بيانات حركة أحرار البحرين

القمّة العربية في البحرين: اتفاق على الاستبداد واختلاف حول فلسطين

اعتاد حكام البحرين كما هي عادتهم، استغلال أي حدث أو نشاط يحدث في البلاد لتلميع صورتهم القبيحة التي ارتبطت في أذهان الكثيرين بالقمع والاستبداد والفساد وتبديد الثروة واضطهاد السكان الأصليين (شيعة وسنة). هذا ما تفعله العصابة الخليفية بشكل مستمر عندما تستضيف مؤتمرا أو دورة رياضية أو شخصية سياسية أو فكرية. وقد قيل الكثير عن الغسيل الرياضي الذي تقوم فيه الدول المستضيفة باستغلال الرياضة من أجل غسل سمعتها المتردية. ومنذ سنوات دأبت حكومة البحرين على استضافة سباق السيارات المعروف بـ “فورمولا 1”. ورأت في ذلك فرصة لربط سمعة العائلة الحاكمة بالرياضة بدلا من ارتباطها بالتعذيب والسجون.
 
هذه المرة استضافت العصابة الحاكمة القمة العربية هذا الاسبوع في ظروف لا تختلف من حيث السوء والتوتر السياسي عن الحقب السابقة خصوصا بعد ما شهدته البلاد منذ عام 2011 عندما ثار الشعب من أجل التغيير السياسي الذي تأخر كثيرا. ومرة أخرى تسعى هذه العصابة لخلط الأوراق ومحاولة صرف الأنظار عما يجري للسكان الذين يتعرضون لأبشع أساليب الاضطهاد. وهنا تجدر الإشارة إلى بعض القضايا ذات الصلة، التي منها ما يلي:
 
أولا: القضية الأولى التي تشغل بال الأمة العربية في هذه الأيام هي قضية فلسطين وأهلها وما يتعرضون له من اضطهاد وتنكيل على أيدي الاحتلال الصهيوني الغاشم. هذه القمة يفترض أن تركز في مداولات زعمائها على  سياسات  لرفع هذا الاضطهاد وحماية الشعب الفلسطيني من أساليب الإبادة التي تمارسها قوات الاحتلال. والحديث عن الإبادة ليس مفتعلا بل هو اللغة الدارجة في الأوساط الدولية عند الحديث عن معاناة الشعب الفلسطيني. مع ذلك لم  توجه القمة اهتماما كافيا بهذه القضية واكتفى الزعماء الذين توجهوا إلى البحرين بترديد العبارات التي وردت في البيانات الختامية للقمم السابقة، بدون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث والاهتمام بما يجري في الأراضي المحتلة. وعندما تداولوا في قضية فلسطين كان البعبع الأمريكي نصب أعينهم، وكان كل منهم ترتعد فرائصه خشية إزعاج البيت الأبيض أو إثارة حفيظة اللوبي الصهيوني في العواصم الغربية. فاكتفت بالدعوة لوقف العدوان على غزة، ولكنها لم تدع لتجريم العلاقات مع كيان الاحتلال. والمحصلة أن قمة المنامة لم تخرج بقرارات تحمي أهل فلسطين أو تتطرق لاستراتيجية تهدف لتحرير الأرض من الاحتلال. حكومة البحرين كانت سبّاقة للتطبيع مع الاحتلال، وبرغم معاناة أهل غزة في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل عليهم احتفظت تلك الحكومة بالعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وبقي السفير الإسرائيلي يمارس عمله لدى البلاط الخليفي برغم مزاعم عودته إلى تل أبيب. ويمكن القول أن فلسطين كانت الضحية الكبرى لهذه القمة التي تآمر المشاركون فيها على شعوب الأمة، وسعوا لتقوية علاقاتهم مع أمريكا بشكل واضح، ومع إسرائيل على خجل. هل كان متوقعا أن يصدر أمر غير ذلك في بلد تصر حكومته على تمتين العلاقات مع “إسرائيل” وتتجاهل استغاثات الشعب الفلسطيني المضطهد؟
 
