المخاضات المحلية والإقليمية تحاصر الاستبداد الخليفي
بعد أسبوع من إطلاق سراح بضع مئات من المعتقلين السياسيين البحرينيين من السجون الخليفية نكرر تبريكاتنا لهم ولأهلهم، وندعو الله سبحانه وتعالى أن يمتعهم بهذه الحرية وأن يجعل تجربتهم في الاعتقال دافعا للمزيد من العطاء والثبات والصمود. وفي الوقت نفسه نهيب بهم الإسراع بتوثيق معاناتهم وراء القضبان منذ اليوم الأول لاعتقالهم. فما لم يتم توثيق ذلك فسوف يواصل الحكم الخليفي إجرامه بحق المواطنين ولن يراعي حقوقهم أو كرامتهم. فهؤلاء الأبطال صمدوا في الميادين وازدادوا صمودا وثباتا على الخط والمبدأ عندما وجدوا أنفسهم وراء القضبان. إنه الإيمان الراسخ الذي يحوّل المرأ إلى جبل صامد وقمة شامخة فلا تزلزله العواصف ولا تنال من بأسه القواصف. لقد أصبحوا مدعاة للفخر بهذا الصمود الأسطوري. كانوا يسمعون صراخ المعذَّبين بدون توقف. وبعضهم وجد بجانبه صاحبه السجين الذي جيء به من غرف التحقيق والدماء تسيل منه ولا يكاد يستطيع التنفس. ووجد البعض الآخر نفسه أمام جلادين غلاظ ليس في قلوبهم من الرحمة شيء. لقد تعرضوا للتعذيب والتنكيل والإهانة والسب والشتم والتهديد بهتك الأعراض بالإضافة إلى الحرمان من الطعام والشراب وربما النوم أحيانا. مع ذلك صمدوا وثبت وخرجوا من السجن مرفوعي الهامات، بينما وجد الطاغية نفسه محاصرا بالتهم الموثقة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. ستلاحقه تلك التهم حتى يأتي اليوم الذي يمثل فيه أمام القضاء العادل ويشفي الله بذلك غليل ضحاياه.
بعد إطلاق سراح أولئك المظلومين حدثت تطورات عديدة:
أولها أن المواطنين هرعوا إلى منازلهم واستقبلوا استقبال الأبطال واعتُبروا تيجانا على رؤوس الوطن وعنوان فخر للمناضلين. فكانت مشاهد المواطنين المتوجهين لمنازل المحرّرين مصدر غيض للجلادين. كانوا يعتقدون أن ما أصاب سجناء سجناء الرأي من تنكيل وتعذيب استمر 13 عاما سيكون رادعا للآخرين وسيدخل الخوف في نفوسهم ويمنعهم من إقامة أية علاقة معهم. لكن الذي حدث كان عكس ذلك تماما. ولله الحمد شعر المحرّرون بقيمتهم وأنهم أرفع شأنا من سجانيهم و جلاديهم. يكفيهم هذه القلوب المفعمة بالإيمان والحب والصدق لتملأ دنياهم غبطة وسرورا، و لتجعلهم يشعرون بأن ما قدموه من أجل الله والوطن والشعب لم يذهب سدى.
ثانيها: أن الضغوط الشعبية والدولية على الطاغية وعصابته تفاقمت مطالبة بالإفراج عن بقية المعتقلين السياسيين الذين قضوا وراء القضبان ردحا من الزمن، وتعرضوا لأبشع أصناف التنكيل والتعذيب. خرجت التظاهرات في أغلب المناطق هاتفة باسم الوطن مطالبة بالإفراج عن أبنائه المرتهنين لدى هذه العصابة المارقة. فلا تمر ليلة أو يوم إلا ويهرع الأحرار للنزول إلى الشوارع هاتفينا من أجل الحرية لا يهمهم تهديد الطاغية وجلاوزته. حتى أصبح شعار كل مسيرة أو اعتصام: نطالب بالإفراج عن المساجين، وأصبح مألوفا في كل شارع، يردده حتى الأطفال في منازلهم ويكتبه الأبطال على الجدران. وهكذا أصبح السجناء السياسيون عنوانا لأزمة جديدة لهذه العصابة التي يمقتها الله ورسوله والإنسانية. وما زاد الطاغية شعورا بخيبة الأمل غياب أي شكر أو تقدير لخطوة الإفراج عن المعتقلين السياسيين. فأي لسان شريف يستطيع أن ينطق كلمات الشكر والتقدير لطاغية ما برح ينكل بالأحرار ويعذب المعتقلين ويهتك أعراض المواطنين ويستخدم الأجانب للاستعانة بهم على أهل البلد ويهدم المساجد ويعتدي على العلماء وذوي الفكر. من الذي تسمح له نفسه بشكر جلاده؟ لذلك غابت إعلانات الشكر والتقدير ولم يجد الطاغية سوى الشجب والاستنكار والدعاء لله سبحانه وتعالى بأن يمحقه وعصابته لتبقى البحرين وأهلها آمنين من شرورهم.
