بيانات حركة أحرار البحرين
جراح البحرين الغائرة تنضح بالدم وترفض الاستسلام
جرح البحرين غائر، كما هو جرح فلسطين، بل كافة جراح الامة. وما أشد الألم الذي يقض مضاجع أبناء الأمة بدون توقف. وما أبعد حكامها عن الإحساس بمعاناة الشعوب. لقد كانت تلك المعاناة غائبة عندما التقى اولئك الزعماء في البحرين باسم القمة العربية والقمة الإسلامية. فما الذي قدمته “قمّة المنامة” لهذه الأمة سوى الصرعات الإعلامية والتصريحات الرنّانة الجوفاء؟ والسؤال هنا: هل يستطيع ذوو المشاعر الميتة الإحساس بتلك المعاناة؟ لو كان ثمة شعور بذلك لحرّك أصحاب الجلالة والسمو والمعالي للتفكير بما يعانيه أهل غزة بعد مرور أكثر من عام على العدوان الصهيوني المتواصل. ولأقدموا على خطوات ومبادرات لإنقاذهم من براثن العدو وداعميه. هؤلاء الحكام يعيشون في أبراج عالية لا يرون منها الحقيقة التي لا تراها الا القلوب اليقظة التي تنبض بالحب والرحمة تجاه الآخرين. ولذلك تختلف مواقف شعب البحرين تجاه أهل غزة بشكل جوهري عن سياسات الحكومة الخليفية التي تحالفت مع المحتلين وحجبت أسماعها لكي لا تسمع أنّات المعذبين والمظلومين والجرحى، ولا تقض مضاجعها نفثات الأمهات الفاقدات، أو استغاثات الجياع الذين يتضورون جوعا هذه الأيام ويلتحف الكثيرون منهم السماء بعد أن دمّر المحتل بيوتهم.
عالمنا العربي والإسلامي لم يعد لديه قلب نابض بالحياة وحب الآخرين، بل جمدت الدماء فيه فلم يعد قادرا على الحركة الحقيقية، بل أصبح كالروبوت، أكثر اعتمادا على أعداء الأمة لوجوده والتعاطي مع مشاعره.
في حلكة الظلمة هذه لا تبدو بين أطياف الأنظمة العربية والإسلامية بوادر تغيير حقيقي يوفر للناس شراكة سياسية حقيقية. مع ذلك فلدى الأمة إيمان ثابت بالغيب والحكمة الإلهية، وأن الله لا يضيع عمل عامل من أبناء هذه الأمة، وأنه لن يضيّع الحقوق المهدورة لأهل غزة وعلى رأسها حق الحياة. فقد بذلوا بسخاء لا نظير له، وصبروا على الأذى في سبيله، وشمخوا بهاماتهم بدون انحناء او تراجع أو مساومة. رفضوا الاحتلال جملة وتفصيلا، ووقفوا شامخين على ركام الأبراج التي يدمرها المحتل يوميا. يصرخون فلا يسمع ذوو القربى صدى صراخهم، ويستغيثون فيتظاهر أشباه الرجال بالصمم، فكأن على رؤوسهم الطّير. ولولا وجود هذه الثلة من البشر التي تصدّت للعدوان عقودا وضاعفت صمودها في الشهور الأخيرة لتلاشت الإنسانية ولما عاد للبقاء على سطح هذا الكوكب من معنى. في عتمة الليل هذه تبدو الدماء المسفوحة أنهارا يغرف منها العالم معاني العزّة والكرامة والصمود، بلا معنى أو هدف. في نظر العدو، لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، ولا يحسم الموقف إلا السلاح الأمريكي المتطور، ولا مكان في كل ذلك للإنسانية أو الأخلاق أو المباديء والقيم. ولكن هناك منطق آخر لدى ضحايا العدوان، يرى أن الصمود عنوان البقاء والوجود، وأن القتل الجماعي لا يلغي وجود البشر المصمم على الحياة وهزيمة القتلة والسفاحين ممن يهددون العالم بالفناء.
لقد واكب شعبنا البحراني قضايا الأمة متفاعلا معها بإيجابية ودعم بلا حدود، انطلاقا من إيمانه بالإسلام والإنسانية، ومن أخلاقه الرفيعة التي تدفعه لتحسس آلام الآخرين. وجسّد علماؤه الواعون جانبا كبيرا من قيم الدين والإنسانية، فأصدروا البيانات الداعمة للمظلومين برغم استهدافهم المتواصل من قبل الطغمة الحاكمة التي تحالفت مع الصهاينة بلا استحياء. وقد كان لأولئك العلماء دور كبير في بث روح الإيمان والوعي بين المواطنين من خلال المحاضرات وخطب الجمعة. وعلى مر العصور ازدهرت في البحرين الظواهر الدينية والعبادية، وانتشرت المساجد وتعمّق رفض الاستبداد والظلم، ولم يحظ حاكم ظالم بدعم من الشعب يوما. وكان لمنبر يوم الجمعة دور مكمّل لهذه الثقافة والتربية. وتعمّق ارتباط المواطنين بهذا المنبر في العقدين الأخيرين، وذلك بعد عودة العلماء الذين اضطروا للبقاء خارج البلاد خلال الحقبة السوداء الكالحة التي فرضت على البلاد في عهد المقبور خليفة بن سلمان، خصوصا في النصف الثاني من التسعينات. وازدادت هذه الحقبة سوادا بعد صعود الطاغية الحالي إلى الحكم. برغم ذلك رفض الشعب الاستسلام للعصابة الخليفية التي مارست الإجرام بأبشع وسائله، ولم يستسلم لإملاءاتها يوما، ولذلك اكتظّت السجون بالأحرار، وعُلّق المناضلون على المشانق بلا رحمة، وعُذّب الشباب والنساء والأطفال في الطوامير الخليفية. لكن أحدا لم يستسلم، بل أرغم الطغاة على التقهقر في بعض الحالات، بينما شمخ المواطنون دائما.
