بيانات حركة أحرار البحرين

في رحاب الملحمة الحسينية: شعبنا لن يحيد عن خطى قائدها

قال الحسين عليه السلام عن جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من رأى سلطانا جائرا، مستحلا لحُرم الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ثم لم يغيّر [عليه] بقول ولا فعل، كان حقيقا على الله أن يدخله مدخله”
 
أوضاع البحرين المزرية في ظل الحكم الخليفي لا يمكن ان تتحسن يوما، لأن الذي خبث لا يخرج إلا نكدا. فإن كان المواطن داخل المعتقلات سيجد مصاديق الفساد واللاإنسانية واضحة للعيان، وإن كان يعيش خارج السجن فإنه يرى بعينيه تداعي الأوضاع في كل مدينة او قرية او شارع. فهذا الحكم الخليفي فاسد حتى النخاع ويستحيل إصلاحه يوما. وعلى مدى المائة عام الماضية سعى المواطنون على تعدد مشاربهم الأيديولوجية والسياسية للإصلاح وبذلوا من أجل ذلك أغلى التضحيات ولكن لم تتحقق أهدافهم حتى الآن. فما أكثر الشهداء الذين ضحّوا بحياتهم من أجل ذلك، والمعتقلين السياسيين الذين ساقهم الخليفيون للزنزانات وحدانا وزرافات، وما أكثر الذين أبعدهم النظام عن أرض آبائهم وأجدادهم.
 
لقد عرف المناضلون اتجاه بوصلتهم وساروا على هديها، لا يريدون إلا وجه الله، وسجّلوا بذلك تاريخا ناصعا للبلاد والشعب، وأصبحوا أيقونات لا يمكن إخفاؤها. ولذلك تواصل النضال والتحقت به أجيال متعاقبة، وعجز الخليفيون عن كسر شوكة الأحرار برغم ما ارتكبوه من فظاعات وجرائم ماضيا وحاضرا. فماذا يعني ذلك؟ هناك أمر مستحيل، وآخر ضروري.
 
الأمر المستحيل إصلاح الفساد الخليفي، وهذا ما توصّلت إليه قوافل الشهداء والسجناء والمنفيين. لقد بذلوا جهودهم وضحّوا بما يملكون، ولكنهم وجدوا طريق إصلاح الحكم الخليفي مسدودا. وأصبح واضحا لديهم استحالة تحوّل الاستبداد إلى الديمقراطية، وعجز الحاكم الفاسد عن إصلاح نفسه وعدم قدرة الديكتاتور على ممارسة الديمقراطية. هذه النتيجة التي احتاجت مائة عام لتتضح بشكل لا لبس فيه ولا غموض، هي النتيجة نفسها التي أدركها الإمام الحسين عليه السلام عندما واجه المشروع الأموي وتصدّى ليزيد بن معاوية. فقد سبقه أبوه وأخوه لمواجهة المشروع الخليفي فلم يجدا سوى الحرب والتمرد والانحراف والاستهداف الممنهج لرسول الله ومشروعه وأهل بيته. أصبح واضحا لدى الإمام الحسين بن علي عليه السلام أن محاولة إصلاح الحكم الأموي مهمة مستحيلة، ومضيعة للوقت والجهد. فالمسألة ليست محصورة ببعض السياسات الخاطئة او السلوك السياسي المنحرف بل أن المشكلة بنيوية بلا حدود، وأن النظام الأموي يحمل في داخله عناصر الفساد كاملة، وأنه أطروحة قبلية لم يدخل الإيمان يوما في قلوب أصحابها، حسب النص القرآني: قالت الأعراب آمنا، قل لم تؤمنوا، ولكن قولوا أسلمنا، ولما يدخل الإيمان في قلوبكم. أدرك الحسين عليه السلاح، بعد أن آلت الأمور إلى يزيد بن معاوية أنه يواجه مشروعا مضادا لما جاء به محمد بن عبد الله، وأن محاولة مسايرته ستبوء بالفشل وتؤثر سلبا على المشروع الإسلامي الذي حمله محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام. وبذلك جسّد الحسين عليه السلام معاني الإيمان والصدق والوعي والثبات. ويكفي استعراض بعض أقواله منذ خروجه من مكة في الثامن من شهر ذي الحجة في العام الستين بعد الهجرة، لاكتشاف هذه الحقائق.
 
