بيانات حركة أحرار البحرين
التجنيس السياسي سياسة فرضها الحكم فانقلبت عليه
ثلاث قضايا جذبت اهتمام المواطنين خلال الأسبوع الماضي نظرا لارتباطها بمحنته الطويلة مع الحكم الخليفي المارق. فقد أثيرت مجددا جريمة التجنيس السياسي التي فرضها الطاغية على البلاد منذ أن استولى على الحكم بعد وفاة والده في مارس 1999. ثاني القضايا استمرار الاعتقالات السياسية التي طالت عددا من المواطنين، من بينهم صغار السن. ثالثها: بداية أزمة معيشية بارتفاع الأسعار وتدني الدخل الفردي وصعود تكلفة الطاقة المستخدمة من قبل المواطنين.
اعتبر التجنيس السياسي على أعلى قائمة الجرائم التي ارتكبها الحاكم الحالي في إطار سياسته الهادفة لإبادة البحرانيين الأصليين بوسائل تحتوي على الكثير من “التذاكي” المتلبس بالقانون والإنسانية. فقد كانت صفقته مع الأمريكيين والبريطانيين في حقبة الميثاق تقتضي ثلاثة أمور: إطلاق سراح السجناء السياسيين وطرح ما سمي وقتها “المشروع الإصلاحي لسمو الأمير، وثالثها تنصيب الحاكم نفسه “ملكا” ليستطيع مجاراة بعض حكام المنطقة. وفي مقابل ذلك سمح له الامريكيون والبريطانيون بتغيير التركيبة السكانية في البحرين ضد السكان الأصليين الذين كانوا منذ قرون يمثلون الأغلبية الساحقة في البلاد. فتم الإفراج عن المعتقلين السياسيين لفترة وجيزة سرعان ما انتهت وعاد الطاغية لسياسات السجن والاعتقال والتنكيل. أما مشروعه السياسي فقد ولد ميّتا، ودخلت البلاد بعد ذلك في نفق ضيق يملأه الظلام، وهو وضع تواصل حتى الآن، ومرشح للاستمرار ما دام حمد بن عيسى وعصابته متحكّمين في شؤون البلاد وحكمها. وبهذا أصبح “ملكا” وأضاف لصفاته “جلالة الملك المعظم”. وبهذه الصفقة لم يحصل الشعب شيئا من مطالبه ولم تتحقق أهداف التحول الديمقراطي المنشود. وقد أضاف حمد ملحا للجروح البحرانية النازفة بفرض مشروع التجنيس السياسي الذي تمخض عن منح جنسية البلاد لعشرات الآلاف من الأجانب، استقدم بعضهم ومنح وظائف ومساكن وامتيازات خاصة، وبقي بعضهم الآخر في بلده الأم.
بعد ثورة 2011 تظاهر الطاغية بوقف مشروع التجنيس، فظل جامدا ولم يرشح الكثير عن مساره وآفاقه. ولكن اتضح الآن أن فترة عقدين من الزمن كانت كفيلة بإظهار النتائج السلبية المدمّرة لمشروع التجنيس السياسي. في بداية الأمر عبّر النشطاء عن خشيتهم من الانعكاسات المدمّرة لذلك المشروع على المواطنين السنّة، لأن أغلب المجنّسين ينتمون لذلك المذهب. فتم توطين الكثيرين منهم في المناطق السنية، وأصبحوا ينافسون السكان الأصليين من السّنّة في الوظائف والسكن. واليوم أصبحت تلك النتائج الكارثية تضغط على الوضع الاجتماعي والمعيشي في المناطق السنية، وبدأت أصوات السكان الأصليين ترتفع بالاحتجاج والتململ من الضغط المعيشي والاجتماعي، خصوصا أن التجنيس نجم عنه ارتفاع معدلات الجريمة بالإضاف للاستقطاب الثقافي والسياسي الذي أصبح ظاهرة مرضيّة غير معهودة في بلد تعايش أهله شيعة وسنة في وئام وحب وتفاهم. هذه الصيحات التي ترتفع هذه الأيام تعبّر عن أزمة موقوته بدأت في الانفجار والتدمير.
جاءت تصريحات رموز العصابة الخليفية الأخيرة حول جريمة التجنيس لتزيد من روع المواطنين ولتعمّق شعورهم بأن العصابة الحاكمة ماضية في مشروع التجنيس، وأنها، هذه المرة، تحاول تثبيت التغير السكاني كظاهرة لا يمكن وقفها برغم نتائجها الكارثية. ويتوقع توسع دائرة التململ والاحتجاج على كافة الصعدان بعد ان انتشر وعي حقيقي في أوساط السكان الأصليين (شيعة وسنة) بضرورة التصدي للتجنيس السياسي الذي يعتبره حمد بن عيسى أهم دعامات حكمه، وأنه لن يواجه تحديات شعبية حقيقية بعد ذلك. وما ابعده عن الحقيقة والواقع، فالشعب البحراني الذي وقف ماضيا وحاضرا ضد الاستبداد والظلم ومن أجل الحرّيّة والممارسة الدستورية والمواطنة المتساوية، لن يتراجع عن مشروعه الهادف لتحقيق تغيير سياسي عميق يفضي إلى حالة من الشراكة السياسية الحقيقية ويقضي على الاستبداد المطلق والحكم العائلي المتوارث الذي لا يستند لقيمة أخلاقية أو ميثاق دولي. ويتوقع توسع دائرة السجال حول التجنيس السياسي بعد أن أثبت فشله وأصبح يضغط على العصابة الحاكمة نفسها. فالتجنيس في بلد صغير، محدود الإمكانات والموارد الطبيعية ليس قرارا حكيما بأي مقياس، بل يعبّر عن ضحالة سياسية ونظرة قصيرة تهدف للقفز على الواقع لكي لا تستجيب الحكومة للمطالب العادلة لشعب يناضل منذ عقود.
