بيانات حركة أحرار البحرين
إلغاء تأبين داعمي فلسطين تأكيد لخيانة الخليفيين
يوما بعد آخر يتفاقم غضب الشعوب الحرّة بسبب تفاقم معاناة أهل فلسطين. بالأمس كانت غزة محط أنظار الأحرار بعد أسابيع من القصف الصهيوني المكثّف الذي أزهق أرواح عشرات الآلاف. وبرغم تفوقه العسكري والدعم الغربي غير المحدود لإجرامه، فشل في كسر شوكة أبناء الأرض الذين تحدّوا الاحتلال والمحتلين منذ العام 1948. وقد لقنه الفلسطينيون درسا قاسيا، وتراجعت سمعة جيشه الذي فشل في كسر إرادة أهلها. هذه المرة ارتكب جريمة بشعة مع سبق الإصرار والترصّد، فاجتاح مدينة رفح من أجل الانتقام والقتل فحسب. كان هدفه إجراميا بوقاحة وصلف. وكان العالم يعلم بذلك جيدا، ولكن حلفاءه لم يحاولوا منعه. وبرغم ما ارتكبه من فظاعات وجرائم قال الأمريكيون أنهم لن يغيّروا سياستهم الداعمة له ولممارساته، وأنهم لن يتوقفوا عن تزويده بالأسلحة. كان ذلك الموقف الأمريكي هابطا بدون حدود، وبعيدا عن الإنسانية وحكم القانون والعدالة. لذلك يستمر الصلف الإسرائيلي ومعه الجرائم التي يرتكبها المحتلون بحق الأبرياء، وبموازاة ذلك تستمر معاناة الفلسطينيين وتتواصل محنة الأمة مع حكامها الخانعين.
البحرانيون ارتبطوا بالقضية الفلسطينية منذ بدايتها، وعشقوها ورموزها ومناضليها وكل من ارتبط اسمه بها إيجابا. ولذلك خطّط لتأبين الشهيدين، السيد إبراهيم رئيسي والسيد أمير حسين عبد اللهيان اللذين لقيا مصرعهما مع سبعة آخرين بتحطم طائرتهما العمودية قبل أسبوعين. كان الشعب يخطط لإقامة حفل تأبيني لهما لأسباب من بينها حملهما راية فلسطين في المحافل الدولية بشكل واضح. ولكن العصابة الخليفية رفضت ذلك وألغت التأبين باستدعاء رئيس مأتم السنابس وأجباره على منع إقامة مراسم العزاء والتأبين. وهددته بعقوبة شديدة إن لم يلتزم بالأمر الصادر عن الطغمة الحاكمة. هؤلاء تضيق صدورهم بحفل تأبين متواضع، فما أتفههم وما أشد عدداءهم لفلسطين وحاملي لوائها. إن إلغاء التأبين حلقة أخرى في مسلسل تآمرهم على الأمة وقضاياها.