أما الأمر الضروري فيتمثل  بالحفاظ على شعلة الثورة الهادفة للتغيير والتمسك بمباديء محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام، والتصدي للمشاريع القبلية الجاهلية. ويمثل الحماس الشعبي خصوصا في أوساط الجيل الشاب ذروة هذا الوعي الذي تجسد في شخص الحسين وعقله وروحه، وانتشر بجدارة بين الأجيال المتعاقبة التي رأت في طريق الحسين سبيلا للنجاة أولا ومشروعا إصلاحيا شاملا وعنوانا لكرامة الإنسان وعقله ودينه وحياته. فعندما ينطلق شباب البحرين محتجّين في كل يوم فإنما يجسدون الإيمان والوعي والثبات والتضحية من أجل الحق. رأى هؤلاء الجنّة رأي العين فلم يحيدوا عنها او يبتغوا بدلا لها. إنه الوعي الإيماني الراسخ الذي يتمرد على حدود الزمان والمكان وتختلج به نفوس أصحابه حبًّا للخير والانسانية والوحدانية. فالمسار الحسيني الذي بدأ بقرار ذاتي من أبي عبد الله برفض المشروع الأموي برمّته، والتصدي له عمليا، كان تاريخيا، فلم ينحرف او يبتعد عن هدفه أو يتشوش في أذهان عشاقه. ولذلك فبعد اربعة عشر قرنًا ما يزال الحسينيون يرونه رأي العين وتزداد نفوسهم ثباتا على طريق الوعي والإصلاح، تيمّنا بقيادة ثورة كربلاء وعدم الشعور بالتململ والاسترخاء. نحن هنا أمام نماذج إيمانية متميزة لم تُخدع بالدعاية الأموية ولم تستسلم للمشروع الذي جاء به معاوية والذي تذاكى يزيد لإخراجه ضمن الأطر الإسلامية. وما سنسمعه في الأسبوعين المقبلين عن قصة كربلاء ورموزها ونتائجها لن تزيدنا إلا إصرارا وثباتا وشعورا بالغبطة لأننا سائرون على خط الحسين وهادفون للإصلاح الذي طرحه عنوانا لمسيرته.
 
الظاهرة الحسينية التي تجسدت بوضوح في بوغاء كربلاء شهدت مصاديق لها عبر التاريخ، إذ أصبحت مرادفة للحرية والكرامة والالتزام الشرعي والإصلاح. استشهد مع الإمام الحسين أكثر من 70 شخصا جسّدوا ذروة الإيمان والصدق والإخلاص والتضحية، ولكن أعداد الحسينيين تضاعفت في القرون اللاحقة، واستمرت تضحياتهم بدون توقف. فمن هؤلاء من عذّب حتى الموت ومنهم من ذبح بسيوف الظالمين، ومنهم من أعدم رميا بالرصاص ومنهم من علّق على المشانق. إنها قصة تتواصل فصولها وتستمر مصاديقها. وما إعدام الشاب عبد الله المحيشي الأسبوع الماضي على أيدي آل سعود إلا استمرار للظلم الذي ينطوي عليه المشروع اليزيدي. لقد قطع سيافو آل سعود رقبته كما قطع اليزيديون رؤوس الحسين ومن معه. فما أشبه الليلة بالبارحة، فالقوم هم أحفاد القوم، يربطهم جميعا المشروع الأموي الذي يستهدف دين محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام ومشروعه الهادف لإنقاذ البشرية من حكام الجور وأنظمة الشيطان.
 
شعبنا البحراني الذي تمسك بمحمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام ومشروعه الإلهي المقدس لن يتخلى  عن الحسين، حفيد رسول الله لحظة، بل سيحتفي بذكراه، كما اعتاد منذ قرون، بأساليبه المعروفة، ولن يستطيع أحفاد يزيد منعهم من ذلك. فما أكثر الذين استشهدوا من أجل الله على طريق الحسين، وما أكثر من اعتقل وتعرض للتنكيل. وها هم اليزيديون يسعون لإخماد الصوت الحسيني بمنع سفر الخطباء والرواديد، ويمنعون قدوم خدّام الحسين من العراق والجزيرة العربية، ضمن سياسات التضييق ومحاصرة المشروع الحسيني الذي يأبى أن يأفل، بل ترتفع هتافاته في الآفاق منذ 12 أكتوبر من العام 680 ميلادية  (10 محرم العام 61 هجرية). وها هم عشاق الحسين يهتفون في شوارع البحرين بأصواتهم “هيهات منا الذلة”. يستحيل ان ينسى البحرانيوان إمامهم المعصوم، حفيد رسول الله وابن سيد الأوصياء. وعلى الطغاة الخليفيين أن يفهموا ذلك، فلو دعمتهم كل جيوش الدنيا لما استطاعوا إخماد الصوت الحسيني الذي عمّ أجواء البلاد منذ استشهاد عدد من أبنائها مع الحسين في كربلاء. فعليهم الاستسلام للشعب الذي رفض حكمهم وأصرّ على استبداله بحكم وطني يشارك فيه كافة  المواطنين، على اختلاف مذاهبهم وأعراقهم. ويكفي ما قدم الشعب من تضحيات لكي تتحقق أهدافه بنصر الله وعونه وتوفيقه.
 
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
5 يوليو 2024
زر الذهاب إلى الأعلى