ثانيا: عقدت القمة في بلد يعاني شعبه من اضطهاد ممنهج في ظل ما تمارسه العصابة التي تحكمه بالنار والحديد منذ عقود وترفض الانصهار في البوتقة الوطنية، وتعاني من عقدة النقص لكونها لا تشعر بالانتماء للوطن والشعب. وسبق انعقاد القمة تظاهرات شعبية تهدد بكشف هوية النظام الحاكم وتطالب الآخرين بعدم حضور قمة يدعو لها حاكم خرج على الإجماع العربي وتبادل السفراء مع الاحتلال الإسرائيلي، وما زال يصر على أن يبقى محتلا للبحرين ومتجاهلا تطلعات أبنائها ورغباتهم في إقامة منظومة سياسية حرة تمثل شعبها الأصلي (شيعة وسنة). وقد يقول قائل أن أوضاع الدول العربية الأخرى لا تختلف كثيرا عما يحدث في البحرين. فالديمقراطية غائبة عن أغلب الشعوب، والاضطهاد سيد الموقف فيها. مع ذلك فإن أوضاع هذا البلد ومعاناة شعبه لا تقاس ما يجري في البلدان الأخرى. فهو يخوض صراعا مستمرا منذ 100 عام ولم ينجم عن ذلك الصراع حل سياسي شامل يؤدي إلى قيام دولة حديثة يمارس فيها الشعب دوره كمصدر للشرعية. ولذلك كانت نظرة الشعب للقمة غير ودّيّة، برغم أنه حريص على العمل العربي المشترك. لكن وعيه يفرض عليه أن يكون صادقا مع نفسه ومع الشعوب الأخرى، وأن لا يسمح للآخرين باستغلال إسمه حين يتواصل مع العالم. فهذا الشعب يؤمن بضرورة العمل المشترك ويدعم وحدة الأمة، ولكنه أيضا يدعم كذلك حق الشعوب في النهوض بأعباء الحكم في بلدانها، ويهيب بها للصمود في وجه الاستبداد والسعي لاسترداد حقوقها كاملة وعدم المساومة على رأسها الحرّيّة واستقلال القرار والشراكة السياسية.
 
ثالثا: عقدت القمة العربية في البحرين في ظرف خاص. هذه المرة هناك ثورة صامتة في سجونها. المعتقلون السياسيون قرروا أن يُسمعوا صوتهم للعالم ويتجاوزوا محاولات الحكم الخليفي التعتيم على حقيقة أوضاعهم. فقد قضى بعضهم أكثر من 13 عاما وراء القضبان ظلما وجورا وعدوانا. ويعانون هذه الأيام من محاولات خليفية بائسة لكسر إرادتهم، تارة بابتزازهم ومساومتهم على حريتهم، وأخرى بتجويعهم. ولم يحدث أن قام حاكم أو طاغية بتجويع معتقلي الرأي لديه كما فعل ديكتاتور البحرين الذي استقبل زعماء الدول العربية وقلبه الأسود مفعم بالحقد على الإنسانية والسعي للقضاء على سجناء الرأي جوعا. ومنذ أسابيع بدأ هؤلاء المعتقلون السياسيون يشتكون من تقليل كمية الوجبات التي تقدم لهم، وكذلك تقليل االمواد الغذائية التي تباع في كانتينات السجن. وتضامنت عائلاتهم معهم وسعت لإيصال بعض الأطعمة إليهم ولكن بدون جدوى. فإدارة السجن ترفض السماح بدخول المأكولات إلى السجناء ضمن لوائح مجحفة فرضها كبار المسؤولين بنظام العصابة الخليفية. وهكذا يتضوّر السجناء البحرانيون جوعا، بينما تقام ولائم الطعام على أوسع نطاق  خلال القمة، ليكون هناك عالمان: أحدهما يشكو من التخمة والآخر يتضوّر من الجوع. فأية قمة هذه التي تعقد وأصوات الجياع تصك الأسماع؟ عائلات هؤلاء السجناء رفعت أصواتها مطالبة بتوفير الطعام لأبنائها المعتقلين ظلما وجورا وعدوانا. وأقامت الاحتجاجات والوقفات التضامنية على أمل التأثير على السياسة الحكومية، ولكن بدون جدوى. سيسجل التاريخ أن حكام العرب اجتمعوا ذات يوم في بلد عربي أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا، وتجاهلوا صيحات الجياع وأنات معتقلين وأهات الثاكلات ووضعوا ، وكان بإمكانهم أن يفعلوا شيئا للإنسانية ولكنهم خذلوها. فتنكروا لأهل فلسطين وتجاهلوا أوضاع أبناء البحرين المعتقلين، واكتفوا بالأكل والشرب وتقبيل الأنوف وتبادل التحيات بدون أن يقدموا لشعوبهم المضطهدة شيئا يذكر، سواء بالتطرق لمسألة الحريات العامة والحق في الحياة والطعام، أم بالتصدي للقضية المركزية في فلسطين، أم بإعلان موقف سياسي يضغط على الدول التي تدعم الاحتلال.
 
هذه قصة قمة المنامة التي عقدت على أنغام ضحايا الاحتلال والاستبداد، وسوف يسجلها التاريخ أنها الأبشع في تاريخ الدول العربية والأقل الإنسانية والأبعد عن الحق والأقرب للاحتلال. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين
 
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار وجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
 
حركة أحرار البحرين الإسلامية
17 مايو 2024
زر الذهاب إلى الأعلى