بيانات حركة أحرار البحرين

لتبق شعلة الثورة متّقدة لإفشال المشاريع الصهيونية

لا يستطيع المرء متابعة ما يجري في لبنان وفلسطين بدون ان يشعر بانقباض وألم وحسرة. إنها معاناة إنسانية كارثية سببها الكيان الإسرائيلي الذي يسعى لبسط هيمنته المطلقة على المنطقة، ويرفض أن يكون هناك من ينافسه او يرفض سياساته. وما يؤسف له انبطاح بعض الحكومات العربية ومن بينها العائلة الحاكمة في البحرين، وهو انبطاح له أثر على معنويات القوى الرافضة للاحتلال، خصوصا من يسعى منها لمقاومته ومنعه من التمدد غير المحدود. فاي قلب لا ينكسر حين يرى مشاهد الدمار التي لحقت بلبنان وغزة؟ وأية إنسانية لا تشعر بالغضب حين ترى أشلاء الأطفال بين حطام المباني التي يستخدم الإسرائيليون أبشع وسائل التدمير لإسقاطها على رؤوس من فيها. والأنكى من ذلك هذا الصمت المرعب من حكام الدول العربية الذين يصرّون على التخلّي عن المشاعر والأحاسيس الإنسانية وهم يرون ما يحدث لهؤلاء البشر المظلومين. فبرغم ما جرى ويجري يصر بعض هذه الحكومات على إبقاء خطوط التواصل الدبلوماسي مع العصابة الصهيونية. فبينما يتظاهر أبناء البحرين بحرقة وحسرة بشكل يومي، يصر حكامهم على العلاقات مع الصهاينة بدون حياء أو خجل. ولكن رب ضارّة نافعة، فهذا التباين في السياسات والمواقف يعمّق الشعور بأن الطرفين (الخليفيين والشعب) غير منسجمين سياسيا ومن مصلحة البلاد أن يفترقا، فإما أن يتم إبعاد الشعب كله عن الأرض أو يترك الخليفيون المسرح السياسي ويسلموا حكم البلاد لشعبها الأصلي (شيعة وسنّة). وتعاني البحرين منذ عقود من التوتر والخلاف بسبب اختلاف هذين الطرفين خصوصا إزاء القضايا الجوهرية كقضية فلسطين والعلاقات مع محتلّيها. وتؤكد التظاهرات التي تخرج بشكل منتظم إصرار البحرانيين على دعم إخوتهم ورفض الاعتراف بالاحتلال.
 
جاء العدوان الإسرائيلي الحالي على لبنان ليس للانتقام فحسب، بل للاستمرار في التوسع ووضع لبنات ضم المزيد من الأراضي العربية لكيان الاحتلال. فلم يخف المحتلون عزمهم على ضم قطاع غزة والضفة الغربية لذلك الكيان. وقد اتخذوا خطوات تؤكد ذلك المنحى. فالتدمير الذي أصاب غزة طوال العام الاخير وإجبار مليوني إنسان على النزوج منها بأمر من جيش الاحتلال، والتوسع في بناء المستوطنات بالضفة الغربية وما يمثله ذلك من انتهاك للقرارات الدولية، كل ذلك تأكيد للتوحش الإسرائيلي المدعوم من الغرب. في مقابل ذلك يرفض الحكام العرب النهوض بمسؤوليتهم الأخلاقية والإنسانية والقومية إزاء فلسطين. وقد يتساءل البعض: ما الذي يستطيع هؤلاء الحكام فعله وهم يعلمون أن أمريكا لن تقف مكتوفة الأيدي إذا ما تعرض الأمن الإسرائيلي للتهديد. إن إقل ما يستطيعون القيام به تحدّي الموقف الأمريكي وإفهام واشنطن بأنهم مستعدون لتجميد العلاقات معها إاذا استمرت بتقديم الدعم غير المحدود للكيان الإسرائيلي. فإذا كان الفلسطيني المطارد قادرا على تحدّي “إسرائيل” بدون رهبة أو خوف، فما الذي يمنع هذه الحكومات التي تملك النفط والمال والأرض والبشر من اتخاذ موقف مشرّف ولو مرة واحدة دفاعا عن الشرف والأمة وفلسطين؟ ما الذي أصاب هؤلاء الحكام بالخور والضعف؟ أهو الخشية من أمريكا؟ أم الخوف من الاستهداف العسكري الاسرائيلي؟ أم الخشية من تسييس شعوبها وإيقاظها على الواقع الأليم الذي تعيشه الأمة وإشراك هذه الشعوب في عمل جماعي مشترك يعيد للأمة كرامتها وقوتها. إذا كان بين هؤلاء الحكام رجل رشيد فليفتح قلبه ونفسه على شعبه، وليشاركه في صنع القرار السياسي والإداري، وليتوجه الجميع لتحديد الأولويات والتمييز بين العدو والصديق، واتخاذ مواقف تساهم في تمتين الصف العربي – الإسلامي لمواجهة تحدّيات الاحتلال وداعميه.
 
