بيانات حركة أحرار البحرين

والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا .. الشعب يصلّي من أجل حرّيّة فلسطين ومحق الاحتلال

كشفت الأزمة الحالية في فلسطين سعة الفجوة بين الأنظمة العميلة والشعوب المناضلة. فهناك موقفان متضادان إزاء ما يجري هناك منذ أن اغتال الكيان الصهيوني سماحة السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله. كان ذلك الت طور من أخطر ما مر بالمنطقة منذ عقود، وكان محاولة لأطفاء شعلة الثورة المستعرة في قلوب الكثيرين ضد الاحتلال والاستبداد معا. وبارتكاب تلك الجريمة دخلت منطقة الشرق الأوسط حالة من التوتر غير مسبوقة، قد تؤدي لاندلاع حرب شاملة. وقد تفاعلت الأمور منذ يوم الجمعة الجمعة بعد أن تأكد استشهاد السيد نصر الله وفداحة الجريمة التي ارتكبتها قوات الاحتلال. وربما لم يتوقع الصهاينة وداعموهم ردة الفعل التي حدثت واستعداد قوى المقاومة للرد الحازم على الجريمة. ولا يُستبعد أن تؤدي تفاعلات الأزمة لإعادة تشكيل التوازن السياسي والعسكري بما يهدد وجود كيان الاحتلال. فالغضب الذي اعتمل في نفوس الكثيرين غير مسبوق، وقد أوضح خطر الكيان على أمن الشرق الأوسط واستقراره. وربما اعتقد رئيس وزراء العدو أن اغتيال الأمين العام لحزب الله سوف يؤدي إلى تماسك الحزب وحلفائه في المقاومة، ولكن ما حدث لم يكن كذلك، بل تداعت تلك القوى لتمتين صفها لمواجهة التحدي الإسرائيلي الذي يهدد المنطقة بأسرها ولا تنحصر سياساته بالاغتيال الذي أودى بحياة رموز عملاقة مثل إسماعيل هنية والسيد نصر الله.
 
في هذه الظروف الصعبة يجدر الإشارة إلى عدد من الأمور ذات الصلة بالتطورات الخطيرة الراهنة:

أولها: أن اغتيال نصر الله أحدث وعيا لدى الشعوب العربية بأنها هي المستهدفة الأساس بالسياسة الإسرائيلية التوسعية والدموية والاستئصالية. وكان العدو يراهن على إثارة الاختلافات المذهبية لتكون حائلا دون التفاعل الشعبي ضده بعد ارتكابه الجريمة. ولكن ذلك لم يحدث، بل حدثت حالة من اليقظة غير المعهودة بين الحركات الإسلامية والمنظمات الثورية على تعدد مشاربها. وأدركت الحركات الفلسطينية أن الاستهداف كان موجها للقضية الفلسطينية التي كانت على رأس أولويات الشهيد وحزبه. مع ذلك لا بد من الاعتراف بالفراغ الذي تركه الشهيد وراءه، هذا الفراغ الذي دفع القيادات الإسلامية للشعور بالألم والغضب، ودفعها للتفكير الجاد لإعادة تشكيل نفسها وأولوياتها في معركة الكرامة الهادفة لتحرير أرض المقدس وإبقاء وهج القضية الفلسطينية متوقدا. ويتوقع استمرار تفاعلات الجريمة الإسرائيلية فترة طويلة، فما حدث حتى الآن من تراشق بالصواريخ والمناوشات الحدودية ليس سوى البداية. ولذلك لا يستبعد أحد احتمال نشوب حرب إقليمية خصوصا مع استمرار الاحتلال باستهداف دول عديدة مثل سوريا ولبنان وإيران. وهناك عتاب شديد للدول التي لم تتخذ مواقف قوية ضد الاحتلال، مثل تركيا ومصر والسعودية. فالمستهدف الآن ليس حزبا بعينه أو شخصا قياديا دون غيره، بل تتأسس الاستراتيجية الصهيونية على إقامة كيان صهيوني أوسع لتحقيق ما تنص عليه عقائدهم وكتبهم. وهذه مسألة خطيرة يجب ان يستوعبها العرب والمسلمون بشكل دقيق لمنع “إسرائيل” من تحقيق هدفها التلموذي.
 
ثانيا: أن تفاعل الحكومات العربية مع الحدث الكبير في لبنان لم يكن بمستوى المسؤولية. فلم توجه دعوة للجامعة العربية لعقد اجتماع طاريء للبحث في الاستعدادات المطلوبة لمنع التوسع الصهيوني. فإن أقل ما يمكن ان تقوم به الجامعة إصدار بيان مشترك يخاطب أمريكا بلغة واضحة بأن دعمها المطلق للاحتلال يعتبر تهديدا للمصالح العربية، وان من حقها تجميد علاقاتها الدبلوماسية مع واشنطن إذا لم تتوقف عن دعم كيان الاحتلال. لم يحدث شيء من ذلك. كما لم تهدد الجامعة بتفعيل مبدا الدفاع المشترك بين الدول العربية ليشعر لبنان بأنه مدعوم عربيا، وأن بإمكانه الرد على أمريكا التي دعمت الاحتلال لانتهاك سيادته وقتل مواطنيه. وشعرت قطاعات شعبية واسعة بالخذلان عندما لاذت الدول التي طبّعت علاقاتها مع “إسرائيل” بالصمت ولم تتخذ أية خطوة ضاغطة على “إسرائيل”. كان الأجدى إظهار قدر من التضامن مع لبنان وإشعاره بأنه يحظى بدعم عربي، سياسي ومالي وعسكري. فهذه أمريكا لم تتردد لحظة عن أعلان دعمها الكامل لـ “إسرائيل”، والتزامها بضمان أمنها مهما ارتكبت من جرائم.
 
