقد ارتكبوا بحقه جريمة ضد الإنسانية لأنهم حرموه من العلاج والدواء عمدا ولم يستجيبوا لطلبه المذكور. ولطالما تكررت هذه الجريمة، وها هم المعتقلون السياسيون يضربون عن الطعام احتجاجا على عدم توفير العلاج والدواء. وها هو الأستاذ حسن مشيمع يُعرّض لموت بطيء بعدم توفير العلاج المناسب، سواء لركبته المتورّمة التي تسبب له ألمًا مبرحا منذ أيام، أم لمشاكله الصحية الأخرى. هذا مع العلم أنه مسجون بمركز كانو الطبّي، وكذلك الدكتور عبد الجليل السنكيس الذي هو الآخر يعاني من غياب الرعاية الصحية المناسبة. الاثنان مسجونان في المركز المذكور ولكنهما معزولان أحدهما عن الآخر ولا يُسمح لهما بالالتقاء. هذه شيمة الخليفيين الذين يحاربون الله ورسوله وشعب البحرين. وفي هذا الشهر الفضيل نرفع ايدينا بالدعاء لمرضانا بالشفاء ولأسرانا بالحرّيّة ولأعداء الشعب بالزوال، خصوصا ونحن مقبلون على ذكرى استشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين.
حركة أحرار البحرين الإسلامية
29 مارس 2023