لا بديل عن الحراك الشعبي، ولا تراجع عن مطالب التغيير الجوهري
يعتبر الحراك الشعبي بشتى أشكاله من أكثر ما يزعج الحكم الخليفي. فالتظاهرات اليومية والاعتصامات والتجمعات والندوات كلها فعاليات تقلق رموز العصابة الخليفية فتسعى جاهدة لإنهائها. لذلك تستخدم القوة المفرطة لتفريق التجمعات وتصدر أحكاما مشددة بحق من يشارك فيها. فما أكثر صدور الحكم بسجن شاب ثلاث سنوات بسبب مشاركته في احتجاج سلمي يهتف بالحرية ويطالب باحترام حقوق الإنسان ويدعو للإصلاح السياسي. وعندما تتوسع دائرة الاحتجاج وترتفع أعداد المشاركين لا يتردد الحاكم المستبد في استخدام القوة المفرطة لتفريق المشاركين في ذلك الاحتجاج. هذه القوة التي يستخدمها النظام تشمل أحيانا الذخيرة الحية التي تقتل البشر. أليس هذا ما حدث في 17 من ديسمبر من العام 1994 عندما خرجت المظاهرات المضادة للنظام فاستخدم الخليفيون السلاح الحي وقتلوا الهانيين: هاني الوسطي وهاني خميس؟ وتكرر استخدام الذخيرة الحية لاحقا وقتل العديد من المتظاهرين من بينهم فاضل عباس وفاضل المتروك وعلي عبد الهادي مشيمع وعلي المؤمن وسواهم. النظام القمعي يسعى لإظهار حالة من الصمت في البلاد ليقنع الآخرين بأن الأوضاع مستتبة وأن أحدا لا يعترض على الاستبداد والديكتاتورية. هذه الأنظمة تسعى لتجهيل العالم بما يجري في بلدانها، ويوافقها في ذلك داعموها في العواصم الغربية الذين يقلقهم استمرار الحركات الشعبية المناهضة لحلفائهم في المنطقة. أمريكا تعلم وكذلك بريطانيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لأن في البحرين ثورة متواصلة منذ أكثر من 13 عاما وأن إخمادها بالقوة لا يعني انتهاءها. ويكفي النظر إلى السجون وعدد المعتقلين السياسيين لكي تتضح الصورة الحقيقية لما يجري في هذا البلد المبتلى.
وهناك مستوى آخر من الاحتجاج لا يقل إزعاجا للعصابة الحاكمة. فما يجري في السجون أحيانا من انتفاضات يتحول إلى كابوس يضغط على صدور الحكام ويدفعهم للتفكير في أساليب إنهاء تلك الاحتجاجات. ولا تغيب عن الذاكرة حوادث سجن جو في العام 2015 عندما استخدم الخليفيون قوة مفرطة لإخماد انتفاضة السجن آنذاك التي كانت تطالب بتحسين الأوضاع وإطلاق سراح الكثيرين منهم الذين حكموا بالظلم والزور. وما يجري هذه الأيام من حراك داخل السجن أصبح بعبعا يدخل الهلع والخوف في نفوس القابعين في القصور. فمنذ قرابة الشهر بدأ السجناء السياسيون في سجن جو باعتصام كبير توسع تدريجيا وانضم إليه الكثيرون. جاء ذلك بعد استشهاد الشاب حسين خليل إبراهيم الرمرام من منطقة الدراز. فقد حركت روحه الطاهرة مشاعر الغضب في نفوس زملائه في ذلك السجن فهبوا مطالبين بالرعاية الصحية المناسبة وكذلك بالإفراج عن الكثير منهم ممن سجن ظلما على أرضية مزيفة من الاتهامات الملفقة. ومنذ أن بدأ ذلك الاعتصام في 26 مارس الماضي بدأت إدارة السجن بابتزاز السجناء لوقف الاعتصام لأن أنباءه إذا ورشحت للخارج فسوف تزيد المواطنين غضبا وستحرج الخليفيين أمام حلفائهم في لندن وواشنطن. وقد استخدمت تلك الإدارة، بأوامر من الجهات العليا، أساليب شتى من القمع، منها ما هو تهديد ومنها ما هو إغراء. وشمل العقاب الجماعي حتى الآن قرابة 500 سجين سياسي في سجن جو وشارك في ذلك القمع العديد من رموز النظام وجلاديه ومن بينهم عبد السلام العريفي وهشام الزياني وناصر عبد الرحمن آل خليفة وأحمد العبادي. ومن أساليب القمع محاولة قطع التواصل مع العالم الخارجي، ومن ذلك قطع الزيارات العائلية ومنع الاتصال الهاتفي مع الأهل. كما تم قطع بث التلفاز وكذلك الصحف اليومية. واستمر الضغط على السجناء بحرمانهم من شراء الأدوات الأساسية من دكان السجن ومنها صابون الجسم ومزيل العرق ومعجون الأسنان وشامبو الشعر وبقية المواد التي تستخدم للنظافة. كما حرموا من اقتناء الديتول وبقية المواد الكيماوية التي تستخدم في غسل الملابس وتنظيف المكان. وحرموا من الملابس الداخلية والأحذية والنعل والثياب. كل ذلك بهدف كسر شوكتهم وإضعاف معنوياتهم التي حطمت معنويات السجانين و جلاديهم ووضعت الحكم الخليفي أمام المحك. وضاعف غضب الخليفيين الوعي الشعبي المتصاعد الذي يتعاطف مع السجناء ويدفع الكثير من النشطاء للمشاركة في الاعتصامات الداعمة لهم. كما أن موقف العائلات بالتظاهر والاحتجاج والاعتصام أمام السجون كان عاملا آخر من عوامل الضغط على العصابة المجرمة التي فشلت في كسر شوكة الشعب وأصبحت تبعات جرائمها تلاحقها دائما.
