بيانات حركة أحرار البحرين

تحرير فلسطين قضية الأمة وبوصلة النضال

وتستمر المعاناة ومعها النصب والإعياء. هذا ما يحدث للكثيرين، وهو أمر طبيعي. أما الذين نذروا أنفسهم لعبادة الله وطاعته فيرون أن الصبر على ذلك أحد أشكال العبادة. أوليست العبادة التسليم المطلق لله المقتدر الجبّار؟ قال تعالى: “لقد خلقنا الإنسان في كبد”. ولا شك أن التعب النفسي يفوق في أثره ما يحدثه التعب الجسدي الناجم عن العمل الشاق والحركة وبذل الجهد العضلي. وهنا يصبح الإيمان بالله سببا لتخفيف ذلك التعب وشد همّة الإنسان لتحمّله والصبر عليه. فأمتنا تمر هذه الأيام بمعاناة شديدة بسبب تكالب أعدائها عليها واستهدافهم أرضها ورجالها وحرّيّتها. ومن شأن ذلك أن يصيب الغالبية من أبنائها بالتعب والكدر والغضب كذلك . ولسنا الأمة الوحيدة التي تتعرض لانتكاسات أمنية وسياسية تؤدي لتلك الحالة: “إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون، وترجون من الله ما لا يرجون”. إنها المشاعر الغريزية التي تمر بالإنسان في أوقات الشدّة. وقد يحدث ذلك على مستوى فردي، وقد يصيب المجموع.

إن ما يجري في فلسطين ولبنان لا يخص شخصا بمفرده أو فئة دون غيرها، بل يمثل همّا عامّا يتأثر به قطاع واسع من البشر. كما أنه لا يختص بالعرب أو المسلمين، بل يمثل صراعا بين الحرّيّة والاستعباد. ولذلك شعر أحرار العالم بالتعاطف مع ضحايا العدوان وربما الانتماء إليه. وما أكثر الذين هجروا بلدانهم وتوجهوا إلى فلسطين للدفاع عن أهلها. أليس ذلك ما فعلته الشابة الأمريكية ريتشيل كوري التي سحقتها جرّافة إسرائيلية وقتلتها؟ فبعد مضي أكثر من ثلاثة أرباع القرن ما تزال القضية تستهوي أصحاب الضمائر والمشاعر الإنسانية. وما تزال حالة الاستقطاب إزاءها واضحة. فالشعوب المحرومة تنحاز دائما للجانب الفلسطيني، بينما ينحاز الظالمون والمستغلّون والطامعون للجانب الإسرائيلي الذي يمثل مصالح الرأسمالية الطامعة في خيرات الشعوب. إنه صراع بين الأغلبية الساحقة من قاطني هذا الكوكب التي تتعرض للاضطهاد والظلم والاستغلال، والأقلية التي انسلخت من إنسانيتها لكسب المزيد من المادّة على حساب الأخلاق والقيم. إنه صراع قديم يتجدد بأشكال متعددة، ويدفع الإنسان نحو خيارات صعبة قد تتحدّى وجوده وإنسانيته.

القضية تمر بوضع صعب هذه الأيام بعد أن أعاد المحتلّون وداعموهم الكرّة لتكثيف العدوان والسعي لحسم القضية لصالح الاحتلال. ولكنهم سرعان ما واجهوا العقبات نفسها التي اعترضت طريقهم في بداية التقسيم والاحتلال. يومها كان هناك اعتقاد بأن القوى الغربية لن تورّط نفسها في صراع مرير وهي التي عاشت أهوال الحرب العالمية الثانية. ولكن سرعان ما أنساها الشيطان كل ذلك ودفعها لموقف يساهم في تجديد أجواء الصراع الدولي الواسع. فما مصلحة الغربيين من ذلك؟ ومع رجحان احتمال حدوث حرب جديدة، رأى زعماء الغرب خطر توسعها وتأثيرها على تدفق النفط للغرب. وقد علّمتهم التجربة أن ارتفاع أسعاره يمثل أزمة اقتصادية وسياسية لحكومات أوروبا وأمريكا. ولذلك أحجموا عن ضرب المنشآت الإيرانية لأن استهدافها سيدفع إيران لإجراءات تؤدي لوقف وصول النفط إلى الغرب. وهكذا أصبح الغرب في وضع لا يُحسد عليه. فالتزامه بضمان أمن كيان الاحتلال يضعه في مواجهة مع ضحايا ذلك الاحتلال وداعميهم. وعدم التزامه يعطي الانطباع بتخلّيه عن المشروع الاستراتيجي الذي تبنّاه عندما ساهم في تأسيس الكيان وسلّمه أرض فلسطين. فالغرب سيستمر في دفع فاتورة التزامه بضمان أمن الاحتلال. أما أهل فلسطين فليس لديهم ما يخسرونه بعد احتلال أرضهم، ولذلك فهم مستمرون في نضالهم من اجل تحريرها من المحتلين.

