بيانات حركة أحرار البحرين

الحكام باعوا فلسطين، وصمود الشعوب مساهمة إيجابية لتحريرها

كيف يهنأ العرب وأهل لبنان في محنة لا تنتهي؟ لماذا هذا الخنوع الذي يمنع من أداء الواجب؟ ما قيمة حياة أي إنسان إذا كان جاره يئن من وقع المحنة والبلوى؟ أليس هؤلاء بشرا يستحقون الحياة كغيرهم؟ كيف يُسمح لعدوّ لدود بأن يفتك بهم بدون رحمة ولا ترتفع أصوات الاستنكار ولا يتحرك هؤلاء الحاكمون لرفع الضيم والأذى عنهم؟ أين هو التضامن الإسلامي؟ أين هو التكافل العربي؟ أين هي اللحمة والدم والإنسانية. بالأمس ضرب إعصار مدمّر مناطق في أمريكا، حيث بلغت سرعته أكثر من 120 ميلا في الساعة. وحدث دمار هائل بشري ومادّي. ولكن سرعان ما هرع الكثيرون لدعم الضحايا بكافة الوسائل. فلماذا لم يحدث مثل ذلك لإنقاذ أهل لبنان مما هم فيه؟ حتى هذه ا للحظة لم تصدر دعوة لعقد اجتماع طاريء سواء للجامعة العربية أم منظمة التعاون الإسلامي. أهل العراق كانوا سبّاقين لتقديم العون عبر قوافل قطعت المسافات لتصل إلى حدود لبنان. تلك هي النخوة والشيمة والمروءة، وذلك هو الانتماء للإنسانية. والأمل أن تنتفض الشعوب العربية الأخرى لدعم أهل فلسطين المظلومين. فليس هناك ذريعة لتبرير التقاعس عن نصرة المظلوم عند استغاثته. هذه الاستغاثة تتجسد حين تظهر على شاشات التلفزيون مشاهد الأشلاء البشرية  المتناثرة تحت ركام الأبراج التي دمّرتها قوات الاحتلال على رؤوس من فيها. فلا يكاد يمر يوم بدون استشهاد العشرات من أبناء فلسطين ولبنان اللتين قدمتا أغلى ما تملكان من البشر.
 
الأمر المؤلم أن حكومات العالم العربي وأغلب شعوبه يعيشون خارج ما يحدث، وكأنه لا يعنيهم من قريب او بعيد. وكأن الأجساد المقطعة لا تثير مشاعر الحزن والآذى في نفوس من يشاهدها. فأين ذهبت الإنسانية؟ وكيف تكلّست المشاعر إلى هذا المستوى؟ الواضح تصاعد القمع ا لسلطوي بحق الشعوب التي تظهر تعاطفا مع فلسطين وأهلها، فما ان تخرج مسيرة أو يعقد اجتماع أو يصدر بيان حول هذه القضية حتى يتعرض المشاركون للقمع والتنكيل والاعتقال. هؤلاء الحكام يوفرون طابورا آخر للدفاع عن المحتل الغاشم، حتى أصبحوا سكّينا في خاصرة الشعب الفلسطيني المظلوم. ومع ذلك فهناك من مشاهد الشهامة والبطولة من بعض قطاعات الشعوب العربية ما يرفع الرأس. فأهل اليمن يعبّرون بشكل منتظم عن دعمهم بمسيراتهم الميلونية في صنعاء، وتحاول قواتهم المسلّحة تقديم دعم رمزي باستهداف الاحتلال ضمن ما هو متاح لهم من إمكانات. والبحرانيون لا يتوانون عن المشاركة في مسيرات شبه يومية داعمة لأهل غزة ومندّدة بالاحتلال ومطالبة بقطع علاقات الحكم الخليفي مع العدو الإسرائيلي. وهناك وقفات بطولية من بعض النشطاء والنخب العربية في المغرب العربي كذلك. هذه المواقف قد لا تردع ا لعدو عن ارتكاب جرائمه اليومية، ولكنها توفر شيئا من العذر لهذه الأمة التي تكالب عليها أعداؤها وشارك حكامها في قمعها وتهميشها في الصراعات الكبيرة التي تتحدى شعوبها وتفتك بأبطالها، وتهدف لشلّها تماما وحرمانها من شرف المشاركة في مشروع التحرير.
 