فإلى أين تسير الأمور في هذا البلد المظلوم والمضطهد؟ فبموازاة اعتصام السجناء السياسيين والقمع السلطوي الذي لم يتوقف، هناك حراك شعبي في الشارع لا يتوقف. ولا شك أن حوادث غزة والعدوان الإسرائيلي المتواصل على الفلسطينيين يساهم في تصعيد حالة الغضب في نفوس المواطنين الذين لا يمكن أن يتناسوا إخوتهم في الأراضي المحتلة. ويعمّق غضبهم إصرار العصابة الخليفية على التواصل مع نظام الاحتلال بإقامة العلاقات الدبلوماسية معه وتبادل السفراء وكذلك توقيع الصفقات التجارية لإنقاذ اقتصاده المتدهور. هذا في الوقت الذي يعاني المواطنون فيه من ضغوط العيش وغلاء الأسعار ورفع الدعم الحكومي عن السلع الأساسية وتصاعد نسب البطالة وتجميد المشروعات الحيوية التي يحتاجها المواطنون. إن من المؤكد أن استمرار الاحتجاجات داخل السجن ستكون مشكلة كبيرة لنظام الحكم الذي أصبح محاصرا بالطلبات الشعبية للإصلاح السياسي وتبييض السجون من معتقلي الرأي الذين لا يزالوا أكثر من 600 منهم أسيرا لدى الخليفيين. ولا شك أن للنشطاء الحقوقيين داخل البلاد وخارجها دورا محوريا في تحريك قضية السجن والسجناء وتوضيح حقيقة ما يجري للعالم الخارجي. كما أن خطابات الرموز السياسية داخل البلاد وخارجها خصوصا سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم تؤدي دورا محوريا في التوجيه وتثبيت القضية السياسية الأساسية ومنع النظام من استخدام الإفراجات لإظهارها مكرمة من الطاغية. فهو الذي أمر جلاديه بارتكاب أبشع الجرائم بحق المواطنين خصوصا الذين اعتقلوا منهم في الأعوام الأولى بعد انطلاق الثورة المظفرة. وهناك إصرار شعبي على المطالب السياسية وعدم التنازل عنها مهما فعل الخليفيون. فلن يصوم الشعب لكي يفطر على بصل كما يقال. هذه المرة جاءت الثورة الشعبية لتحقق أهداف الأجيال التي تعاقبت منذ أكثر من 100 عام على الثورة ورفعت راية الإصلاح السياسي والتصدي للاستبداد الخليفي.
القمع الخليفي يمثل جوهر المحنة البحرانية. فمنذ احتلالها البلاد لم تتورع العائلة الخليفية من ارتكاب الجرائم بحق الوطن والشعب، ولم تتصالح معه يوما، بل أقامت العلاقات والتحالفات مع قوى خارجية، استعمارية واقليمية، لتضمن دعمها لبقائهم حكاما. صحيح أن صرخات الضحايا المدوّية فضحت جرائم الحكام خصوصا الملك الحالي، ولكن الضمير العالمي أصبح منذ زمن في غيبوبة كاملة، فلا يدرك ما يجري حوله، ولا تسعفه مشاعره وأحاسيسه لمعرفة ما يجري في الواقع. الخليفيون لا يعترفون بوجود “سجناء سياسيين” بل يعتبرون من يعارضهم او يطرح مطالب سياسية حقيقية مجرما. إنها ثقافة الماضي السحيق التي تتضارب مع ثقافة العصر ومنطق التطور ونهج الإصلاح. من هنا تواصل الحراك الشعبي عقودا، وانتقلت الراية من جيل لآخر، وتعمق الشعور بحتمية التغيير مهما طال الزمن. فلم يعد المطلوب تبييض السجون بالإفراج عن المعتقلين السياسيين فحسب، بل إجراء تحقيق شامل لما ارتكبه الخليفيون من جرائم منذ العام 1971، وتقديم الجلادين والمعذّبين لقضاء عادل. وبدون ذلك لن يحدث إصلاح حقيقي ولن تتوقف الجرائم والانتهاكات. وليس هناك من خيار بديل عن الاحتجاج المتواصل، لأن الصمت ليس خيارا أبدا والاستسلام للطغيان والاستبداد مستحيل. فليكن واضحا في أذهان الطاغية وعصابته وجلاديه وداعميه أن شعب البحرين مصمّم على التغيير ومستعد للتضحية، وأنه لن يتراجع يوما عن عهده الذي قطعه مع الشهداء بمواصلة طريق الثورة حتى يتحقق التغيير بعون الله تعالى.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
26 أبريل 2024