وهكذا فبعد ثلاثة أرباع القرن ما يزال المشروع الصهيوني يتحدى مؤسسيه وداعميه، ويضعهم في مواجهة أمام خيارات صعبة، ويهدد مصالح شعوبهم بالإضافة لما يمثله من تهديد لأمن العالم واستقراره. لقد أصبحت “إسرائيل” عبئا على على الغرب بشكل خاص. وينظر بعض قادة الغرب لزعماء الاحتلال خصوصا بنيامين نتنياهو بمزيج من الازدراء والغضب. فقد أصبح الغربيون يخضعون لابتزاز إسرائيلي كبير ويجدون صعوبة كبيرة في حماية مصالحهم في عالم يتجه نحو استقطابات سياسية وأيديولوجية أكبر. وما تزال لعنة فلسطين تطارد الغربيين الذين دعموا الاحتلال وضحّوا بفلسطين ومصالح أهلها لفرض الاحتلال الذي لا تمثل مصالح الغرب اهتماما محوريا لديه. فمَن المسؤول عن ما وصل إليه الوضع؟ وإلى أين تسير العلاقات الغربية مع المشروع الصهيوني؟ هذا التساؤل وغيره ما برح يفرض نفسه على الأجندات السياسية العالمية وكثيرا ما أدى ألى شعور داخلي بالتناقض لدى الزعماء الغربيين. وليس متوقعا حدوث تغير جوهري في السياسة الأمريكية بعد الانتخابات الجارية، فالرئيس المنتخب (سواء كان جو بايدن أم دونالد ترامب) سيجد نفسه محاصرا بالسياسة الامريكية المتوارثة التي تدعم الاحتلال مهما ارتكب من جرائم، لكي لا يقع في مواجهة مباشرة مع مجموعات الضغط الصهيونية في واشنطن ونيويورك.

وهكذا تبدو الانتخابات الامريكية ونتائجها من جهة، واستمرار التوتر الإقليمي الذي يهدف لإبقاء المنطقة مشغولة بنفسها، وتوفر للكيان فرصا للهيمنة والاعتداء والتوسع خليطا لا يمكن استيعابه بسهولة أو التنبؤ بما سينجم عنه على صعيد السياسات الإقليمية. فالانتخابات الأمريكية ستأتي برئيس تابع للدولة العميقة التي تتبنّى “إسرائيل” كمشروع استراتيجي وتدافع عنها بكل ما لديها من قوة، وتقف بجانبها لو ارتكبت أبشع المجازر. وسواء فاز دونالد ترامب أم كاميلا هاريس فالدعم الأمريكي لكيان الاحتلال سوف يستمر، ولن يتوقف لحظة. ولن يكون العالم أكثر أمنا بعد الانتخابات عما هو عليه قبلها. ولن تكون أوضاع منطقتنا أكثر استقرارا، كما لن تكون أكثر حرّيّة وديمقراطية. أما أهل فلسطين فسيبقون ضحايا للعدوان الإسرائيلي المدعوم أمريكيا. هذا العدوان المتواصل أحدث مجاعة في غزّة ودفع أكثر من مليون إنسان للنزوح، وبذلك توسعت المخيّمات وتواصلت محنة فلسطين وشعبها. فلم تكن الإدارات الأمريكية المتعاقبة مهتمة من قريب أو بعيد بما آلت إليه أحوالهم بسبب الاحتلال الإسرائيلي، بل كانت حماية “إسرائيل” تمثل أولوية البيت الأبيض دائما. ولم يُسمع قط أن أمريكا طلبت من قوات الاحتلال وقف جرائمها في الأراضي المحتلة أو قضم الأراضي في الضفة الغربية وغزّة. كما لم تطلب منها يوما وقف جرائم الاغتيال التي عبرت الحدود واستهدفت القيادات الفلسطينية داخل الأراض المتحتلة وخارجها.

والأسوأ من ذلك هيمنة حالة الصمت واللامبالاة بين الحكومات العربية التي لاذت بالصمت إزاء الجرائم الإسرائيلية، فلم تعقد قمة طارئة مثلا، ولم تدع مجلس الأمن للانعقاد لمناقشة الجرائم الإسرائيلية، ولم تتخذ مواقف دبلوماسية ضاغطة على الدول الداعمة لكيان الاحتلال خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية. وفي الوقت الذي حصدت فيه قوات الاحتلال أرواح رموز النضال في فلسطين ولبنان، استمرت حكومات الدول العربية في تعاملها مع أمريكا وكأن شيئا لم يكن. هذا الصمت يعني الخنوع غير المبرّر والتخلّي عن المسؤولية والفشل في أداء الواجب الإنساني تجاه ضحايا الاحتلال. كما استمرت الدول التي طبّعت علاقاتها مع كيان الاحتلال في تعاملها معه، ولم تتخذ إجراءات لإنهاء التطبيع، وكأن ما يجري في الأراضي المحتلة لا يهمها من قريب أو بعيد. إنها حقبة مظلمة من تاريخ الأمّة تميّزت بغياب الإنسانية عن الفعل السياسي، وهيمنة العدو على مفاصل السياسة والحياة العامة، وفرض حصار شامل على مقاوميه وتصعيد الاعتداءات على الآمنين بالقصف الجوّي والقتل والاغتيال بدون حدود. برغم ذلك هناك بصيص أمل بحتمية حدوث صحوة شاملة تستعيد الحق السليب وتتصدى للمعتدي الغاشم وتستعيد للأمة كرامتها ولشعب فلسطين حقوقه وأمنه. وهذا ليس حلما يستعصي على التحقق بل هو جانب من الوعود الإلهية للمظلومين الصابرين على ما أصابهم الذين لم يهنوا ولم يحزنوا قط. فأولئك يستحقون النصر الإلهي ليحطّموا أساطير الاحتلال ويعيدوا للمناضلين شيئا من الأمل بحتمية النصر إنشاء الله.

اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين

حركة أحرار البحرين الإسلامية
25 أكتوبر 2024

زر الذهاب إلى الأعلى