بيانات حركة أحرار البحرين

ترامب رئيسا لأمريكا، فما انعكاساته على المنطقة؟

شعر الكثيرون بالغبن عندما فاز دونالد ترامب هذا الأسبوع بالرئاسة الأمريكية مرة ثانية. كما ساد شعور مواز بالاستغراب الشديد من توجه الشعب الأمريكي نحوه برغم ما يميزه من سمات شخصية مقززة كالاستعلاء والتكبر واللامبالاة الأخلاقية والسياسية. وربما كان الكثيرون يأملون فوز المرشحة الديمقراطية، كمالا هاريس، على أمل حدوث تغير في التوجهات الأمريكية تجاه العالم. وبرغم ما يتظاهر به الكثيرون من عدم الاهتمام بأمريكا وشؤونها، فإن ما يجري فيها لا يمكن عزله عن المجريات السياسية والاقتصادية في الدول الأخرى. ومن  المؤكد أن غالبية شعوب العالم غير مرتاحة للسياسات الأمريكية خصوصا سعيها المتواصل للهيمنة على شؤون العالم ودعم أطياف وأطراف سياسية غير مرغوب فيها. فقد ارتبطت الصورة الأمريكية بالتحالف مع أنظمة الاستبداد والاحتلال من جهة، كما ارتبطت بأبشع صور الرأسمالية التي يئن الاقتصاد العالمي تحت وطأتها من جهة آخرى. فما من أزمة سياسية أو عسكرية إلا ولأمريكا صلة بها. وما من حاكم جائر او ديكتاتور إلا ويحظى بدعم واشنطن. أما العالم العربي فلديه مشكلة أخرى مع أمريكا تتمثل بدعمها المطلق للاحتلال الإسرائيلي والتزامها بحماية أمن “إسرائيل”. ويعلم كذلك أن الكيان الإسرائيلي إنما يمارس بلطجته وسياساته  العدوانية لشعوره بالحماية الأمريكية الكاملة.
 
من هنا كان الاهتمام العام بالانتخابات الأمريكية ناجما عن شعور بأمل محدود بصعود شخصية منفصلة ثقافيا او عرقيا عن الطبقة الحاكمة المألوفة التي انحدر منها أغلب رؤساء امريكا. ولكن هذا الشعور ضمر في السنوات الأخيرة بعد أن صعد باراك أوباما إلى الرئاسة فترتين كاملتين، ولكنه لم يحدث تغييرا في السياسات الأمريكية، ولم يخرج عن النمط المألوف لسابقيه برغم سحنته غير البيضاء وانحداره من أب مسلم. وكانت تلك التجربة قاسية، إذ شعر العرب والمسلمون وشعوب العالم الثالث بعدم جدوى التعويل على الإدارات الأمريكية المتعاقبة أيا كان الرئيس المنتخب. فهناك دولة عميقة ثابتة لا تتغير وهي التي توجه مسارات الرئيس وتضمن استمراره ضمن سياساتها الثابتة. وكان أوباما ذروة ما يمكن أن يحدث من “تغير” في البيت الأبيض، ومع ذلك لم يستطع إحداث تغيير يذكر، فما عسى أن تفعله سيدة نشأت وترعرعت في اجواء الحزب الديمقراطي الذي لا يمكن ان يخرج عن المشروع الأمريكي قيد أنملة؟ فلو فازت وأصبحت رئيسة الولايات المتحدة فهل ستختلف سياساتها ومواقفها عن باراك أوباما؟ ولذلك لم يعوّل العقلاء كثيرا على احتمال صعودها الى الرئاسة بدلا من دونالد ترامب. ولطالما ركّز ترامب على انجازاته الاقتصادية ولكنه كرّر قوله أنه تحاشى الدخول في أي حرب خلال السنوات الأربع من رئاسته الأولى (2016-2020). والواضح أن أداءه لم يكن متميزا، إذ فشل في تحقيق فوز بفترة رئاسية ثانية، وهو ما تحقق لسابقيه.
 
أمريكا والعالم، هذا هو العنوان الذي يسعى الكثيرون للخوض فيه بعد فوز ترامب، وهو ملف شائك من جهة، وقديم متجدد من جهة أخرى. فأمريكا تستطيع أن تساهم بشيء لتطوير الحياة على هذا الكوكب، ولكنها ربطت سياساتها مع العالم على أساس ارتباطها الوثيق مع الاحتلال الإسرائيلي، وبذلك خسرت الدور الذي تستطيع ممارسته في العالم العربي لو لم ترتبط عضويا بالاحتلال. كما أن صمتها الرهيب على ممارسات “إسرائيل” وعدم التصدّي لها عندما تجاوزت الحدود باغتيال الزعماء الفلسطينيين بشكل ممنهج، قلّل من وهج أي دور أمريكي مستقبلي. فليس هناك ثقة عربية أو إسلامية في السياسات الأمريكية المنحازة بشكل كامل للاحتلال، كما أن الشعوب ترفض أمريكا بسبب سياساتها خصوصا تحالفها مع أنظمة الاستبداد والقمع في العالم العربي. ولا تتوقع هذه الشعوب حدوث تغير جوهري في هذه السياسة في عهد الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، المعروف بانتمائه لليمين المتطرف الأمريكي، ولذلك لا تجد مجالا للتعويل على رئاسته أو أنه سيدافع عن المظلومين سواء في ظل الاحتلال أم في السجون العربية.
 
