بيانات حركة أحرار البحرين

نضال عبر الأجيال من أجل الحرّيّة والهوية والحق السياسي

آلة العنف الخليفية لا تتوقف عن العمل أبدا، ولا تولي اعتبارا للقيم والأخلاق، بل لها تجاه واحد: حرمان المواطنين من الاستقرار والأمن وتثبيت الرعب في النفوس وإزهاق الأرواح. فإذا خرجت مسيرة تعرضت للقمع، واعتقل بعض المشاركين فيها وتعالت الصيحات المستنكرة ضدها. بينما يفترض ان يكون الحضور الجماهيري في الساحات العامة وأماكن التجمع والمواقع الالكترونية إحدى ركائز المجتمع المعاصر الذي يتوفر على الحرّيّات العامة ولا يمارس التنكيل بالمعارضين. فالحكم الذي لا يسمح بوجود معارضة فاعلة قادرة على الاعتراض والتصدي للسياسات الخاطئة لا ينتمي للعصر، بل يعتبر استبداديا ومتخلفا وقمعيا.
 
وفي السنوات الاخيرة سعى الديكتاتور الحالي لإخفاء هويته الدموية الحقيقية بشتى الأساليب، وربما اعتقد البعض أنه توقف عن استخدام العنف كسياسة ثابتة في تعامله مع الشعب. ولكن الوجه القبيح لا تستطيع المساحيق إخفاءه بشكل دائم، فسرعان ما تظهر حقيقته عند أول خدش. هذا ما حدث في البحرين هذه الأيام. ويمكن اعتبار إصابة الشاب حسين بدّاو في جبهته ورأسه تأكيدا لسياسات القمع والاضطهاد الخليفية التي تتبنى العنف في علاقاتها مع الشعب البحراني المظلوم. لم يرتكب الشاب خطأ او جرما، بل كان يشارك في فعالية مشروعة مطالبا بحرية شعبه وحقوقه. وجاء اعتداء قوات القمع السلطوية مفاجئة وبدون مقدمات. وأصيب آخرون بجروح أقل خطرا عندما قمع مسيرتهم السلمية بدون رحمة أو رأفة. كان ذلك ناقوسا جديدا للشعب لكي لا يصاب بالخدر والغفلة، وليكون واعيا بحقيقة الوضع الذي يعيشه في ظل الحكم الخليفي البغيض. فالاعتداء المذكور ليس فريدا من نوعه كما لن يكون آخر الاعتداءات التي تستهدف الشعب في وجوده وحرّيّته، بل ان مسلسل القمع والاضطهاد سوف يتواصل طالما بقي الطاغية متربّعا على كرسي الحكم مدعوما من القوى التي تستهدف الأمة وشعوبها وحريتها.
 
يضاف إلى ذلك حقائق أخرى تعمّق الاعتقاد باستمرار أحكام الطواريء والعمل بها متى ما اقتضت رغبة الحاكم. فالحريات العامة مصادرة على نطاق واسع، وحرّيّة الكلمة لا وجود لها في الواقع. فما أن يتفوّه مواطن بكلمة تنطوي  على انتقاد للعصابة الحاكمة وسياساتها الداخلية او الخارجية خصوصا علاقاتها بالاحتلال، فسرعان ما يعتقل المتكلم ويتعرض للتنكيل. وقد صدرت أحكام كثيرة بالسجن لفترات تصل إلى عام كامل لمن يشارك في مسيرة احتجاجية تطالب بالاصلاح السياسي. وبرغم التفاؤل الذي شعر به البعض عندما تم الإفراج عن نصف السجناء السياسيين، فقد وصل ذلك التفاؤل الى طريق مسدود باعتقال العشرات من المواطنين. وبجانب الاعتقالات هنتاك الاستدعاءات لمن يشارك في الحراك العام، حيث يتعرض المواطن الأصلي للمزيد من الإهانة والتهديد بالمزيد من العقوبة إذا استمر في مساره الحركي.
 
ماذا تعني هذه الحقائق؟ ثمة أمور عديدة تجدر الإشارة إليها لتوضيح ما آلت إليه أمور البلاد وما يمكن ان تصل إليه الاوضاع مستقبلا إذا لم يحدث تغيير جوهري في مشروع الحكم القائم في البحرين:
 