الأمر الواضح أن الحكومات العربية وتلكؤها في القيام بواجبها أصبح مادة لاستضعاف العرب والشماتة بهم، فما أن تدخل في نقاش مع أحد حتى يفاجئك بالسؤال: أين الموقف العربي المشرّف إزاء قضية فلسطين؟ أين هي حكوماتكم؟ ًأين هي جيوشكم التي تمتلك أحدث الأسلحة الغربية وأكثرها تطورا؟ متى ستستخدمون هذه الأسلحة وضد من؟ ولمصلحة من؟ إنها تساؤلات مشروعة تكررت كثيرا لسبب واحد: أن الحكومات العربية فشلت في القيام بواجبها على كافة الصعدان: داخليا قمعت الحرّيّات العامة وصادرت الحقوق المشروعة وفتحت السجون لمعارضيها ومارست الفساد السياسي والاقتصادي والإداري على أوسع نطاق. على الصعيد القومي فشلت في تشكيل جبهة عربية عريضة لمواجهة التحديات أو التصدي للاحتلال والتبعية والهيمنة. أما على المستوى الخارجي فلم تثبت نفسها ممثلة عن الشعوب إزاء القضايا التي تهم الأمة، خصوصا قضية فلسطين، فلم تتحمل مسؤولية الدفاع عن بلد محتل، ولم تتخذ إجراءات فاعلة لحرمان “إسرائيل” من دعم الدول الكبرى التي ما فتئت تستغل ثروات الأمة وتستمد قوتها من إضعاف العالمين العربي والإسلامي. كما فشلت في العمل لتشكيل تكتلات عربية وإسلامية تضع فلسطين ضمن أولوياتها وتُشعر الشعب الفلسطيني المشرّد والمحاصر بأنه يحظى باهتمام حقيقي وأن إخوانه كافة البلدان مستعدون لمشاطرته الهموم والاحتياجات المعيشية وأنها تدعمه لنيل حقه في تقرير مصيره ونيل حرّيّته.
 