بعد أكثر من ثلاثة أرباع القرن لم يعد هناك ما يوحي بإمكان حدوث تعايش سلمي بين المحتلين وأصحاب الأرض الأصليين. كما لا يمكن إقامة علاقات ودّيّة بين الشعوب العربية والإسلامية من جهة والكيان الإسرائيلي من جهة أخرى. فما أكثر محاولات التقريب بين الطرفين وما أقوى الضغوط الأميركية على الدول العربية لتطبيع العلاقات مع محتلي فلسطين. ولم ينجم عن تلك الضغوط ما يدفع للاعتقاد بإمكان إقامتها. صحيح أن بعض الأنظمة العربية أعلن موقفه بالاعتراف بكيان الاحتلال والتنكر للحق الفلسطيني، ولكن أين هي العلاقات الطبيعية؟ كانت مصر أولى الدول التي خرجت عن الإجماع العربي وسافر رئيسها أنور السادات إلى مدينة القدس في العام 1978، ووقّع أول اعتراف عربي مع “إسرائيل”,. ولكن هل حقا حدث تطبيع بين الشعب المصري والاحتلال؟ و هل إنهال أبناء مصر على هذا الكيان؟ أم أن حالة القطيعة النفسية والسياسية والثقافية ما تزال تطبع الموقف؟ كذلك فعلت حكومة المغرب، فأقامت علاقات مع الكيان الغاصب برغم رفض الشعب المغربي لذلك، فهل هرع المغاربة لزيارة تل أبيب؟ أم أن المظاهرات الرافضة للاحتلال والداعمة للشعب الفلسطيني هي التي تجوب شوارع الرباط والدار البيضاء؟ وحاول حكام السودان العسكريون خطب ودّ الولايات المتحدة بإقامة العلاقات مع تل أبيب، والتقى الحاكم العسكري في السودان عبد الفتاح البرهان مع بنيامين نتنياهو في أثيوبيا في العام 2020 وتم الترويج كثيرا لتطوير العلاقات بين البلدين. ولكن هل حدث ذلك فعلا؟ أم أن الشعب السوداني مصمم على مواصلة رفضه الاحتلال الإسرائيلي وتضامنه مع الشعب الفلسطيني؟
هذه النماذج من العلاقات الوهمية لم تحقق هدفها المتمثل بتسويق العلاقات بين الشعوب العربية والاحتلال الإسرائيلي. وإذا فعل حاكم ذلك فسرعان ما تسقط شعبيته وتلاحقه الإهانات والسخرية من أبناء شعبه. فما الذي دفع العصابة الخليفية في البحرين للهرولة وراء التطبيع مع كيان الاحتلال برغم إصرار الشعب البحراني على رفضه الاحتلال الإسرائيلي واعتبار ذلك مبدأ جوهريا في مواقفه الوطنية والقومية؟ يتوافق على ذلك كافة شرائح المجتمع البحراني بسنته وشيعته، بإسلامييه وليبرالييه. وبعد قرابة أربع سنوات من هرولة الطاغية الحالي للتقارب مع تل أبيب بالاعتراف بالاحتلال وإقامة علاقات دبلوماسية معه، ما تزال البحرين بشعبها وأصالتها ترفض ذلك رفضا قاطعا. وبدلا من أن يحقق هذا الطاغية موقعا وطنيا مرموقا، أصبح في نظر الشعب رمزا للخيانة والعمالة والسقوط الأخلاقي، وأصبحت علاقاته مع الاحتلال الإسرائيلي مانعا من تحسن علاقات البحرانيين معه. وفشل في تطبيع العلاقات الثقافية أو الاجتماعية بين أبناء البحرين ومحتلي فلسطين. فإذا زار وفد منهم أرض أوال فإنه لا يلقى إلا وجوها عابسة ورفضا قاطعا. إنها المشاعر الوطنية والقومية والإسلامية التي يختزنها شعب البحرين داخله، ولا يستطيع حاكم مهما كان جبروته وطغيانه فرض ذلك على السكان الأصليين بهذه الأرض الطيبة (شيعة وسنة). هذه حقيقة الشعب البحراني الذي وقف طوال ثلاثة أرباع القرن إلى جانب الحق الفلسطيني، وضد الاحتلال، ورفض الاعتراف بـ “إ إسرائيل”. ولطالما حاول الطاغية وعصابته وداعموه التنكيل بالبحرانيين و وتحويل حياتهم إلى جحيم لإجبارهم على مسايرة الأمريكيين والغربيين. ولا ضرورة لتأكيد فشل تلك المحاولات، فهو واضح للعيان. وهل هناك دليل على ذلك الفشل أكبر من التظاهرات والاحتجاجات المتواصلة الداعمة لفلسطين؟ فلا تمر جمعة إلا ويخرج المصلون من المساجد هاتفين ضد الاحتلال وضد التطبيع وضد العملاء وضد الخونة. ويعلم الخليفيون أنهم المقصودون بكل ذلك، ولكن ما الذي يستطيعون عمله؟ لقد جربوا كافة الوسائل لقمع شعب البحرين وإجباره على مسايرتهم والقبول بحكمهم تارة وموالاة أوليائهم تارة أخرى، ولكن نتيجة تلك المحاولات الفشل الذريع حيث بقي شعب البحرين صامدا وثابتا ووفيا لقضية الأمة بدون تردد أو تراجع.