المشكلة ليست في عدم إظهار الدعم او التلكؤ عن المشاركة الجادة للتضامن مع المظلومين في غزة، ولكنها تتمثل بالتمييع المتواصل للمباديء والقيم والأخلاق، والسياسات الممنهجة لإضعاف الدور الجماهيري في معارك التحرير، وكسر الكبرياء العربي في مقابل الغطرسة الصهيونية والاستعلاء الأمريكي. فهذه الأمة لم تمت بعد برغم الحملات الهادفة لقتل روحها وإبعادها عن ساحات  الصراع. إنها أمة تأبى التهميش والتمييع وتصّر على أن تكون في الطليعة دائما. ولولا هذا الإصرار لما استهدف الأعداء رموزها بالاغتيال والإعدام والسجن. فهل هناك بلد عربي لا يواجه المخلصون من علمائه ومفكريه ونشطائه أنماطا من القمع والاضطهاد؟ فالعدو يعرف دور هذه النخب المغيّبة في الصراع، ولذلك لا يكتفي بالتنكيل السلطوي بل يباشر بجرائم الاغتيال بدون توقف. ولا يرعوي الاحتلال عن سحق القيم والقوانين الدولية حين يقوم بذلك. فصواريخه المدمّرة التي يستخدمها بشكل شبه يومي لاستهداف الرموز القيادية والميدانية لا تقتل العناصر المستهدفة فحسب، بل تقتل عائلات كاملة بدون ضمير او شعور إنساني. وتمارس القوى الداعمة للاحتلال خصوصا أمريكا سياسة اللامبالاة، فالقصف اليومي على غزة ولبنان لا يحرّك مشاعر قادة هذا العالم، ويندر ان يُوجّه اللوم لنظام الاحتلال ورموزه، وحتى عندما استهدفتهم جهات دولية مرموقة مثل محكمة الجنايات الدولية تصدّى الأمريكيون والأوروبيون لمنع اعتقال رئيس وزراء العدو المتهم بممارسة “إبادة” بحق الفلسطينيين.
 
كل ذلك مفهوم في عالم تخلى عن القيم الإنسانية والمباديء العالمية الهادفة لحفظ حياة الإنسان وكرامته. ويمكن فهم دوافع بعض ا لأطراف التي تغض الطرف عن الجرائم الإسلامية، ولكن ما يمكن فهمه أن لا يحظى ضحايا تلك السياسات بأي اهتمام أو اعتراف بإنسانيتهم وحقهم في العيش الآمن أو الموت الكريم. فما أكثر المقابر الجماعية ا لتي حفرت لتحتضن أشلاء ضحايا التفجيرات الصاروخية، وما أكثر الإجساد التي تبخّرت بالقصف الصاروخي ولم يبق لها أثر. إنها واحدة من أكثر حقب التاريخ سوادا على كافة الصعدان: السياسية والعسكرية والميدانية. وما يزيد من غرابة الأمر استسلام الجماهير العربية لسياسات التنويم أو التخدير أو التنكيل السلطوية في بلدانهم. فما الذي حدث للمعنويات والتصورات والشعور بالمسؤولية؟ أين هي المظاهرات التي تجوب شوارع العواصم العربية؟ وأين هي الوفود الحقوقية  الدولية التي تفتح الحدود أمامها لتستطيع الولوج إلى عالم الواقع ا لعربي الذي يئن تحت وطأت الاحتلال والاستبداد والاجتثاث في الوقت نفسه.
 
وانطلاقا من ضرورة الحفاظ على الأبعاد الإنسانية في التعاطي مع الأزمات الإقليمية والدولية يجدر بمؤسسات المجتمع المدني العودة لتحريك المشاعر والعواطف والنزول ألى الشارع العربي لاستنهاض الهمم وتحريك المشاعر وتوجيه العواطف نحو غزة وأشلاء أطفالها وأطلالها المدمّرة وشعبها المستهدف في وجوده. فلم يعد الوضع محصورا على  القمع لأهداف سياسية فحسب، بل أصبح هناك قرار صهيوني، تدعمه أمريكا للعودة إلى ما كان يسمى سياسة “ترانسفير” إي إزاحة أصحاب الأرض من مناطقهم لإخلائها لتستطيع قوى الاحتلال الإسرائيلي إعادة تموضعها في قلب الأرض الفلسطينية لمصادرة الحكم الفلسطيني بإقامة دولته على أرضه. وتشارك في عمليات التطهير العرقي هذا جهات عربية عديدة، من خلال الصمت من جهة وحث ا لفلسطينيين بـ “الواقعية” والقبول بمغادرة أرض فلسطين للمرة  الأخيرة والعيش في مناطق غير فلسطينية. إن هناك تواطؤا عربيا رسميا مع قوات الاحتلال لإبعاد أهل فلسطين عن أرضهم لتبقى الأرض بأيدي المحتلين بشكل كامل. إنها واحدة من حقبات الدهر الموغلة في السواد والظلمة، ساهم الصمت العربي في دعمها والمساهمة في فرضها على الواقع. ولم يعد مقبولا الاكتفاء بإظهار الدعم الظاهري لفلسطين وأهلها وإخفاء الانتماء للمشروع الصهيوني الهادف للقضاء على فلسطين وشعبها وهويته. كما لم يعد مقبولا استمرار الحكومات العربية في التواطؤ مع العدو سواء بشكل مباشر او بدعوة من بقي من الفلسطينيين بترك أرضهم والتوجه من جديد إلى المخيّمات، كل ذلك من أجل تسهيل طريق الاحتلال، وتعبيد الطريق لدباباته ومصفحاته لتستطيع بسط النفوذ على كافة أنحاء فلسطين بدون الخشية من وجود ردور فعل غاضبة من أبناء الأرض وداعميهم. مطلوب وعي جماهيري واسع لإفشال مشروع التوطين والتهويد والاحتلال الدائم.
 
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
 
حركة أحرار البحرين الإسلامية
11 أكتوبر 2024
زر الذهاب إلى الأعلى