صرخة الحرّيّة تدوّي يوم العيد، وتباشير النصر واضحة للعيان
بعد ثلاثة عشر عاما قضاها بعض المفرج عنهم من سجون الخليفيين، بدأ حجم الجرائم التي ارتكبت بحقهم تظهر تدريجيا، وبدأت الصورة القبيحة لهذا الحكم الفاشي المجرم تزداد وضوحا. فبالاضافة للتعذيب الذي مورس بحقهم بأشكاله المتوحشة والسادية، أصدر القضاء الظالم الذي يديره الطاغية وعصابته أحكاما جائرة بالسجن مددا تصل الى المؤبّد. ويكفي للتدليل على وحشية التعذيب استشهاد العشرات من المعتقلين السياسيين وآخرهم الشهيد حسين الرمرام. لقد فجعت عائلته خلال شهر الصوم وودّعته إلى مثواه بعد ان صعدت روحه إلى بارئها تشكو ظلم الحكم الخليفي وموت قلوبهم وضمائرهم. وعندما احتفى الصائمون هذا الأسبوع بعيد الفطر المبارك وتظاهر الكثيرون بالفرح، كيف كانت مشاعر عائلة الشهيد الرمرام؟ لا شك أن تضامن المواطنين غمرهم بالرضا، ولكن هيهات أن تزول الغصة التي حلّت بالعائلة. وقد قضى بعض أقربائه وأصدقائه صباح يوم العيد عند قبره، يتلون القرآن الكريم ويترحّمون عليه ويستحضرون حياته ومواقفه، ويعاهدونه على التمسك بما استشهد من أجله. لم يكن قلب أي منهم ينبض إلا بالحب ودعوات الخير والابتهال إلى الله أن يخلّص الوطن والشعب من هذه العصابة المجرمة التي ولغت في دماء الأبرياء، وتحالفت مع أعداء الأمة، واستعانت بهم على المواطنين وطبّعت مع محتلي فلسطين وهدمت المساجد. من المؤكد أن كل مواطن يسعى لإصلاح حياته ضمن الظروف القاسية، ولكن سرعان ما يجد المواطنون أنفسهم أمام خيارات صعبة حين تصدمهم سياسات الطاغية وصلفها. هذا الديكتاتور الذي تحالف مع الصهاينة لا تحرّك مشاعره معاناة أي من مخلوقات الله. فعندما استخدمت قوات الاحتلال إمكاناتها التكنولوجية لتمزيق أشلاء أطفال غزة وآخرهم أحفاد الزعيم الفلسطيني، إسماعيل هنيّة، لم يمتلك الضمير او الإنسانية التي تدفعه لإعلان قطع علاقاته مع القتلة والسفاحين. فكيف يستطيع إنسان أن يهنأ بالعيد وأعداء الإنسانية يعيثون في الأرض فسادا وقتلا وتدميرا؟
لذلك يصبح السؤال هنا كالتالي: ماذا سيكون مصير الجلّادين الذين مارسوا بحق البحرانيين أبشع أصناف التعذيب وسوء المعاملة التي أدت في بعض الحالات إلى الوفاة المباشرة خلال يومين من الاعتقال. أليس هذا ما حدث للشهيد كريم فخراوي وعلي صقر وجاسم مكي وسواهم. فما جدوى الإفراجات إذا كانت ستتكرر لاحقا وسيتعرض المعتقلون مجددا لمعاملة وحشية حاطة بالكرامة الإنسانية؟ فما لم تعالج أسباب السجن والتنكيل ووسائله والمسؤولين عنه فإن هذه الإفراجات مؤقتة لا تختلف عما يسمى “السجون المفتوحة”. والواضح ان الخليفيين يعون معنى ذلك، فقد حوّلوا البلاد كلها إلى سجن مفتوح منذ عقود. فالكثيرون من الذين خرجوا من السجن المغلق الى السجن المفتوح لن يعيشوا أجواء الحرّيّة، بل سيكونون أمام عيون الطاغية وعصابته. لكن الكثيرين منهم كذلك كانوا واضحين في موقفهم ومطالبهم. فكانت هتافاتهم وهم يغادرون باحة السجن تعبيرا عما يختلج في نفوس البحرانيين من دعائهم بأن يمحق الله العصابة التي أذاقت البلاد والعباد العذاب بدون شفقة أو رأفة. إنها قصة متكررة عاشها الشعب عبر العقود، ويصر على التمسك بها لعلمه أنه لن ينال السعادة والأمن في ظل الحكم الخليفي الجائر. يعلم هؤلاء السجناء أن عودتهم إلى السجن مرة أخرى محتومة إذا أصرّوا على التشبث بإنسانيتهم وأخلاقهم ودينهم. يسعى الطاغية وعصابته لفرض نظام يستثمر حالات اليأس بين المواطنين. ولكنه كثيرا ما فوجيء ليس بانعدام اليأس فحسب، بل بتصاعد الرغبة والإصرار للتغيير. فلدى شعب البحرين تجارب تراكمت عبر الأجيال ساهمت في تنشئة مواطنين مسؤولين، يؤمنون بالله والخير والعدل والحرّيّة ولا يساومون على أي منها. هؤلاء لا يجد اليأس إلى نفوسهم طريقا، ولا يستطيع ا لخوف غزو قلوبهم التي لا تخشى إلا الله المقتدر الجبار.
