بيانات حركة أحرار البحرين

استمرار معاناة البحرين تحت حكم ظالم غريب عن الوطن والشعب

عندما تعشعش الظاهرة البوليسية في ذهن الحاكم تبدأ مرحلة التعاسة واليأس تدب في نفوس المواطنين. هذه الظاهرة لا ترتبط بطبيعة نظام الحكم فحسب، بل في شخصية الحاكم نفسه. فحتى في الدول الديمقراطية قد يصبح الحاكم (او رئيس الوزراء المنتخب) ديكتاتورا ويسعى للتعامل مع المواطنين بعقلية بوليسية. بل أن بعضهم سعى لتغيير القانون ليسمح له بالترشح مرة أخرى لان قانون بلاده لا يسمح بأكثر من دورتين. وقد لا يكون الحاكم نفسه قويّا في شخصيته أو إمكانات بلاده، ولكنه، برغم تظاهره بالقوة، يشعر الضعف الداخلي ويستمد قوته من الاعتماد على الدعم الخارجي. وهذا الدعم لا يتوفر بدون ثمن، وهذا الثمن يدفعه الديكتاتور بالمساومة على سيادة بلده واستقلالها. فلا مانع لديه من السماح ببناء القواعد العسكرية على اراضيه، يل يرى فيها مصدرا لأمنه الشخصي ومن معه. مثل هذا الحاكم لا تهمه مصلحة بلده او شعبه، وكل همّه في الحياة التظاهر بالعظمة الوهمية من جهة والاطمئنان لاستمرار حكمه من جهة ثانية، ومخالطة الحكام الآخرين الأقوى منه من حيث قوة الشخصية والإمكانات المادية المتوفرة لديه. ويؤكد تاريخنا ا لإسلامي هذه الظاهرة عبر القرون، فما أكثر من ولغ في الدماء من أجل البقاء، وما أقسى قلوب أولئك ا لذين بنوا ملكهم على جماجم الأبرياء. وما أبشع ما مارسوه بحق معارضيهم من أصناف العذاب والتنكيل.
 
بالأمس أمر طاغية البحرين باعتقال مناضل وطني شريف لأنه عبّر عن موقف وطني شريف بدعم إخوته في لبنان وفلسطين واستنكر المذابح التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلية بحق البلدين وشعبيهما. فلم يتحدث الاستاذ فاضل عباس الذي تكرر اعتقاله منذ ثورة 2011 المباركة، إلا عن القضية التي تشغل بال الأمة من شرقها إلى غربها. فهل هناك عربي أو مسلم شريف لا يدمى قلبه للمجازر التي ترتكب هناك؟ وهل يستطيع إنسان أن يسكت على التدمير الرهيب الذي طال الأبراج السكنية في غزة وبيروت وجنوب لبنان؟ هل يمكن أن يغمض شخص عينيه عن مشاهد متكررة للأطفال وهم يسحبون أشلاء من تحت الأنقاض؟ وماذا عن المجاعة التي تضرب بأطنابها في غزة؟ كيف يعيش الإنسان هائئا وهو يعلم أن هناك من أبناء جلدته وإنسانيته من لا يحصل على ماء الشرب النقي أو لقمة  العيش التي تقيم أوده؟ لقد تكلست قلوب الكثيرين فلم تعد تلك المشاهد تثير فيهم مشاعر الرأفة والشفقة والعطف، بل ما أكثر الذين يتحاشون مشاهدة الأخبار التي تبث بالصوت والصورة لكي لا “يتعكر” مزاجهم. إن ذلك لا يمت للإنسانية بصلة، بل هو نتاج الأفعال غير المستقيمة، كما ذكر القرآن الكريم: كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يعملون. لقد اعتاد الكثيرون الحياة الهانئة التي لا تنطوي على كدح أو جهد أو هدف أو غاية نبيلة أو شعور بالمسؤولية التي تكرر ذكرها في القرآن الكريم: أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون؟ فلنعلم جميعا أن هناك موتا وحياة بعده وحسابا أمام رب العالمين: وقفوهم إنهم مسؤولون. ومن المسؤولية الاهتمام بالآخرين، فذلك مصداق الإنسانية والانتماء إلى الله والإسلام.
 
طاغية مختوم على قلبه يستمد قوته من دعم الأجانب وليس من شعبه وقوته الذاتية. فها هو يتجول بين المؤسسات الرسمية البريطانية، محميّا بأجهزة أمنها، مستضافا من عائلتها الملكية التي تعيش البذخ الذي توفره أموال الضرائب. ولا يخفى على شخص ما يعانيه من نقص عندما تغمره الفرحة والسعادة جالسا بجانب الملكة السابقة في سباق وينزر للخيل، أو سائرا مع الملك الحالي عند بوابات القصور الملكية، هاربا من هتاف معارضيه الذين يسعون لإيصال صوتهم للعالم بما يعانيه شعب البحرين من ظلم واضطهاد وتنكيل. إنها واحدة من التناقضات التاريخية في هذا العالم، حيث يعيش سكان الأرض الأصليين بمستويات معيشية متواضعة جدا، ويعانون من شظف العيش وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وهيمنة أجهزة الأمن والاستخبارات التي تحصي عليهم أنفاسهم وحركاتهم وسكناتهم. لكن هؤلاء المستضعفين يتمتعون بكرامة وإباء ويستمدون من تراب وطنهم ما يرفع رؤوسهم ويوفر لهم القدرة على مقارعة الظلم والتصدي للمحتل الخليفي الغاشم، والهتاف من أجل المظلومين في فلسطين ولبنان وأينما وجدوا. يرى هؤلاء البحرانيون الأصليون ما ذكره إيليا أبوماضي في قصيدته العصماء:
 
