بيانات حركة أحرار البحرين

تصعيد القمع الصهيوني يهدف لتطبيع الاضطهاد والتنكيل والقمع في العالم العربي

ليس مستبعدا أن يكون البطش الصهيوني بأهل فلسطين له أهداف تتجاوز حدودها، وتتصل بإعادة صياغة المشاعر الإنسانية لدى الشعوب العربية والإسلامية الأخرى. إن ما يجري في أرض المعراج من تدمير مادي وبشري متواصل يُفترض أن يحدث ثورة شعورية وضميرية لدى كافة الشعوب. هذا إذا كان ذلك ضمن المعدلات المعتادة. ولكن حين يتجاوز ذلك المعتاد ويصبح خارقا لحدود المعقول فإنه قد يتحوّل إلى عامل تخدير للمشاعر، وقتل للضمائر. في هذا الوضع يصاب الإنسان بالإعياء الشعوري ويميل لتجاهل ما يرى او يسمع. فإذا تكلّست الأحاسيس البشرية أصبحت محاولة إحيائها هدفا مستحيلا. وهذا توطئة لبطش سلطوي في البلدان العربية يمنع الحراك الشعبي ويردع الناس عن السعي للتغيير. وقد لوحظ في بلدان عديدة، ومنها العراق في عهد صدام حسين، أن كثافة البطش تقتل المشاعر وتدفع الأغلبية نحو عيش سلبي لا يتأثر بما يجري في الساحة. هنا يضمر الشعور بآلام ضحايا القمع السلطوي، فيصبح أمرا عاديّا، وتضمر الرغبة في وقف البطش والتصدي للظالم والقاتل والجلاد. فالإسفاف في البطش وسفك الدماء والتنكيل يؤدي تدريجيا لضمور المشاعر الإنسانية لدى الكثيرين. فإذا حدث ذلك انحرف المسار البشري وتوقفت حركة التطور في المجتمعات، وانكفأ البشر على أنفسهم وابتعدوا عن الشأن العام. فيتم استبدال هذا الشأن بالهم الشخصي ويصبح الفرد متمحورا حول نفسه، مبتعدا عن الهموم والمسؤوليات الإنسانية. في هذا الوضع يصفو الجو للحاكم الدموي ردحا من الزمن، حتى تدور الدائرة بعد فترة طويلة وتستعيد القوانين الطبيعية فاعليتها فتندفع الجماهير لإنهاء العهد الدموي الأسود. حلقة الدوران هذه تمر ببعض الشعوب التي تغلب على أمرها فترة من الزمن، ثم تستعيد المبادرة وتتصدى الاستبداد والظلم
 
ويبدو أن هذه مهمة كيان الاحتلال الذي يهدف لخلق حالة يأس عربية شاملة من خلال استراتيجية تهدف لقتل الأحاسيس الفردية والمشاعر الإنسانية لدى شعوب المنطقة، على أمل أن يكسر فيها الرغبة للتغيير او التصدي للظلم والاحتلال. ويلاحظ هنا كذلك توافق القوى الدولية مع الدول الاقليمية لمنح “إسرائيل” حصانة كاملة، فلا تخضع لأية مراقبة او محاسبة من أية جهة دولية. بل يُسمح لها تجاهل المؤسسات الدولية التي تحاسبها على ما تقترفه من جرائم. وفي كل الأحوال يستمر الكيان في الحصول على الدعم الأمريكي بدون حدود. أليس هذا ما حدث الأسبوع الماضي عندما أعلنت واشنطن منحه عشرين مليار دولار من الدعم غير المشروط؟ أليس هذا الكيان مسموحا له بتجاهل القرارات الدولية منذ قيامه قبل اكثر من ثلاثة أرباع القرن؟ وهل هناك قمع واضطهاد وقتل جماعي أكبر مما يمارسه الاحتلال في فلسطين؟ فحتى الأمهات فقدن القدرة على البكاء والعويل لفقد ابنائهن. فالأم التي تفقد خمسة أو ستة من أبنائها، ما عساها أن تشعر عندما تفقد المزيد منهم؟ فالقلب يصاب بالتعب والجسم يعاني من الإعياء، والمشاعر تتصلّب وتتلاشى تدريجيا، ومآقي الدموع تجف ويتوقف الدمع تماما. حين يحدث ذلك تشعر القوى الشيطانية أنها قادرة على فعل ما تشاء، وليس عليها أن تخشى ردة فعل من هذا الشعب أو ذاك. أليس التطبيع خطوة أخرى على طريق كسر أحاسيس الرفض؟ فعندما قام الرئيس المصري الأسبق، أنور السادات، بزيارة القدس في العام 1978 كانت ردة الفعل العربية شاملة، فقامت الدول العربية بمقاطعة مصر وجمّدت علاقاتها معها ونقلت مقر الجامعة العربية ألى تونس. ولكن بعد ان تكررت مبادرات التطبيع مع “إسرائيل” توقفت الإجراءات ضد أي من الانظمة المطبّعة، وتحققت نبوءة رسام الكاريكاتير، ناجي العلي التي جاءت على لسان رمزه الكاريكاتوري، حنظلة: أخشى أن يأتي اليوم الذي تصبح فيه الخيانة وجهة نظر.
 