وقد اندلعت الازمة الإقليمية الأخيرة بعد أن دشن العدو الفصل الأخير من عدوانه الهادف للقضاء على القضية الفلسطينية مستهدفا قطاع غزة ثم جنوب لبنان، على أمل القضاء على مجموعات المقاومة لكي يضمن استمرار احتلاله من جهة وممارسة دوره في الهيمنة على المنطقة. ومنذ عقود أصبح الأمر واضحا على مستويين: ألأول الرفض الشعبي العربي والإسلامي المطلق للاحتلال الإسرائيلي مع رفض الاعتراف به او التعامل معه على أي صعيد، الثاني: وجود ضغط غربي متواصل يهدف لكسر شوكة الشعوب ومنع تبلور مقاومة فاعلة للاحتلال، ضمن الاستراتيجية الغربية التي تصر على ضمان أمن “إسرائيل” مهما ارتكبت من جرائم. في هذه الأثناء تُرك الفلسطينيون وحدهم في الميدان، على أمل استسلامهم لواقع يفرضه الاحتلال يفضي إلى نسيان فلسطين والقبول بكيان الاحتلال. وبعد ثلاثة أرباع القرن لا تبدو تلك الاستراتيجية ناجحة برغم ما نجم عنها من مآسٍ وتعقيدات سياسية ومعاناة إنسانية. تقف فلسطين اليوم شامخة تتحدى الاحتلال وداعميه، وتعمّق قلق الحكام المتواطئين مع مشروع الاحتلال على أمل أن يؤدي للقضاء على وهج الثورة الذي يزيده الصمود الفلسطيني اتقادا وإشعاعا. ويمثل العدوان الحالي على لبنان حلقة جديدة في المحاولات الغربية اليائسة للقضاء على روح النضال التحرّري الذي خاضته الأجيال المتعاقبة ولم تنجح محاولات القضاء عليه.
 
هذه المرة يبدو الصلف الإسرائيلي جليّا، كما تبدو المقاومة التي تتصدّى له واضحة كذلك. فهناك توجهات منطلقة من الإقليم ترفض الاحتلال جملة وتفصيلا وتتوسع دائرتها تدريجيا. وكان لدخول اليمن على خط المواجهة أثر نفسي كبير أصاب معنويات الإسرائيليين وداعميهم في الغرب في مقتل. كما أن مشاركة فصائل عراقية في الدفاع عن فلسطين تطور مهم كذلك، نظرا لما يمثله العراق من عمق لقضايا الأمة وفي مقدمتها قضية فلسطين. وتدرك حكومات المنطقة أن استمرار القضية الفلسطينية يضر ببقائها لأنه يغذي مشاعر رفض الاحتلال والتبعية والاستبداد. فما برحت حوادث فلسطين مرتبطة بالوضع العربي العام، ومصدرا للدفع باتجاه وحدة مصير الأمة كافة. صحيح أن لدى المحتلين إمكانات عسكرية ضخمة، ذاتية ومستوردة، ولكن فشلها في تحقيق أمن دائم لكيان الاحتلال على مدى 76 عاما يعني أن الطاقة البشرية المختزنة لدى شعوب المنطقة تفوق في قدراتها وفاعليتها تلك الامكانات. فالإنسان هو العنصر الأساس للتغيير والتحرير وهزيمة توجهات الهيمنة والاستغلال والاستعباد. ولكي ينجم عن الزخم الثوري المرتبط بالثورة الفلسطينية نتائج عملية في مسار التغيير، فمن الضرورة بمكان الحفاظ على مركزية القضية في الوجدان الشعبي العربي والإسلامي، وكذلك إبقاؤها محورية لدى التوجهات النضالية في العالم. مطلوب استحضار فلسطين وقضيتها في الفضاء الشعبي العام، وعدم حصرها بالفضاءات الإعلامية والسياسية. هنا تتحرك الشعوب باتجاه مغاير لما تريده الحكومات، فإرادة هذه الشعوب تفوق دائما الطرف الآخر. لذلك يمارس التنكيل والاضطهاد بحق من يتحرك من أجل فلسطين ويسعى لإبعادها عن الاهتمام العام. إن الإصرار على إبقائها حاضرة في الثقافة الشعبية وتعميقها في المشاعر الوطنية ضرورة لضمان احتفاظها بحيويتها وكسر إرادة الأطراف التي تهدف لاقتلاعها. إن من الضرورة بمكان دعم فلسطين وقضيتها والنضال من أجلها والتصدي لمحاولات التخدير والتهميش، وهذه مهمة الجميع بدون استثناء.
 
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
 
حركة أحرار البحرين الإسلامية
27 سبتمبر 2024
زر الذهاب إلى الأعلى