ولن يختلف الأمر هذه المرّة بالمنع الذي أصدره الطاغية الخليفي بمنع صلاة الجمعة بمسجد الإمام الصادق في الدراز. وها هو يوم الجمعة يحلّ أسبوعيا بدون انعقاد ذلك التجمّع الديني الكبير الذي ساهم في بث ثقافة مجتمعية مسؤولية منطلقة من الإسلام ومؤطّرة بالأخلاق والقيم. لقد استكثر الطاغية على الشعب هذه الممارسة العبادية التي أصبحت جزءا من هوية أهل البحرين وانتمائهم الديني وثقافتهم وتاريخهم. وزاده غيظا توسع دائرة المشاركة من جهة والوعي الذي يتجسد خلالها من جهة أخرى. وشعر في الأسابيع الأخيرة بالغضب الشديد وهو يرى المصلّين بعد انتهاء الصلاة ينتظمون في مسيرات عملاقة لدعم أهل فلسطين وشجب العدوان الإسرائيلي. ويرى نفسه وعصابته متهمين بالتواطؤ مع المحتلّين بالتواصل معهم والصمت على جرائهم والتنكر لأهل فلسطين. فأصدر قرار منع إقامة صلاة الجمعة لقطع الطريق أمام المواطنين الذين يتناغمون مع ضحايا الاحتلال في مشاعرهم ومواقفهم. فالمنع يعبّر عن صراع عميق بين الخليفيين والبحرانيين حول قضايا عديدة من بينها الاختلاف في مشاعر الانتماء والموقف من العدوان الإسرائيلي على أهل فلسطين، وقضايا الحرّيّات والتحالفات الإقليمية، وتحديد موقع البحرين من التجاذبات السياسية الإقليمية والدولية. وهناك اختلاف بين الطرفين حول هذه القضايا جميعا. وجاء قرار الطاغية الخليفي بمنع إقامة صلاة الجمعة بهدف حسم الموقف وتغييب حالة الاستقطاب الواضحة. ولكن إصرار المواطنين على إقامتها في مناطق متعددة، وسعيهم للتواصل مع الجهات السياسية والحقوقية الدولية لإطلاعهم على حقيقة ما يحدث والحديث المستمر حول مصادرة الحرّيّات الدينية للسكان الأصليين، كل ذلك وضع الخليفيين في موضع لا يُحسدون عليه. لقد أصبحوا في فوّهة المدفع، متّهمين بارتكاب جرائم ضد السكان الأصليين، ترقى أحيانا إلى مستوى “الإبادة”، ومن شأن ذلك أن يؤدي لفرض حصار على العصابة الخليفية باعتبارها مارقة تمارس اضطهاد السكان الأصليين بشراسة ووحشية.
الأمر المؤكد أن المواطنين البحرانيين لن يتراجعوا عن المطالبة بحقوقهم المشروعة وفي مقدمتها الحرّيّة الدينية وحرّيّة العبادة والمعتقد، وسيتصدّون للعصابة الخليفية بأساليبهم السلمية المعهودة. ستتواصل الاحتجاجات والتظاهرات من جهة، وترتفع الهتافات المطالبة بالحرّيّة واستقلال البلاد من جهة ثانية، والدعوة للعمل لاستعادة الهوية البحرانية المهدّدة من قبل الخليفيين ثالثا. لذلك يُتوقع تصاعد التوتر في البحرين في الأسابيع المقبلة بدون توقف، حيث يصّر البحرانيون على نيل استقلالهم الكامل أولا، والقدرة على إعلان الولاء والبراء حسب معتقداتهم ومواقفهم السياسية، والحضور الدائم في الميادين لتأكيد استمرار الحراك وحرمان الطغاة من استغفال الجماهير او تخديرهم أو التلاعب بأفكارهم وتوجهاتهم ومواقفهم. وعمّا قريب يحل شهر ديسمبر الذي كثيرا ما صعّد الخليفيون فيه حملاتهم على الوطن والشعب، وسوف يكون موسما حافلا بالفعاليات في الداخل والخارج، استعدادا لعيد الشهداء في 17 ديسمبر. فليس من المعقول لشعب قضى مائة عام في النضال المتواصل أن يتخلّى عن حقوقه أو يستسلم لإرادة الخليفي المحتل، بل سيتواصل حراكه بعون الله حتى يلوح الفجر وتتبدد السحب وتشرق الشمس لبدء عهد جديد في هذا الوطن المبتلى بالظلم والاستبداد والاحتلال.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
22 نوفمبر 2024