المنبر الحسيني: الصوت الذي يهزم المتجبّرين
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين
مع انتهاء اليوم العاشر من المحرم يجدّد المؤمنون عهدهم للإمام الحسين بن علي عليه السلام بالولاء والحب والاستمرار بإحياء ذكرى استشهاده، وتكرار المجالس الحسينية طوال العام. فقد يبدو ان هذه المجالس لا تؤدي إلى يقظة الجماهير، وأنها لم تعد سوى طقوس تتكرر بدون جدوى. لكن الطغاة لا ينظرون إليها من هذه الزاوية، بل يرون فيها ترسيخا لما قام به حفيد رسول الله من تحدٍّ لحكم غير شرعي فرضته القبلية الرجعية على الأمة لتضرب مشروع محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام. لذلك يسعون لقمعه بأساليب شتى:
أولها: المنع المباشر لإقامته. وهذا ما يحدث في العديد من الدول العربية التي تسعى حكوماتها لإطفاء شمعة الثورة كلما وجدت لذلك سبيلا. كما أن استهداف حكم يزيد يقرع الأجراس في قصورهم، فما الفرق بين الحكم الأموي والحكم الخليفي او السعودي مثلا؟ الحكم الأموي يقطع الرقاب ويقطع الألسن ويعذب ويضطهد، أليس هذا ما يفعله آل خليفة وآل سعود؟ هذا المنع يتكرر كل عام، وإذا لم يستطع الطغاة تحقيق المنع الكامل، فإنهم يسعون للتشويش عليه وإشغال القائمين على هذه المجالس بالتهديدات والأقاويل. ومشكلة الحكومة الخليفية أنها تسعى لحكم شعب تعمّق حب الحسين في قلبه، وأعلن الولاء لرسول الله وآل بيته منذ اليوم الأول لوفاة الرسول عندما امتنع عن دفع الحقوق الشرعية لمن لم يعيّنه رسول الله. وسعى الإعلام الأموي لتشويه ما حدث، فقال أن أهل البحرين “ارتدّوأ”، وهي كذبة لم تجد من يصدّقها. بل بقي البحرانيون، عبر العصور، متمسّكين بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام وملتزمين بعلاقاتهم مع بقية المسلمين، وسعيهم المتواصل لدعم قضايا الأمة ونصرة المظلومين. وكان مشهد أهل غزة الأسبوع الماضي وهم يرتشفون الماء الذي أوصله البحرانيون لهم مثار فخر واعتزاز وشعور بالإنسانية. وبعكس ذلك تماما، فإن إصرار الخليفيين على الاحتفاظ بعلاقاتهم مع الصهانية مثار غضب واشمئزاز لدى البحرانيين والفلسطينيين على حد السواء. لقد ساهم المنبر الحسيني في تعزيز المشاعر الإسلامية والإنسانية بعد أن أظهر مدى ما يمكن ان يمارسه حكام الجور من ظلم لآل بيت رسول الله، ومن ذلك حرمانهم من الماء. أليس ذلك ما يمارسه الخليفيون اليوم بحق المئات من معتقلي الرأي البحرانيين المرتهنين في الأسر الخليفي؟
ثانيها: التنكيل بمن يسعى لإقامة الشعائر، سواء أصحاب المآتم أم الخطباء أم الرواديد. ويتم ذلك بأساليب لا تنحصر بالاستدعاء والتحقيق، بل تصل إلى التهديد بالسجن والتعذيب. يسعى الطغاة الموالون للمشروع الأموي لتحجيم الفعاليات الهادفة لإظهار ثورة الحسين بأساليب عصرية، ويسعون لإبقائها ضمن الأطر التقليدية التي لا تلامس خطاباتها الواقع
بل تسعى لفرض صيغ جامدة للإحياء. وقد ساءهم ما شهدته الحالة الحسينية من تطوير في العقود الأخيرة، وكيف تحولت إلى حالة جماهيرية تستقطب كافة قطاعات المجتمع، وتهييء النشء لدور حسيني مستقبلي يرفض الظلم والاستبداد ويسعى للتغيير. ولذلك تتعرض المنابر للحصار والتهميش، ويتم استدعاء الخطباء لتهديدهم من مغبّة التطرق لما حدث خصوصا تصدّي الحسين للمشروع الأموي وتحديه يزيد بن معاوية. فلم يعد يزيد، في المشروع القبلي، شخصا واحدا ارتكب كبرى جرائم التاريخ بحق آل بيت الرسول، بل أصبح ظاهرة تتجسد في كل حاكم يسير على نهج يزيد. وما أكثر حكام الجور الذين يمارسون سياسات منسوخة مما فعله يزيد، وذلك بمصادرة السلطة وحرمان الناس من المشاركة السياسية وتكميم الأفواه والتصدي للمشروع المحمّدى، واستهداف قداسة الدين سواء في قرآنه أم تراث رسوله وآل بيته عليهم السلام. وما يفعله الخليفيون من استهداف المنابر والخطباء والسائرين على خطى الحسين، إنما هو استمرار لسياسات اضطهاد آل رسول الله ومن يسعى لإحياء ذكرهم.