ثالثا: برغم تخاذل الأنظمة والحكومات العربية كان هناك تفاعل شعبي في بلدان عربية عديدة منها تونس والجزائر والأردن وسوريا والعراق والكويت والبحرين واليمن. فخرجت مسيرات التنديد بالاحتلال وجرائمه والموقف الأمريكي الداعم، وأقيمت مجالس العزاء على أرواح الشهداء، وأصدر بعض المنظمات والهيئات السياسية بيانات تنديد ودعوة لتفعيل التضامن العربي والإسلامي بوجه الاحتلال واعتداءاته. هذا التفاعل لا يكفي لردع العدوان، خصوصا أنه لم يصل إلى حد تعطيل الحياة العامة أو تهديد مصالح الدول الداعمة للاحتلال. وهذا تعبير عن تأثير سياسات تهميش الشعوب واستضعافها بالاضافة لسياسات الانبطاح والاستسلام أمام السياسات الصهيونية. إنها واحدة من الحقب السياسية التي تشهد حالات استقطاب سياسية ومبدئية وفكرية واسعة، وكذلك تخاذل النخب السياسية عن القيام بدورها في التوعية والمساهمة في تعميق الوعي الشعبي والوطني العام. فمن المؤكد أن للشعوب دورها في صد العدوان والتصدي للاحتلال، وتغييبها يؤدي لغياب الوعي والتوجيه. هذا الوضع يشجع الاحتلال وداعميه على الاستمرار في سياسات العدوان والاحتلال، ويحول دون تبلور مواقف شعبية فاعلة تقض مضاجع الدول الغربية الداعمة لـ “إسرائيل”.
 
رابعا: إن من الخطأ الاستراتيجي الشديد التضحية بالجماعات والأفراد الذين يتصدّون للاحتلال ويتحمّلون تبعات مواقفهم. فهؤلاء بلغوا أعلى درجات الوعي وامتلكوا الشجاعة والقوة بالإضافة لنكران الذات، فهم يعلمون أنهم يقفون على خط النار ولا يفصلهم عن الاستشهاد والموت شيء. وقد وطّنوا أنفسهم على ذلك ولم ترعبهم قوة العدو وجبروته، بل صبروا وصابروا ورابطوا وصدقوا في مواقفهم وعهدهم مع الله، ولم يخذلوا شعوبهم او يتنكروا لمبادئهم. إنهم الصفوة التي يخشاها العدو، ويسعى لاستئصالها. وبرغم التعتيم الإعلامي والتنمّر السلطوي في الكثير من البلدان العربية، فإن قضية فلسطين تعيش في وجدان الأمة وشعوبها ولا تستطيع سياسات النخب السياسية المدعومة من أمريكا إزالتها. فما دامت هذه القضية قد بقيت حاضرة في القلوب والنفوس أكثر من ثلاثة أرباع القرن ولم تنجح الحروب المتتالية في القضاء عليها، فستظل الأمة صامدة بوجه من يسعى لهزيمتها او القضاء عليها او تفتيتها او حرف مسارها. وقد أصبحت قضية فلسطين اليوم معيارا للجماعات والأفراد ومدى التزامهم بقيم الأمة وقضاياها. الأمر المؤكد أنه لن يأتي اليوم الذي تتخلى فيه هذه الأمة عن أرض المعراج، مهما كانت دموية الاحتلال وداعميه.
 
في ظل هذه الحقائق ستبقى فلسطين بوصلة للأمة. وسيظل شعبنا البحراني يقظا إزاء محاولات تهميشها، وسوف يبقى في الميادين هاتفا باسمها وداعيا العصابة الخليفية الحاكمة لإلغاء صكوك الخيانة  التي ارتكبتها بحق فلسطين. فشعبنا يرفض التطبيع ويصر على  التحرير. يصدق ذلك على المواطن العادي في الشارع، كما أصبح موقفا ثابتا لدى المغيّبين وراء القضبان الذين هتفوا من زنزاناتهم من أجل فلسطين والبحرين بدون الخشية من العصابة الخليفية التي ارتكبت كبرى الخيانات بتطبيعها مع المحتل وتجاهل فلسطين وأهلها. وسيعبر الشعب عن مواقفه هذه بمشاركته في الاحتجاجات اليومية والهتاف من أجل فلسطين الحرّة، ولن يهتم كثيرا للبطش الخليفي الغاشم الذي يعبّر عن حقد كامن لكل ما هو إنساني أو إسلامي أو وطني. هذا موقف ثابت لن يحيد الشعب عنه. في هذه الأثناء نهيب بالمواطنين الاستعانة بالصبر والصلاة من أجل الحرّيّة لفلسطين والبحرين، ونترحم على شهدائهما وندعو الله أن يهلك أعداء الأمة والإنسانية، إنه سميع مجيب الدعوات.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك يا رب العالمين
 
حركة أحرار البحرين الإسلامية
4 أكتوبر 2024
زر الذهاب إلى الأعلى