أيها الشاكي الليالي إنما الغبطة فكرة
ربما استوطنت الكوخ وما في الكوخ كسرة
وخلت منها القصور العاليات المشمخرة.
 
إنهم سعداء بوطنهم وإيمانهم وكرامتهم ونخوتهم طالبين الحرّيّة، مضحّين من أجلها بالغالي والنفيس. وما أكثر من ودعوهم من شبابهم شهداء على طريقهم الطويل نحو تحرير الأرض والوطن وإعادة بناء البلد بعد عقود من التدمير الممنهج ا لذي تمارسه العصابة الحاكمة منذ عقود. أما الخليفي الظالم فيعيش في قصوره العاجية، بعيدا عن الشعب والوطن، لا يملك مشاعر الحب للأرض التي احتلّها، ولا الودّ تجاه من فرض نفسه عليهم شريكا في الأرض، ولا الإنسانية التي تجعل محيّاه مصدر سعادة للآخرين. لم يستطع نيل احترام البشر الذين يحكمهم بالقوة والغلبة، ولا جيرانه الذين يعتبرونه عالة عليهم بعد أن أصبح منبوذا من قبل الشعب. أما داعموه الغربيون فيرونه حاكما ضعيفا يتربّع على نظام حكم هشّ يعتمد في بقائه على دعم الغربيين متمثلا بالقواعد العسكرية على ارض البلاد والأساطيل العسكرية التي تمخر مياه الخليج وتتخذ من موانيء البحرين محطات رئيسية في رحلاتها. إن نظاما كهذا لا يستحق البقاء، خصوصا مع وجود شعب واع يتسم باليقظة ومشاعر الكرامة ويرفض الانحناء لجلّاديه. معتقلوه يشمخون بهاماتهم وراء القضبان، حتى بعد مرور قرابة الأربعة عشر عاما، وعائلاتهم ترفض استجداء الطاغية للإفراج عنهم، وأبناؤهم يستعدون لمواصلة الدرب الذي خطّه آباؤهم وأجدادهم منذ عقود. صراع الاجيال هذا يقلق الخليفيين وداعميهم، ويؤكد أن البحرين عصيّة على التركيع مهما بلغت قسوة حكامها الظالمين.
 
 يمكن القول، بقدر كبير من الثقة، أن لدى الخليفيين أكبر تجربة في مجال اعتقال المعارضين بين دول الخليج، ولكن هذه التجربة  الطويلة أثبتت عدم جدوى الاعتقالات التعسفية والتنكيل بالمعتقلين السياسيين، بل ساهمت في المزيد من تدهور الأوضاع ا لسياسية والأمنية، ولم يصبح الخليفيون أكثر أمنا نتيجة الاعتقال التعسفي المتواصل للمواطنين. فما يزالون يبحثون عن “الأمن” لحكمهم وعائلتهتم، ولن يتحقق ذلك لهم. فالأمن لا يتحقق إلا في اجواء الحرّيّة والعدل وحكم القانون. فلو كان بين أفراد هذه الأسرة الجائرة إنسان عاقل لاستنتج فشل سياساتها تجاه المواطنين، وأن المزيد من الفشل سيتحقق إذا لم يتوقف رموزها عن ممارسة الاستبداد والظلم والتنكيل. ولا يبدو الحاكم الحالي أقل جهلا بحقائق الواقع والتاريخ، بل ربما كان الأشد تعنّتا وظلما واضطهادا وعمالة وطائفية. وأصبح في نظر المواطنين رمزا للكراهية والحقد والتوتر. مشكلته أنه يكتفي بما هو فيه من وضع يتيح له حياة الكسل والابتعاد عن “وجع الرأس” بتفويض أبنائه للقيام بالجوانب التنفيذية من أعباء الحكم. وبهذا يعتقد أنه سيطر على الوضع وضمن استمرار حكمه وعائلته. إنه ينظر بعين عوراء لما يحيطه من تجارب ودروس أكدت حتمية زوال الظلم والظالمين، وانتصار المظلومين، خصوصا إذا كانوا ينتمون لشعوب واعية كشعب البحرين. لذلك يُتوقع تصاعد النشاط الوطني من أجل الحرّيّة وإنهاء الحقبة الخليفية السوداء، خصوصا مع استمرار سجن الأحرار والأبرياء وحتمية نفاذ السنن الإلهية وفي مقدمتها قوانين الإملاء والاستخلاف وانتهاء الظلم.
 
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
 
حركة أحرار البحرين الإسلامية
15 نوفمبر 2024
زر الذهاب إلى الأعلى