بيانات حركة أحرار البحرين

الذكرى الثلاثون لعيد الشهداء: شعب البحرين ثابت على طريق التغيير .. والتغيير في سوريا يبعث أملا لدى الثائرين ضد الظلم

التغيير الكبير الذي حدث في سوريا فاجأ الكثيرين، خصوصا الطغاة الذين اعتقدوا أنهم بمعزل عن السقوط وأن التغيير لن يصلهم. تعمّقت هذه القناعة لديهم بعد ان استطاعوا مجتمعين منع ثورات الربيع العربي من تحقيق أهدافها مستخدمين أبشع أساليب القمع ووسائله لضربها. ويكفي أن نشير إلى أن مئات البحرانيين ما يزالون يدفعون فاتورة ثورتهم ضد الظلم ضمن ذلك الربيع العربي، برغم أنهم قضوا أكثر من 13 عاما وراء القضبان. رموز الثورة الشعبية العملاقة بلغ بعضهم سنّ الشيخوخة وهم يرزحون في سجون الطغاة برغم انهم لم يرتكبوا جرما يعاقب القانون عليه. كان جرمهم أنهم هرعوا لنصرة شعبهم عندما صرخ من أعماقه مستغيثا من ظلم الخليفيين، وطالب بحريته وحرّيّة بلده وسعى لعيش كريم يعيش فيه آمنا على نفسه وعرضه وماله. هنا تدخلت قوى الثورة المضادة لإجهاض كافة ثورات الربيع العربي ومن بينها ثورة شعب البحرين.
 
وفيما كانت أساطيل الدول الكبرى تراقب الوضع على مقربة من سواحل البلاد، كان الجسر الذي يربط البحرين بالسعودية مكتظا بالدبابات وناقلات الجنود السعودية والإماراتية التي هرعت لمواجهة الشعب وإجهاض ثورته بالقمع المفرط.
كان ذلك الموقف الذي اتخذه تحالف قوى الثورة المضادة كفيلا بإجهاض كافة الثورات، ولكن إلى حين. فسرعان ما سقطت الأنظمة في بلدان مثل ليبيا واليمن، بينما اكتظت سجون الدول الأخرى بالأحرار الذين هتفوا ضد الظلم والاستبداد. وقد جاء سقوط النظام السوري استكمالا لما حدث آنذاك. هذه المرة لم يكن السقوط عبر ثورة شعبية سلمية بل على أيدي مجموعات مسلحة حظيت بدعم تركي وغربي مكشوف. وهذا يكشف أن سقوط الأنظمة الفاسدة ما يزال على رأس أولويات الشعوب المحكومة الاستبداد. هذه حقيقة تعرفها الأنظمة المستهدفة كما يعرفها داعموهم الغربيون. وما يزال الغرب يمارس سياسات انتقائية كعادته، فيختار بعضها من خلال دعم معارضيه ويلتزم الصمت تجاه الأنظمة الأخرى. فالغرب مثلا يعلم أن شعب الجزيرة العربية يتطلع للتخلص من حكم قبيلة آل سعود، وأن هناك حماسا مختزنا في نفوس الكثيرين من أبنائه لتحقيق ذلك. ولكن الغرب لا يري في ذلك خدمة لمصالحه، ولذلك يستمر في دعم النظام بكافة الأساليب. وقد ظهر  الاضطراب الأخلاقي والقيمي بشكل واضح الأسبوع الماضي عندما قررت إدارة “فيفا” إقامة كأس العالم للعام 2034  في المملكة العربية السعودية. هنا تحركت المنظمات الحقوقية الدولية وتم فتح بعض ملفات الحكم السعودي في مجال حقوق الإنسان، وانطلقت الدعوات لعدم منح السعودية فرصة استضافة كأس العالم قائلة أن الرياضة لا تنسجم مع اضطهاد حقوق الإنسان. فهناك وعي دولي نشأ بشكل تدريجي بضرورة حرمان استغلال الرياضة لتحقيق مكاسب سياسية من خلال ما أصطلح على تسميته “الغسيل الرياضي”. ولكن المال النفطي أحيانا يتغلّب على القيم الإنسانية والأخلاق، وما أكثر من يسقط أمام الإغراء المالي ويتنازل عن قيمه الإنسانية.
 