في وجدان الشعب البحراني ارتبطت قضية شعب فلسطين بقضيته، فرأى في الطرفين: الصهيوني والخليفي، محتلا غاصبا مجرما معاديا للإنسانية، منفصلا عن أمة العرب والمسلمين في مواقفها وسياساتها وأخلاقها وقيمها وأنتمائها. وهذا يكفي لإفشال أي مشروع تطبيعي يمارسه الخليفيون مع شعب يهتف بسقوطهم كل يوم، ويرفض الاستسلام برغم جراحه النازفة، وبرغم تغييب رموزه وراء القضبان. قبل شهرين أرغم الطاغية على الإفراج عن حوالي نصف المعتقلين السياسيين، معتقدا أن ذلك سوف يقابل بموقف ودّيّ من قبل الشعب. ولكنه لم يحصل على شيء من ذلك. فقد أدت الإفراجات لتعمق الشعور لدى المواطنين بأنهم انتصروا على الخليفيين انتصارا ساحقا، سياسيا وأخلاقيا. وبدلا من استرحامه أو استعطافه للإفراج عن بقية الرهائن الذين يحتفظ بهم في طواميره وسجونه، تصاعد الضغط عليه من كل زاوية للإفراج عن بقية السجناء السياسيين بدون قيد أو شرط. هذا الشعب كلما ازدادت جراحه ونزفت دماؤه، تعمق إيمانه بحتمية التغيير وضرورة إنهاء الحقبة الخليفية السوداء. ولن يتوقف عن ذلك حتى يحرر أرضه ووطنه من دنس الاحتلال الخليفي خصوصا بعد تطبيعه مع الصهاينة واستقدام خبرائهم العسكريين والأمنيين للاستعانة بهم ضد المواطنين المطالبين بالحرّيّة. غير أن تجربة الأعوام الأربعة من الهرولة الخليفية للعدو لم تحقق شيئا من ذلك. وها هو الشعب يقرر بنفسه أجندته المحلية والإقليمية بدون أن يستمع لما يقوله الطاغية وعصابته. فالمواطنون يتظاهرون ضد الاحتلال الإسرائيلي، ويعملون لتحرير أرضهم من دنس الاحتلال الخليفي. وفي الوقت نفسه يعلن الشعب مواقفه القومية والإسلامية من القضايا الراهنة بدون أن ينتظر موقفا من العصابة الخليفية التي ينظر إليها أنها هي المسؤولة عما يعانيه من شظف العيش تارة، ومن سجن الأحباب تارة أخرى، وإعدام الشباب ثالثة، واستخدام الوطن لخدمة أغراض العصابة الحاكمة من جهة رابعة. من هنا يجب التأكيد على أمرين أساسيين: أولهما أن الحراك الشعبي لن يتوقف حتى تتحقق مطالب الشعب كاملة بدون مساومة أو نقص. ثانيهما إنه سيواصل التزامه بالموقف الوطني والإسلامي إزاء كافة القضايا التي تهم العرب والمسلمين، ولن ينساق وراء الخطط والسياسات الخليفية التي أثبتت فشلها دائما. سيظل معتمدا على على ربه أولا وعلى نفسه ثانيا وعلى قداسة مطالبه ثالثا. والله هو المعين وهو ناصر المستضعفين وقاصم الجبارين وهو حسبنا ونعم الوكيل.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار واجعل لهم قدم صدق عندك وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
31 مايو 2024