بيانات حركة أحرار البحرين

عزيمة البحرانيين تتجدد في ديسمبر، وستحقق للمعتقلين السياسيين حّريّتهم

لم يعد للعصابة الخليفية المبرر الأخلاقي أو السياسي لإبقاء السجناء السياسيين وراء القضبان. فقد قضى بعضهم قرابة الأربعة عشر عاما، وبلغ البعض الآخر مرحلة الشيخوخة المتقدمة وهو في عناء متواصل، بينما يعاني الباقون من الأمراض والعلل. اعتقل هؤلاء ظلما من قبل عصابة مارقة ثار الشعب لإسقاطها بعد عقود من المعاناة والصبر، وتدخلت قوى خارجية لمنع ذلك السقوط، وأرسلت قواتها لاحتلال البلاد، وجعلت البحرين تابعة لسياساتها، وأسقطت بذلك سيادتها بشكل كامل. الشعب بقي صامدا، ولكن الطاغية تضاءل حجمه السياسي والإنساني فلم يعد ذا شأن في نظر الحكام الآخرين. وتكفي المقارنة بين طريقة الاستقبال التي حظي بها قبل بضعة شهور عندما قام بزيارة رسمية إلى بريطانيا والاستقبال الذي استقبل به أمير قطر خلال زيارته لندن هذا الأسبوع. وأسباب استصغار الآخرين لطاغية البحرين عديدة على رأسها عزلته السياسية في بلده ورفض الشعب لحكمه. فقوة أي حاكم إنما تنطلق من من مدى التفاف المواطنين حوله واحترامهم له. ولو استطاع طاغية الرفاع ترميم علاقته بالبحرانيين لكان له شأن آخر، ولحظي باحترام الدول القريبة والبعيدة. لكنه فشل في ذلك فشلا ذريعا، وبقيت سجونه مكتظة بالنزلاء البحرانيين منذ انطلاق ثورة 14 فبراير. وهو بذلك ساهم في عدد من الأمور: أولها استمرار غضب العائلات البحرانية ضد العصابة الخليفية بعدما عانته من آذى نفسي وهي ترى أبناءها يعذّبون وراء القضبان بدون رحمة. ثانيها: استمرار الأزمة السياسية بعد أن أصبح السجناء السياسيون مادة أخرى للثورة والتمرد على الحكم الخليفي. ثالثها: خسارة النظام سياسيا وإعلاميا خصوصا مع نشاط المنظمات الحقوقية المحلية والدولية تجاه قضية السجناء السياسيين.
 
لقد كان بإمكان الطاغية الخليفي أن يتصرف بشكل أعقل مع البحرانيين، كان بإمكانه أن يظهر شيئا من الرأفة والحنان والاحترام للشعب، ولكنه لم يفعل. بل أن السجون تحوّلت إلى مدارس للتدريب على الثورة والتمرد والرفض. وهذا واضح من البيانات التي يصدرها السجناء السياسيون بين الحين والآخر وتعكس عمق الغضب وراء القضبان، وكيف أن الطاغية بسياساته أسّس لثورة مقبلة ستكون أشد من ثورة 14 فبراير. كان بإمكانه أن يهندس سياساته الداخلية والخارجية لتراعي مشاعر البحرانيين وحقوقهم وتوجهاتهم. ولكنه بدلا من ذلك أصرّ على التوجه للغربيين لاستجداء دعمهم الأمني والسياسي، ثم عرّج على تل أبيب لمد الجسور مع محتلي فلسطين بهدف الحصول على دعمهم الأمني والسياسي وفي مجال العلاقات مع الغرب. وقد غاب عن ذهن الحاكم أن تلك السياسة ساهمت في إضعاف شأنه وأهميته لدى حلفائه التقليديين، بل حتى لدى حكام الخليج الآخرين. فقد رأى هؤلاء أنهم يدعمون حاكما فاشلا لا يتمتع بشيء من الحنكة السياسية او اللباقة أو الإنسانية. وبلغ الأمر ببعضهم أن رفض منحه هبات مالية مباشرة وأصر على ان يكون دعمه للبحرين في شكل تنفيذ مشاريع كبناء مدارس او مستشفيات.
 
قبل بضعة شهور بدا وكأن حكام البحرين أدركوا خطأهم السياسي والأخلاقي باعتقال آلاف البحرانيين على مدى عقود. فقاموا بإطلاق سراح عدد كبير منهم، وساد الانطباع بأن ذلك سيتبعه تبييض السجون بشكل كامل. ولكن كما يقال: “الطّبع يغلب التّطبّع”. فسرعان ما توقفت الإفراجات وتجدّدت بذلك معاناة العائلات خصوصا الأمهات، وطغى عليهن الحزن لأن فلذات أكبادهن سيبقون مرتهنين لدى الخليفيين فترة أطول. فالحاكم المجرم يسعى لكسر إرادة الشعب بهذه الأساليب التي تبعث على الحزن والأسى في بعض محطاتها. لكنه يعلم أنه مُرغمٌ على الإفراج عن بقية السجناء السياسيين ليس بإرادته ولكن لأسباب عديدة أخرى: أولها شعوره بضرورة تغيير صورة حكمه لأطراف دولية عديدة تراقب ما يجري في هذه الجزر المعذبة، سواء كانت هذه الجهات دولا ام منظمات حقوقية أم شعوبا تعاطفت مع شعب البحرين. ثانيها: أن الشعب لن يسمح له بإطالة معاناة معتقليه فترة أطول بعد أن قضى بعضهم قرابة 15 عاما أسيرا لدى من يعتبرهم أعداء للإنسانية والشعب، وأن هذا الشعب ما فتيء يرفع شعار المطالبة بالإفراج عن جميع السجناء السياسيين بدون قيد أو شرط، خصوصا الرموز الذين يحترمهم ويقدّر تضحياتهم ويعلم أنهم تقدموا في العمر وأصبحوا يعانون من الأمراض. ثالثها: أن دول الخليج بدأت تتململ بسبب فشل حليفهم الخليفي في حلّ الآزمة السياسية مع شعبه، وأن استمرار اكتظاظ سجون بمعتقلي الرأي يورّطهم أخلاقيا وسياسيا ويجعلهم في نظر الشعوب في خانة الخليفي الجلّاد. رابعها: أن بقاء السجناء السياسيين مرتهنين لدى الخليفيين يساهم في تعميق الأزمة وليس حلها. فهناك شعور عميق بالظلامة من جهة وضرورة إسقاط العصابة الحاكمة لإنهاء هذه الظلامة من جهة أخرى.
 
