بيانات حركة أحرار البحرين

الذكرى الثلاثون لتفجّر انتفاضة التسعينات المباركة: إيمان راسخ وأمل يتجدد وإصرار لا يلين

اعتاد البحرانيون على دعم القضايا العربية والإسلامية انطلاقا من الشعور بواجبهم الإنساني والإسلامي، فلم يتوانوا عن نصرة المظلومين أينما كانوا. فخرجوا في المظاهرات العملاقة نصرة لفلسطين ولبنان واليمن، وأصدروا البيانات الداعمة لسجناء الرأي في البلدان الأخرى كالسعودية والإمارات، وشاركوا الأمة والإنسانية في الأفراح والأتراح. فاحتجوا ضد العدوان الإسرائيلي المستمر على فلسطين ولبنان، وما يزالون يرفعون في مسيراتهم لافتات الدعم للمظلومين سواء في البحرين أم خارجها. فهم حقّا شعب متميز بمشاعره وعطائه وتضحياته وإنسانيته، يرى في الحكم الخليفي معوّقا له عن بلوغ غاياته أو أداء واجباته بحرّيّة.
 
وما يدفعهم للعطاء بدون حساب أمور عديدة من بينها ما يلي:
 
أولا: شعورهم الإنساني النبيل الذي يدفعهم لتحسس آلام الآخرين من أبناء البشر مثلهم، فينتابهم الشعور بألم الآخرين سواء كان هؤلاء جياعا، أم ضحايا الاحتلال الأجنبي أم سجناء رأي. فلا يكون الإنسان إنسانا ما لم تتجسد الإنسانية في شخصيته وتفكيره وروحه. وتوضح الآيات القرآنية الشريفة البعد الإنساني في شخصية المسلم: وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها، واجعل لنا من لدنك وليّا واجعل لنا من لدنك نصيرا. فمن يقرآ هذه الآية الكريمة لا يستطيع أن يتغاضى عما يعانيه الآخرون الذين ينطبق عليهم المصطلح القرآني “المستضعفون” ليشمل كافة البشر.
 
ثانيا: استجابتهم للتوجيهات الدينية التي تحتويها نصوص الإسلام ابتداء بالقرآن، مرورا بالسنة النبوية الشريفة ووصولا ألى تعليمات آل بيت رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام. ففي هذا التراث العظيم عمق أخلاقي وقيمي يفرض على من يؤمن به أن تتجاوز مشاعره الذات لتصل إلى مدى أوسع يشمل الإنسانية. ولا ينسى البحرانيون قصة الإمام علي عليه السلام الذي رآى نصرانيا جائعا فقال: استخدمتموه في شبابه وتركتموه في شيبته. ولا ينسون قوله الشهير: الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الإنسانية”.
 
ثالثا: شعورهم المتواصل بالظلامة، وهو شعور يجعلهم أكثر إدراكا لآلام الآخرين الذين يتعرضون لمحن مثيلة. فالظلم الذي عاشوا تحته منذ عقود خلق في نفوسهم مشاعر مختلفة عما لدى الآخرين ممن لم يتعرض لظلم مثيل. فهم أهل البلاد الإصليون ولكنهم مبتلون بعصابة خارجية اعتدت على أرضهم واحتلتها وعاملتهم كأسرى الحرب. وما يزال الخليفيون يتشدقون بكلمة “الفتح” التي تتضمن الاعتقاد الراسخ بأنهم “فتحوا” أرضا “كافرة” غلى غرار ما يسمّى “الفتوحات الإسلامية” أي السيطرة على البلدان الأخرى غير المسلمة. الخليفيون لم يتخلّوا عن استعمال مصطلح “الفتح” يوما، وهو أمر يدفع للمزيد من الاستقطاب الفكري والعقيدي بين الطرفين.
 
رابعا: أن ارتباطهم بمفاهيم الحرّيّة والكرامة انطلاقا من إيمانهم الذي يمنعهم من الاستكانة او الاستسلام أو المساومة على القيم النبيلة، جعلهم بشرا من صنف آخر، يرفضون الاستعباد بشكل مطلق ويتطلّعون لحياة حرّة آمنة في ظل نظام سياسي قائم على أساس القانون وضمان حرّيّة المواطنين والانتماء للآمة والتبرؤ من أعدائها. إن الشعب الحرّ لا يهمه العيش الباذخ إذا كان ثمن ذلك فقد الحرّيّة والكرامة. فأولوياته منفصلة عن إشباع البطن والاستسلام للنزوات، ومرتبطة بشكل وثيق بقيمه ومبادئه، هذا الشعب يرى سعادته في إيمانه وإنسانيته وتضحياته وإيثاره، ويعتمد على أبنائه لنهضته ويشعر بالفخر بانتمائه لأمة الإسلام والإنسانية. لذلك استعصوا على التطويع، ولقّنوا الحكام الخليفيين دروسا لم يعرفوها سابقا، بأن الشعب البحراني الأصلي (شيعة وسنة) عصيٌّ على التطويع أو الاستعباد، وأن من يتحدّاه أو يسعى للنيل من كرامته مهزوم دائما وخاسر، وسرعان ما ينكص على عقبيه بينما يبقى الشعب شامخا ومرابطا في الميادين.
 