ثالثها: أن المنطقة شهدت في الفترة الأخيرة هزيمة ماحقة للقوى الشيطانية التي تصر على احتلال أرض فلسطين والتنكيل بأهلها والتصدي للأحرار. لقد أراد م وحتلوا فلسطين استعراض عضلاتهم وقوتهم بعد أن عاثوا في المنطقة فسادا وعدوانا وقتلا واغتيالا وروعوا الأطفال وقتلوا عائلات بأكملها في غزة وتحدوا الضمير العالمي مستغلين الدعم الذي تقدمه أمريكا وبريطانيا وبقية دول الغرب لكيانهم المارق. هذه المرة لم يفلتوا من العقاب فجاء غضب الله عليهم وأتاهم العذاب من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب. فإذا بالصواريخ والمسيرات تملأ فضاء فلسطين وتلقي الحمم على محتليها. وهكذا تغيرت قواعد اللعبة واستعاد العرب والمسلمون شيئا من قوتهم وصمودهم وقدرتهم على صد العدوان. إنه تاريخ جديد للمنطقة حيث يستعيد المستضعفون قوتهم وثقتهم بأنفسهم وقدراتهم للثبات في المعركة. إن هذا التغير ستكون له أثار كبيرة ليس على المنطقة فحسب بل على صعيد توازن القوى الإقليمي والعالمي. لقد أصبح هناك توازن للرعب، وشعر المظلومون للمرة الأولى منذ عقود أن بإمكانهم الذود عن أوطانهم وكرامتهم وأن الاحتلال لم يعد يمتلك ما يسمى الجيش الخامس في العالم. وهكذا دخل الرعب في قلوب الأنظمة الاستبدادية التي طالما تحالفت مع الإحتلال وأقامت العلاقات معه وفي مقدمتها الحكم الخليفي الجائر والإماراتي. لقد سقط الوهم الذي راود نفوس حكام البحرين والإمارات بأن نظام الاحتلال سيكون رديفا لهم. بينما أصر ضحايا الاحتلال على التمسك بإيمانهم وثقتهم في النصر الإلهي المحتوم.
هذه التطورات أكدت عددا من الحقائق منها ما يلي:
أولها: أن الظلم لا يدوم وأن يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم. هذه المرة لن يخنع ضحايا الاحتلال والاستبداد بل سيردون الصاع صاعين لمن يعتبرونهم سببا لشقائهم. فأهل غزة المحاصرون يشعرون اليوم أنهم أرفع شأنا من المحتلين وأن الدائرة تدور على الصهاينة بعد أن استكبروا وعتوا عتوا كبيرا. كما أن المناضلين الرازحين وراء القضبان خصوصا في البحرين بدأوا يشعرون بأن خيوط الفجر الأولى بدأت تظهر في الأفق البعيد وأن الطغاة الذين أذاقوهم الأمرّين ونكلوا بهم بدون رحمة بدأ نجمهم يأفل بسقوط رهانهم على العدو الصهيوني. ولا يستبعد أن يكون بعضهم قد بدأ الاستعداد لشد الرحال هربا من الأيام السوداء التي تنتظرهم.
ثانيها: أن الذين استضعفهم الخليفيون عقودا بدأوا ينفضون عن أنفسهم عناء السنين وينزعون لباس الاستضعاف ويرفضون لغة الاستعطاف والاسترحام في سجالهم مع الخليفيين. هذه المرة تمردوا على الطاغية واعتبروا أن الإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين كان حقا لهم سلبه الطاغية وبدأ يساومهم عليه. لكنهم رفضوا المساومة وأصروا على استرداد ذلك الحق بدون تنازل. وبدأوا يطالبون بتبييض السجون ويلوحون بالقضاء الدولي لمحاكمة الطاغية وعصابته لارتكابهم أبشع الجرائم بحق الوطن والمواطنين. إنها صحوة حقيقية لن تسمح بالعودة للحقبة السوداء التي فرضها الطاغية على البلاد والعباد.
ثالثها: أن حركة الوعي الشعبي والوطن بدأت تسري في أوصال المواطنين الواعين. فلا تراجع عن المطالب ولا مساومة مع حكام الاستبداد والجور أو قوات الاحتلال أيا كان شكلها وهويتها. وهكذا اتضح أن دماء الشهداء كتبت أسفارا من الوعي والوطنية والثبات في نفوس المناضلين، وأنها تحول دون الاستسلام أو المساومة مع قوى الظلم والجور والتنكيل. حركة الوعي هذه أقنعت المناضلين بأن الحق يُؤخذ ولا يُعطى وأن الطريق إلى الأمام يبدأ بالمفاصلة المطلقة مع قوى الاستبداد وداعميها، بالإضافة لعدم مبارحة الميادين مهما كانت الظروف. فالشعوب الحاضرة في الصراع لا تهزم، وأنها الطرف الأقوى دائما مهما تفرعن الطغاة. سيظل مناضلو البحرين صامدين من خلال حضورهم الميداني بشكل يومي في الاحتجاجات والتظاهرات والاعتصامات رجالا ونساء في الشوارع العامة وعلى جوانب الطرق في القرى والمدن على حد السواء. إنه العهد الذي قطعوه مع الشهداء وآخرهم حسين الرمرام ولم يتخلوا عن ذلك العهد لحظة مهما تفرعن الطاغية وعصابته. والأمل أن يؤدي ذلك لانتصار ساحق على الظلم والاستبداد والاحتلال.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
19 أبريل 2024