ونتيجة لهذا التخبط السياسي والإداري توسعت دائرة الاحتجاج الشعبي، ومعها الاعتقالات التعسفية. وكان الطاغية يحاول إيهام الآخرين بانتهاء الحراك الشعبي وأنه أنهك الشعب والمعارضة بمبادراته. وقد أخطأ كثيرا إذا كان يعتقد أن بإمكانه تضليل المواطنين خصوصا نشطاءه. فهؤلاء متمسكون بمطالبهم ومصممون على مواصلة الحراك الهادف للتغيير. ومع استمرار السجناء السياسيين في معاناتهم وراء القضبان، وبقاء المئات من اللاجئين في الخارج وانسداد أفق التطور السياسي، فليس متوقعا قدرة الحكم على تجاوز الآزمة ببساطة، ولا يستطيع إخفاءها بالتصريحات التافهة والوعود الخاوية، او القمع الشرس. فما أكثر معاناة المواطنين خصوصا النشطاء منهم، وما أوسع دوائر الاحتجاج خصوصا مع تصاعد ضغوط الحياة وغلاء الأسعار. ومن المتوقع أن تصل أزمة الطحين وارتفاع أسعاره إلى كل منزل قريبا، الأمر الذي سوف يضاعف التوتر الاجتماعي والاقتصادي في البلاد. ومن المؤكد ان التجنيس كان عاملا في الضغط على اقتصاد البلد وتعميق أزماته، بالإضافة لما أحدثه من توترات اجتماعية في المناطق التي تأثرت بتوطين المجنّسين.
مرة أخرى تتضح ملامح الآثار السلبية لمشروع التجنيس الذي تبناه الحكم الخليفي في العقود الأخيرة، وهي ملامح لا تبشر بخير حتى للنظام نفسه فضلا عن الوطن والشعب. فالبلد لا يبنيه إلا أهله، والبلدان لا تتطور باستيراد الأجانب. صحيح أن بعض الطفرات الاقتصادية تستدعي استيراد عمالة أجنبية للمشاركة في البناء والإعمار، ولكن الذي حدث في البحرين ليس من هذا النوع من التطور. بل حدث التجنيس كمشروع سياسي لأهداف تتصل بوجود حكم العائلة الخليفية ورفضها القيام بإصلاحات ذات معنى أو مشاركة المواطنين بشكل مباشر في خيرات البلاد وثرواتها كما يحدث في دول الخليج الأخرى. لقد كان البعض يراهن على صعود عناصر “شابة” من صفوف العائلة الحاكمة إلى سدة الحكم ومراكز القرار، فتترك بصمات إيجابية على مسيرة البلاد. ولكن شيئا من ذلك لم يحدث بل بقيت الأوضاع متوترة وخاضعة لعقلية أمنية خطيرة تفرض نفسها بقوة وتضغط على أمن البلد واستقراره. فأمن أي بلد لا يتحقق إلا عندما يشعر اهله بأنهم جزء من منظومته السياسية، وأن عليهم مسؤولية حقيقية لإدارة دفة الحكم وتوجيهه لخدمة مصالح الوطن والشعب وليس مصالح فئة خاصة. ونظرا لغياب الثقة بين الطرفين، السكان الأصليين (شيعة وسنة) والعائلة الحاكمة، فقد سارت الأمور باتجاه آخر حتى وصلت إلى حد القطيعة الكاملة. هذه القطيعة لها مصاديق من بينها الاحتجاجات المتواصلة والسجون المكتظة وأحكام الإعدام والنفي وسحب الجنسية واستعانة الحاكم بالأجانب، وكلها من معالم حكم الطاغية الحالي الذي يعتبر عهده من أسوأ عهدو الحكام الخليفيين. ويبدو أن الرهان على حدوث يقظة ضميرية وصحوة سياسية لدى الطبقة الحاكمة لم يعد له مكان، بل أن البلاد أصبحت في مهب الريح تتقاذفها أمواج التوتر وتوجهها أهواء حفنة صغيرة من رموز العائلة الحاكمة. أما المواطنون المخلصون فلا مكان لهم في الحياة العامة، بل أصبحوا يرزحون في السجون ويعيشون في المنافي. إنها لحظة تاريخية صعبة في تاريخ البلاد، والأمل ان ينتهي هذا الليل القاتم في وقت غير بعيد، ليعقبه فجر مشرق وشمس وضّاءة.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
28 يونيو 2024