لذلك كانت قضية فلسطين حاضرة لديهم دائما، كما هي قضيتهم الخاصة المرتبطة بالحرّيّات والكرامة في بلدهم. وما فتئوا يضعون لبنات بناء مستقبلي يحترم الإنسان ويساهم ببناء حضارة الأمة ويرفض الهيمنة الأجنبية وسياسات الاستبداد والتبعية. ومن أجل ذلك أصبحوا ميدانيين دائما، يجوبون شوارع بلادهم للتعبير عن مشاعرهم الصادقة ومبادئهم الواضحة. وتميّز شعب البحرين عن بقية شعوب المنطقة بحركيته الدائمة ونضاله الذي لا يعرف التراجع، ووضوح بصيرته التي صاغها إيمانه ومشاعره الثورية. إنهم لا ينامون على ضيم ولا يستكينون للواقع إذا حُرموا من حقوقهم المشروعة. فعندما فرض الخليفيون على الدراز قبل سبعة أعوام حصاره الشرّير وحاصروا مسجد الصادق كان المواطنون يخترقون ذلك الحصار يوميا بهدف الوصول إلى منزل سماحة الشيخ عيسى قاسم الذي كان تحت حصار شديد. ويكفي أن ستة من شباب البلاد استشهدوا على أعتاب ذلك المنزل دفاعا عن القائد ورفضا للسياسات الخليفية الجائرة التي تصادر الحريات وتنتهك الحقوق وتعتدي على المواطنين بدون رادع من أخلاق أو ضمير.
 
هذا الشعب له ميزة أخرى، أن نضاله يتواصل عبر الأجيال، يتوارثه الآباء عن الأجداد. فالمناضلون من كافة المناهج والمشارب يشاركون في مسيرته النضالية بدون تردد أو توقف. وعلى مدى أكثر من مائة عام تواصل هذا النضال وشارك فيه المواطنون بايديولوجياتهم المتعددة، وكانوا متعاونين دائما على طريق النضال، فمن قادة الهيئة في الخمسينات إلى العناصر القيادية التي قادت انتفاضة مارس 1965، إلى لجنة العريضة الشعبية في التسعينات ثم الانتفاضة، إلى المخاض السياسي الذي تكوّن في ميدان اللؤلؤة، ذلك المخاض الذي أنجب ثورة 14 فبراير المظفرة، كان الشعب ثائرا، متماسكا، شجاعا. وساهمت تلك المحطّات في تبلور طابع ثوري وطني يشارك فيه الجميع ضد العصابة الخليفية المجرمة التي لم ترحم أحدا من بطشها. وبالأمس توفي الأستاذ رسول الجشي الذي كان أحد العناصر الفاعلة في المعارضة لأكثر من نصف قرن، وعندما ترك الدنيا عمّ الحزن كافة أطياف المعارضة، وذكره القادة  المعتقلون من وراء القضبان، مؤبّنين ومحزونين لفقد إحدى قامات النضال الشاهقة في تاريخ الوطن. وقبله رحل المناضلون وفي مقدمتهم المرحوم الشيخ عبد الأمير الجمري وعبد الرحمن النعيمي وسواهما من الذين رفعوا راية الحرّيّة وسطّروا صفحات مشرقة من النضال والصمود والإباء، وساهموا في فضح الحكم الخليفي المجرم الذي تلاحقه لعنة التاريخ بدون انقطاع.
 
ومع قرب انتهاء عام ميلادي آخر يضاف للذاكرة البحرانية نتاج عمل شعبي طوال العام المنصرم، يهدف لتحقيق حرّيّة الشعب وضمان حقوقه وتحريره من الاستبداد الخليفي المدعوم من  الاستعمار الغربي المباشر. فلن ينسى الشعب ذكرياته النضالية في شهر ديسمبر وأهمها الذكرى الثلاثون لانطلاق الانتفاضة المباركة في 5 ديسمبر 1994، وكذلك ذكرى استشهاد الهانيين وتفجر الانتفاضة في 17 ديسمبر 1994. هذه الذكرى العزيزة على قلوب المواطنين  البحرانيين الأصليين (شيعة وسنة) سيتعاطى الشعب معها بروح مسؤولة للانطلاق إلى أفق أرحب من النضال الوطني، وتحدّي إرادة القمع التي يدعمها الاستعمار وتساندها الرجعية العربية المقيتة. ستكون الذكرى هذا العام محطة لتجديد الهمم ودعم الروح الثورية التي ساهمت حتى الآن في تحرير الإرادة الوطنية ودفعها للصمود على طريق الحرّيّة والحقوق بهدف هزيمة الخليفيين وداعميهم خصوصا من ذوي الأطمالع المادّيّة وأعداء الحرّيّة وعملاء الخارج. في هذه الظروف سيجدد الشعب عزمه على حمل راية النضال التي رفعها الأجداد منذ عقود، وسيتصدّى للعصابة الخليفية وجرائمها بدون تراجع أو خوف أو يأس حتى يتحقق حلم الشعب بنيل الحرّيّة واسترجاع الحق السليب وكسر شوكة الظلم والاستبداد.
 
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
 
حركة أحرار البحرين الإسلامية
29 نوفمبر 2024
زر الذهاب إلى الأعلى