في مثل هذه الأيام قبل 23 عاما أصدر هذا الطاغية قرارا بإطلاق سراح السجناء السياسيين والسماح بعودة المبعدين. وتحقق ذلك في غضون أيام، واعتقد البعض أنه جادٌّ في ما كان يعرف بـ “المشروع الإصلاحي”. ولكن سرعان ما تم توسيع السجون لتستقبل أعدادا تفوق التصور من البحرانيين الذين طالبوا بالإصلاح السياسي. وبقي بعض هؤلاء 13 عاما، وما يزال المئات منهم يرزحون بطوامير التعذيب. فهذا الأستاذ حسن مشيمع يتكرر سجنه وينكّل به حتى تداعت صحته وأصبح يعيش الآلام ليلا ونهارا. فقد قضى سبعة أعوام وراء القضبان خلال انتفاضة التسعينات، وفترة وجيزة في الثمانينات، وها هو الآن قد أكمل 13 عاما إضافية. فبعد أكثر من عشرين عاما قضاها في سجون الخليفيين، ماذا بقي من عمره؟ وماذا تعني الإفراجات الأخيرة؟ فهل ستكون الأخيرة من نوعها ما دام الخليفيون حكاما؟ هذه ا لطغمة المجرمة لا ترعوي عن ارتكاب الموبقات بحق الوطن والشعب والأحرار. فالسجن والتعذيب والقتل والإعدام من أساليبها التي لن تتخلى عنها يوما. إن نظام حكم كهذا سوف يطيل الليل والظلمة في البلاد، ويأمل القائمون عليه أن يتمكنوا من كسر إرادة المواطنين الأحرار، وكسر الإرادة من أهم ما يهدف الجلادون والمعذّبون لتحقيقه. فحين تنكسر إرادة الشخص تتلاشى إنسانيته، فلا يتحرك ضميره من أجل الآخرين، بل يعيش الفرد لنفسه وضمن محيطه الضيق بعيدا عن الهم الاجتماعي، وهكذا يتحوّل إلى عبد لغيره من الطغاة. هذه الحقيقة معروفة لدى البحرانيين الذين توارثوها عبر الأجيال، وأصبحت لديهم مناعة راسخة ضد الاستعباد او الاستسلام. وكان ذلك واضحا في الأيام الأخيرة من سلوك السجناء السياسيين المفرج عنهم. فقد كشفوا للعالم عمق وعيهم وإنسانيتهم ومدى تمسكهم بالحق والعدل، ورفض الظلم والاستبداد. وما موقف المعتقلين السياسيين الذين زلزلوا أرجاء السجن بهتافاتهم من أجل الاستاذ حسن مشيمع وحريته إلا تأكيد لهذا المنحى الثوري الذي تعمّق في نفوسهم، فأصبحوا غير قادرين على سلوك طريق الاستسلام او الدعة أو اللامبالاة.
عيد البحرين هذه المرة ليس كغيره من الأعياد. فقد اختلطت فيه المشاعر بين ما هو محلّي وما هو عربي إسلامي. وكان استشهاد حسين الرمرام نقطة تحوّل في المسار الثوري، بعد ان ترسخت قناعة المواطنين بعدم جدوى التعويل على إصلاح الحكم الخليفي المصرّ على التنكيل بالأحرار وإزهاق أرواح الأبرياء. العيد هذا العام تحوّل إلى تظاهرة فكرية ودينية وسياسية من أجل استعادة الوعي الذي عمل الطغاة وداعموهم من أجل تهيشه أو تغييبه. فالاستعمار والاحتلال والاستبداد، كلها تراهن على إضعاف وعي الشعوب وتهميش مواقفها، وتحويلها إلى حالة استهلاك غير محدود تقضي على الأخضر واليابس. ولكن لله جنود من عسل كما يقال. فالحالة الإيمانية لا يمكن تهميشها أو التقليل من شأنها في صياغة مواقف مبدئية لا ترضى بغير الحرّيّة طريقا لبناء الأوطان وإقامة الأمة الواحدة على أسس الحب بين الناس وترسيخ دور العرى الإيمانية في تماسك الصفوف، ونبذ دعوات الفرقة والتهميش والاستضعاف. العيد هذا العام كان بداية عهد جديد ترسم معالمه التطورات المحلّيّة والإقليمية، يمارس المعتقلون السياسيون فيه رأس الحربة بتصديهم للمطالب السياسية ورفض المساومة على حريتهم بأي شكل. سيتواصل هذا العطاء ممن تعرّض للقمع والاضطهاد، برغم تعمّق القمع الخليفي المستورد من الجيران. وستظل بوصلة الشعب ثابتة وواضحة الاتجاه، خصوصا مع استمرار التوتر في أرض المعراج وانعكاس ذلك على معنويات الشرفاء والأحرار في الإقليم والعالم. وما يدريك فلعل في ذلك فرجا للمستضعفين والمظلومين الرازحين تحت الظلم والاستبداد والاحتلال. فصبرا على البلاء والابتلاء فإن النصر آت وما ذلك على الله بعزيز.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار واجعلهم لهم قدم صدق عندك، وفكّ قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
12 أبريل 2024