إن من غير المنطقي فصل ما يحدث في الدول العربية من استبداد وقمع متواصل عن محاولات غرس كيان الاحتلال كحالة طبيعية في المنطقة، وذلك بكسر التوجهات الشعبية الرافضة للاحتلال والداعمة لأهل فلسطين. فالشعوب العربية أصبحت مغلوبة على أمرها بعد عقود من الاضطهاد والتنكيل بمعدلات مبالغ فيها. هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن الضغوط الأمريكية على الأنظمة لدفعها للإعتراف بكيان الاحتلال والتطبيع معه تساهم في بلورة جوّ سياسي عام يتجه نحو الخضوع للإرادة الإسرائيلية والأمريكية، ويبتعد تدريجيا عن ثقافة المقاومة ومجموعاتها. ولكن برغم ذلك توسعت دائرة الرفض لكيان الاحتلال سواء داخل العالم العربي أم على مستوى العالم. ويكفي معاينة الاحتجاجات التي تخرج بين الحين والآخر في العواصم العالمية لإدراك توسع دائرة رفض الاحتلال ومعه السياسة الأمريكية والغربية التي تدعمه. ولكن برغم ذلك ما تزال الإرادة الأمريكية تفعل فعلها في السياسة الدولية من جهة وتساهم في كسر الحصار السياسي على كيان الاحتلال من جهة أخرى. وما يزال الغربيون مصرّين على حماية الاحتلال برغم ما يرتكبه من جرائم ضد الفلسطينيين تصنّف ضمن الجرائم ضد الإنسانية. بل أن واشنطن تسعى لمنع الكيانات الدولية من التصدي للاحتلال ورموزه، وتحاول منع محكمة الجنايات الدولية من النظر في الشكوى المقدّمة ضد “إسرائيل” من قبل جنوب أفريقيا التي انضم لها عدد من الدول في الفترة الأخيرة.
 
الإجرام الإسرائيلي المتواصل خلق أجواء في المنطقة العربية تساعد الحكومات على اضطهاد مواطنيها بالسجن والتنكيل إذا رفعوا شعارات التغيير والإصلاح السياسي. فقد تمت محاصرة الحراكات الشعبية المطالبة بالتحول الديمقراطي وزُجّ بالمشاركين فيها داخل المعتقلات. وتجاوز التنكيل الحكومي بدعاة التغيير الخطوط الحمراء كالتعذيب والقتل، وأصبح يستهدف كذلك النشطاء من أجل فلسطين. وهناك الآن تعاون غربي مع بعض الدول العربية لتحجيم الحراكات الشعبية التي ازدحمت بها العواصم الغربية في الفترة الأخيرة، الأمر الذي يرفضه النشطاء السياسيون والحقوقيون بشكل قاطع. فهناك خشية من وصول سياسة قمع الحرّيّات العامة إلى الغرب، وهو ما تخشاه الجهات الليبرالية وتبذل جهودها لمنع حدوثه. مع ذلك فإن التهديد بتضييق مساحات الحرية مستمر ومقلق. ويمكن القول أن صعود حزب العمّال إلى الحكم في بريطانيا ساهم في تأجيل ذلك، ولم يُلغه تماما. فبريطانيا حليفة للولايات المتحدة، وتسعى دائما لمجاراتها في سياساتها الداخلية والخارجية. وما التخاذل الغربي إزاء قضية فلسطين إلا أحد مصاديق ذلك.
 
فما يجري في البحرين من اضطهاد متواصل للنشطاء السياسيين والحقوقيين إنما ينطلق بسبب العلاقات الوطيدة بين الحكام الخليفيين ونظام الاحتلال في فلسطين. فهم يشعرون بقدر من الحماية الوهمية بسبب هذه العلاقات، خصوصا أن شعب البحرين لم يخف يوما دعمه لفلسطين وشعبها، ورفضه الاحتلال جملة وتفصيلا. فالمسيرات والاحتجاجات ضد الاحتلال لم تتوقف، بل أصبحت شأنا يوميا، حيث تسيّر المظاهرات وتُرفع الهتافات واللافتات باسم فلسطين، ومن أجل أهل غزة المظلومين. من هنا يتحالف داعمو الاحتلال لقمع هذا الشعب المظلوم، وتُوفّر الامكانات لتحقيق ذلك، ويُعتقل المشاركون في تك الاحتجاجات. إنه استهداف للحرّيّة والحق والموقف، فلا يستطيع المواطن البحراني أن يغض الطرف عن ممارسات الاحتلال التي تؤكد وحشيتها مقاطع الفيديو التي يتم تسريبها من داخل الأراضي المحتلة وتظهر مدى توحش قوات الاحتلال في تعاملهم مع أبناء الأرض. كما لا يستطيع عالم الدين البحراني أن يخطب في المصلّين يوم الجمعة بدون أن يتطرّق لمعاناة أهل غزة ويدعو الله أن يحميهم من المحتلّين. إنها قصة معاناة شعبين يتعرضان للاحتلال والقمع والتنكيل، وهي قصة قديمة تتجدد حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
 
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
 
حركة أحرار البحرين الإسلامية
16 أغسطس 2024
زر الذهاب إلى الأعلى