في ضوء هذه الحقائق تبدو البحرين في هذا الشهر مستعدة لرفع صوتها من أجل الإصلاح والتغيير. فهي تحتفي بمرور ثلاثين عاما على تفجر كبرى الانتفاضات في تاريخ البلاد. حدث ذلك في إثر اعتقال سماحة  الشيخ علي سلمان في الخامس من ديسمبر 1994 بسبب دوره في توقيع العريضة الشعبية آنذاك التي تطالب بإعادة العمل بدستور 1973. جاء اعتقاله ليفجر غضبا شعبيا دفع العلماء للدعوة لمسيرة شعبية في 17 ديسمبر للمطالبة بالإفراج عنه. وعندما خرجت المسيرة في منطقتي جدحفص والسنابس أطلقت قوات الأمن ذخيرة حيّة على المشاركين فيها فاستشهد شابان بحرانيان: هاني خميس وهاني الوسطي. ومنذ ذلك اليوم لم تتوقف المسيرات والاحتجاجات المطالبة بالتغيير. وبعدها حدثت تطورات خطيرة بقتل المزيد من المواطنين واعتقال المرحوم الشيخ عبد الأمير الجمري.
 
كانت تلك الانتفاضة ترسيخا لفكرة أن شهر ديسمبر يمثل ذروة النشاط الثوري ضد الحكم الخليفي. وكان الخليفيون قد بدأوا ذلك باعتقالات واسعة في ديسمبر 1981 شملت أكثر من 150 مواطنا من أعضاء الجبهة الإسلامية، تمت محاكمة 73 منهم وإصدار أحكام قاسية بحقهم. وفي العام 1983 حدثت حملة قمعية أخرى باستهداف تيار سماحة الشيخ عيسى قاسم، وغلق جمعية التوعية الإسلامية واعتقال العشرات من النشطاء في ذلك التيار. وتكررت الاعتقالات خلال ديسمبر في السنوات اللاحقة، حتى أصبح ذلك الشهر عنوانا لحملات قمعية سنوية، نجم عنها سجن الآلاف من المواطنين. وجاءت ثورة 14 فبراير في العام 2011 لترفع الحراك الشعبي ألى مستويات جديدة وصفها الكثيرون بـ “الثورة”. ودخلت البلاد بذلك مرحلة المفاصلة الكاملة بين الشعب البحراني الأصلي (سنة وشيعة) والحكم الخليفي الذي رفض تطوير أدائه وتحوّل إلى واحد من أشد الأنظمة العربية قمعا واضطهادا وديكتاتورية. وتمر البلاد اليوم بحالة من الاحتقان غير مسبوقة، خصوصا بعد سجن الآلاف وتعذيب أغلبهم وإعدام بعضهم. كما أن استخدام الذخيرة الحية بحق المتظاهرين أدى لاستشهاد المئات من الأبرياء، ساهمت دماؤهم في تعميق القناعة بضرورة المفاصلة مع الخليفيين. وبرغم محاولات آل خليفة خداع الشعب ببعض المبادرات الهامشية التي لا ترقى لتطلعات الجماهير، فقد بقي الوضع محتقنا، واستمرت الاعتقالات حتى الآن. وما تزال السجون الخليفية تضم المئات من البحرانيين. وحتى لو أفرج عن أغلبهم فسيبقى ملف الظلامات والاضطهاد والتنكيل ماثلا أمام الشعب الذي يأبى أن ينساق وراء أساليب الخداع وسياسات التضليل الخليفية. والأمل استمرار الحراك الشعبي السلمي الهادف لتحقيق التغيير ومحاصرة سياسات الاستبداد والديكتاتورية الخليفية. فبدون الحراك المتواصل لن تتحقق أهداف الشعب ولن يتحرر الوطن من عقلية الاحتلال والاستباحة والاستعباد. إنها مهمة من يتطلع للحرّيّة والكرامة وتحقيق السيادة وفرض الشعب كمصدر فعلي للسلطات. فإن استمر في حراكه فسوف ينصره الله نصرا عزيزا ويخذل الظالمين والعملاء والمستبدّين والمطبّعين، وما ذلك على الله بعزيز.
 
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
 
حركة أحرار البحرين الإسلامية
6 ديسمبر 2024
زر الذهاب إلى الأعلى