وعلى صعيد الأوضاع السياسية المضطربة في البحرين، فقد كان هناك توقع بأن ترعوي العصابة الخليفية عن غيها بعد عقود من القمع والاستبداد والظلم، وتعتذر للشعب وتطلق سراح الأسرى جميعا بدون قيد أو شرط، كمقدمة لإصلاح سياسي جذري، ولكنها فشلت في ذلك، وما تزال مصرّة على الاستمرار في حربها ضد الشعب والوطن. إنها تعوّل دائما على الدعم الخارجي لبقائها، تارة من بريطانيا وأخرى من أمريكا وثالثة من السعودية ورابعة من الإمارات. وفاتها أن هذه الأطراف جميعا لا تملك قرارها ولا يضمن حكامها مستقبلهم، وأن الشعوب صاحبة القرار، سواء عن طريق الانتخاب والتصويت ام بالثورة والتمرد. فلا بقاء للاستبداد والقمع، ولا يستطيع حاكم مهما كانت شراسته وتوحشه اجتثاث إرادة التغيير لدى البشر، او القضاء على شعورهم الفطري بحب الحرّيّة ورفض الظلم والاستبداد. يضاف إلى ذلك أن صعود دونالد ترامب  ربما أقنعها بأنه سيحميها من غضب الشعب، وفاتها أنه أكثر تركيزا على أوضاع أمريكا الداخلية واقتصادها.
 
الأمر الذي كشفته تطورات الأوضاع في البحرين في الشهور الأخيرة أن العصابة الخليفية خسرت المعركة مع الشعب الذي بقي صامدا في موقفه، مصرّا على العمل لتحقيق حقوقه السياسية واستعادة القرار الذي صادرته العصابة الخليفية. ولولا هذا الحراك المتواصل لما تواصلت جرائم الاعتقال والتنكيل بالمواطنين. فلا يكاد يمر يوم بدون اعتقال بضعة أشخاص يطالبون بحقوقهم ويرفعون أصواتهم من أجل الحرّيّة وحق تقرير المصير. فشعلة الثورة ما تزال متقدة، ومشاعر النصر والغلبة تهيمن على المواطنين، خصوصا المرابطين في الميادين. أما المعتقلون السياسيون فملتزمون بأجندة التغيير برغم ما يمرون به من ظروف قاسية وراء القضبان. إنهم رأس الحربة في المعركة  الوجودية التي يسعى الشعب من خلالها لاسترداد هويته ونيل حقوقه والتصدي لأعدائه. ومع استمرار القتل والتدمير في غزة، يصرّ البحرانيون على الوقوف مع أهلها والذود عنهم والهتاف ضد الاحتلال وداعميه، والعمل بشكل حثيث لاسقاط مشروع التطبيع الخليفي مع العدو الصهيوني. ولذلك أصبح الحراك الشعبي يتخذ مسارين متوازيين: أولهما يهدف لتحقيق الحرّيّة والحقوق والاستقلال، وثانيهما يهدف لتوفير أقصى قدر من الدعم النفسي والأخلاقي والمادّي للجياع من أهل فلسطين. وفي كلا المسارين يبدو البحرانيون أكثر سعادة من أي وقت مضى. فقد كشف الطاغية الخليفي وجهه الحقيقي وأظهر تصهينه وانحيازه لأعداء الأمة، بينما رضي البحرانيون بقدرهم، أن ينحازوا للمظلومين دائما ويتصدّوا للظالمين، سواء المستبدّين او المحتلّين. لقد وقفوا مع فلسطين ماضيا وحاضرا، وأصبحت معاناة لبنان وأهله، بالنسبة لهم، امتدادا لقضية فلسطين، فإذا بهم يعلنون انحيازهم مجددا لضحايا الإرهاب الصهيوني الذي استهدف رموز المقاومة. وبرغم التهديدات الخليفية للبحرانيين، فقد تجاهلها أهل البحرين وأعلنوا مواقفهم الداعمة للمقاومة بوضوح. فلا شيء يثنيهم عن مواقفهم المبدئية، فهم لا يخشون في الله لومة لائم. كان هذا ديدنهم دائما منذ السنوات الأولى للاحتلال الصهيوني لأرض المعراج، واستمر خلال العقود اللاحقة. إن الوقوف مع أعداء الأمة والإنسانية في معاركهم المحتدمة مع الحق والخير والعدل ليس من شيم الشرفاء، بل تعبير عن السقوط الأخلاقي والقيمي، وسيدفع من يفعل ذلك ثمنا باهضا، فالله يمهل ولا يهمل، ولا تحسبن الله غافلا عما يفعل الظالمون.
 
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
 
حركة أحرار البحرين الإسلامية
8 نوفمبر 2024
زر الذهاب إلى الأعلى