ثالثها: تحجيم دور المنبر في التوعية والتوجيه والتثقيف. وذلك بمحاولة فرض نمط من الخطاب البعيد عن واقع الناس، ومنع التكامل الثقافي مع بلدان الجوار. وقد تجسد ذلك في عدد من الاجراءات، أولها: منع الخطباء غير البحرانيين من دخول البلاد لاعتلاء المنابر في البحرين. وقد تكرر ذلك مع خطباء عراقيين ومن ألمنطقة الشرقية من الجزيرة العربية، ومع رواديد كذلك. كما منع الخليفيون الراغبين من المشاركة في العزاء البحراني من البلدان المجاورة من دخول البلاد. بينما شجعوا قدوم الصهاينة بعنوان السياحة تارة وعنوان التجارة أخرى. وما أن يتطرق خطيب حسيني لقضايا الأمة حتى يُستهدف بالانتقام والتنكيل. وقبل بضعة أيام استدعوا بعض الخطباء وهددوهم بالسجن والتعذيب إذا لم يتوقفوا عن التطرق لما يجري في غزّة، واعتبروا شجب السياسات الإسرائيلية تهديدا لعلاقاتهم مع محتلي فلسطين. المنبر الحسيني لا يستطيع تجاهل هذه الحقائق، بل يصرّ على استقلاله أولا، وولائه لخط الحسين ثانيا، واهتمامه بقضايا المسلمين وغيرهم من المظلومين ثالثا. فلا أحد يقبل بمحاولات تحجيم دور المنبر إو إبعاده عن الاهتمام بهموم البشر التزاما بمبدأ “الإصلاح” الذي خرج الحسين من أجله. فلا يمكن ان يكون المنبر حسينيا إذا لم يكون وفيّا لمشروع الإصلاح. وقد بقي عبر التاريخ صامدا بوجه الطغاة وأمام محاولات تهميشه وإبعاده عن قضايا الأمة والبشر عامة. وما أكثر الاستهدافات التي وجهت للشعائر الحسينية، سواء بالتنكيل على الطريقة الخليفية ام العنف على طريقة المنظمات الإرهابية التي يدعمها حكام الجور، أم أساليب التشويه والاستهزاء والاستسخاف التي تمارسها وسائل إعلام الأنظمة اليزيدية. لقد سقط شهداء كثيرون في هذه الاستهدافات خصوصا تلك التي قامت بها داعش. ولكن بقي منبر الحسين صامدا وشامخا، يسعى لأداء رسالة السماء والتصدي للظلم والدفاع عن المظلومين.
في ظل هذه الحقائق، كان موسم عاشوراء هذا العام مفعما بالحيوية لدى المشاركين في الكثير من بلدان العالم. وكان إحياء الموسم جاذبا لاهتمام غير المسلمين خصوصا الإعلاميين والسياسيين. وتحدث السفراء والوزراء عن الإمام الحسين عليه السلام بإكبار وأجلال. بل أن رئيس وزراء الهند العام الماضي كتب تغريدة قال فيها: “اننا نستذكر تضحيات حضرة الإمام الحسين عليه السلام. فإن شجاعته والتزامه بقيم العدالة والكرامة الإنسانية تستحق الذكر”.
من المؤكد أن الحسين عليه السلام ليس بحاجة للإطراء من أحد، فحسبه أنه حفيد رسول الله ونجل علي وفاطمة، وأنه جسّد معاني الحرّيّة والكرامة، وضحّى من أجل ذلك بحياته وحياة أهل بيته وأصحابه. تكلم عندما صمت الآخرون، ونهض حين تقاعس الكثيرون، وتصدّى للظلم والاستبداد بعد أن انكفأ الناس عن التصدي لهما. لذلك استحق أن يكون سيد الشهداء، وان تُخلّد ذكراه على امتداد القرون والمسافات. فمنزلته لا ترتفع بتصريح رمز سياسي أو قائد، بل أن من يتفوّه بكلمات المدح والإطراء للحسين هو الذي ترتفع قيمته ويحتل مكانة مرموقة. فالمواقف التي يطرحها السياسيون تعكس أمورا عديدة: أولها الوعي وثانيها الاطّلاع الواسع على تاريخ النضال من أجل الحرية وثالثها: سعة دائرة اهتمام السياسي وعلمه. لقد ارتقى الحسين بشهادته أرقى ما يمكن ان يرتقي إليه إنسان، ودشّن بذلك عهدا مزهرا للنضال من أجل الحق والعدل والحرّيّة. فلتهنأ الإنسانية بانتماء الحسين إليها، ومرحى للحرّيّة التي ضحّى السين من أجلها. والسلام على الحسينيين في كل زمان ومكان.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد اسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
19 يوليو 2024