أولا: أنه لا وجود للحرّيّات العامة التي يتطلع إليها المواطنون والتي ناضلت الأجيال لتحقيقها. فحرّيّة التعبير مصادرة تماما، وتخضع لمزاج الحاكم وزبانيته. وحرّيّة التجمع لا وجود لها، فما أن يجتمع المواطنون في ساحة عامة مثلا حتى تباغتهم قوات القمع السلطوية، ويعتقل بعضهم ويُستدعى البعض الآخر، وتبدأ المحاكمات من جديد لتكتظ السجون بمعتقلي الرأي. وحتى الحرّيأت الدينية ليست متاحة للغالبية الساحقة من المواطنين. وإقامة الشعائر الدينية في موسم عاشوراء إنما أصر عليها المواطنون بإرادتهم ويرفضون التخلي عنها مهما فعل الخليفيون. ولكونها مرتبطة باستشهاد الإمام الحسين عليه السلام يخشى الطاغية الإصرار على المنع والإفراط في قمع المشاركين، لأن ذلك سبب لتفجر الوضع ضده، وقد تحدث ثورة شاملة لو تحرّش هذا الطاغية بشعائر الإمام الحسين او سعى لمنعها أو التعرض للمشاركين فيها. وهذه من الأمور التي تؤرّقه كثيرا لانها ارتبطت بهوية البحرين وشعبها قبل الغزو الخليفي بقرون، ويعلم أن من يتحدّى الحسين إنما يمارس مغامرة خاسرة.
 
ثانيا: أن الحراك الشعبي الهادف لتحقيق تغيير سياسي لم يتوقف منذ عقود، وازداد ضراوة منذ 14 فبراير 2011 عندما انفجرت أكبر ثورة شهدتها البلاد في تاريخها المعاصر. هذا الحراك يجد في المناسبات الدينية فرصة لتجديد عزم المواطنين، ويرفض الخضوع او الاستسلام. فهدفه واضح ولا يستطيع الرجوع عنه. هذا الهدف يتمثل في إنهاء الحقبة الخليفية السوداء التي دفع المواطنون أثمانا باهضة للتصدي لها منذ قرن من الزمان. وأصبح إنهاؤها هدفا جماهيريا تتوارثه الأجيال. وقد قمعت التحركات الشعبية الهادفة لذلك ولكن هذه التحركات تتجدد باستمرار. وقد ارتبط الحراك الشعبي المتواصل بشعب البحرين، فلا مثيل له في أي بلد خليجي آخر، وهو أمر محرج جدا لنظام يتظاهر بالاستقرار لمواجهة الانتقادات الدولية التي يواجهها.  وبرغم اساليب الاضطهاد والقمع لم يتوقف هذا الحراك. فالسجون تكتظ بالمواطنين، وكذلك أساليب القمع والتنكيل والتعذيب والاحكام الجائرة. فهل يعقل أن يصدر حكم بسجن مواطن بالسجن ثلاثة شهور بسبب مشاركته في مسيرة تطالب بالحقوق السياسية. فما عسى ان يبلغه الوضع الأمني من هبوط؟ وإلى أي مستوى يمكن ان يصل القمع السلطوي ودمويته وحقده على السكان الأصليين؟
 
ثالثا: أن الوعي الوطني الشعبي يزداد رسوخا برغم القمع المتواصل وسياسات التمزيق والتفريق، وسياسات التشطير الديني والاجتماعي. هذا الوعي هو الذي جعل الحراك الشعبي البحراني مثالا يتطلع له الآخرون الباحثون عن الحرية والتغيير. سعى الخليفيون لاحتواء ذلك وتغيير سمعة البلاد من بلد تطغى عليه الاحتجاجات إلى بلد تقام فيه الدورات الرياضية وسباق السيارات (فورمولا 1) والدراجات. فقد سعى ولي العهد الخليفي لتغيير صورة البحرين في ظل حكم عائلته من بلد قمعي الى بلد رياضي ولكن الطبع يغلب التطبع، فما ان يتراجع التوتر الأمني حتى يبادر الطاغية لتحريك الأوضاع الامنية بالاعتقالات والسجون والتنكيل والمحاكمات الجائرة.
 
وهكذا يتواصل الوضع السياسي والأمني في البلاد وتتعمق حالة الاستقطاب في أجوائه. فهناك عائلة محتلة فشلت في الانصهار الكامل في البوتقة الشعبية والوطنية، واصبحت معتمدة على الدعم الخارجي لبقائها، وعلى الجانب الآخر هناك الشعب الأصلي الذي يدافع عن حريته وهويته وحقوقه، ويضحّي بما يملك لتحقيق أمن وطنه والمحافظة على استقلاله. لذلك تتواصل دورة  التوتر السياسي والأمني بيين الطرفين، ومعها تتجدد أنماط المعارضة وأشكال الصمود. إنه صراع على الهويّة من جهة، والكرامة الإنسانية ثانية والحق السياسي من جهة ثالثة. وبين هذه الأبعاد تتعدد أشكال الحراك الشعبي ووسائله، ويزداد الخناق على نظام الاستبداد، حيث يأمل الشعب أن يؤدي ذلك الخناق لسقوط منظومة الحكم المتخلّفة التي دفع البحرانيون أثمانا باهضة لبقائها.
 
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
26 يوليو 2024
زر الذهاب إلى الأعلى