في عالم السياسة ليس هناك ثبات، فهو عالم متموّج تبحر فيه سفن الطغاة بقلق دائم خشية أن تغرقها الأمواج المتلاطمة. فالنظام السوري كان يبدو صلبا خصوصا أنه يحظى بدعم روسي قوي وقبول إقليمي توسع في السنوات الأخيرة. فقد تحسنت العلاقات بين بشار الأسد والحكم السعودي والإماراتي بشكل ملحوظ وتم تبادل الزيارات التي أدت لكسر عزلة دمشق. وحضر الرئيس المخلوع، بشار الأسد، القمة العربية الإسلامية الأخيرة التي عقدت في الرياض. كما أظهر عزوفا عن إيران التي كان متهما بالتحالف معها. وبدا أن الاحتضان السعودي سيكون كافيا لحماية النظام من السقوط، وأن الرياض ستمارس نفوذها على المجموعات المتطرفة التي تستمد عقيدتها الدينية والسياسية من المدرسة الوهابية. ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن، وانطلقت قطاعات من الشعب السوري هاتفة بسقوط النظام، وفي غضون أيام لا تتجاوز الاسبوعين أدرك النظام وداعموه أن عليه أن يرحل ويمنع انزلاق البلاد ألى وضع دموي مأساوي. وفي غضون بضعة أيام بعد اجتماع الدوحة الذي حضرته روسيا وإيران وتركيا، لم يجد بشار الأسد خيارا بديلا عن الرحيل. وبرغم شراسة نظامه في تعامله مع المعارضين، فقد اتخذ قرارا صائبا بالتخلي عن الحكم والفرار على وجه السرعة مع عائلته من سوريا، ليحط رحاله في موسكو. وبذلك تم انتقال السلطة بشكل شبه سلمي غير متوقع، وتم تجنيب سوريا حمامات دم. وكان هناك آمل بأن تتخلى المجموعات التي استلمت السلطة عن سياسة الانتقام والتشفّي من عناصر النظام، ولكن حدثت حوادث مقلقة عندما نصبت المشانق وعُلّق بعض رموز الحكم السابق عليها أمام أعين الناس.
 
ما زال هناك أمل بتحول سلمي للسلطة يفضي إلى ممارسة ديمقراطية مقبولة، وتعددية تحول دون تعمق سياسات الاستئصال والانتقام. وهذا ما تأمله الدوائر السياسية العالمية، لأن حدوث غير ذلك من شأنه أن يؤدّي إلى حمامات دم من جهة وإلى تغيّر الرأي العام ضد الجهات التي دعمت إسقاط نظام الأسد من جهة أخرى. لقد كان النظام ديكتاتوريا يمارس الاستبداد وينتهك حقوق الإنسان على نطاق واسع. ولا يستطيع إنسان ذو ضمير أن يقبل بما اقترفه النظام السوري بحق معارضيه مهما كانت التبريرات. فالعدل أساس الملك، وهذا العدل لا يتحقق إذا تم تسليم قضايا الأمن كاملة بأيدي أجهزة  الأمن وتم إقصاء القضاء العادل من المعادلة. حينها تجد الأجهزة الأمنية نفسها بمأمن من الرقابة والعقوبة فترتكب ما تشاء من خروقات للقانون ومصادرة للحقوق. ومن جهة آخرى كان النظام قادرا على حماية سوريا من جيران طامعين ومكوّنات جامحة للتمرد والانفصال وربما الفساد. وسقوط هذا النظام قد عرّض البلاد لهذين الخطرين. فما أن رحل بشار قبل أقل من أسبوع حتى تعرضت البلاد لاستباحة لم تحدث لدولة أخرى في العقود الأخيرة. وحتى العراق الذي سقط نظامه بالدبابات الأمريكية لم تتعرض لما تعرضت له سوريا، وإن كانت أمريكا قد اجتثت ما لدى العراق من إمكانات عسكرية بما فيها مؤسسات البحث العلمي بالإضافة للإمكانات العسكرية. أما سوريا فتتعرض لاستباحة كاملة، وتشمل تدمير “إسرائيل” أكثر من 300 موقع عسكري بما فيها من طائرات ودبابات ومستودعات ومخازن أسلحة، وكذلك تتواصل عمليات اغتيال العقول العلمية العملاقة بشكل ممنهج. يضاف إلى ذلك ما تمارسه “إسرائيل” من احتلال مساحات واسعة من الأراضي السورية. كل ذلك يتم في غفلة الميليشيات التي أسقطت النظام عن حماية أمن البلاد من التدخلات والأطماع الخارجية خصوصا من “إسرائيل”، وكذلك تركيا وأمريكا. وبذلك تصبح “إسرائيل” هي المستفيد الأكبر من سقوط النظام السوري، بينما تنشغل المجموعات المسلّحة بالتنازع على حصصها من السلطة. ولم يصدر حتى الآن تعليق منها على العمليات العسكرية المتواصلة من الجانب الإسرائيلي الذي يقوم بذلك علنا بدون توقف. فماذا بقي لحكام سوريا الجدد من إمكانات ليس لحماية البلاد فحسب بل حتى لحماية أنفسهم من الإسرائيليين؟ إن من الضرورة بمكان استعادة سوريا من الحالة العبثية والفوضى بشكل عاجل لمنع سقوط كبرى القلاع العربية المتصدية للاحتلال. إن حكام سوريا الجدد مطالبون باستعادة هيبة بلاد الشام وضمان أمن أهلها وإعادتها للتصدي للقضايا العربية خصوصا قضية فلسطين التي لم تتخلّ عنها. إن لم يحدث ذلك فسوف تكون أرض الأقصى الخاسر الأكبر وستدخل سوريا نفقا سياسيا مظلما يغمره التوتر والاضطراب والخوف وسيل الدماء وضياع التوجه. دعاؤنا لسوريا وأهلها بالأمن والحرّيّة والوحدة والقدرة لصد العدوان والحفاظ على أمن  الوطن ووحدته وكسر شوكة الطامعين.
 
وفي الذكرى الثلاثين لعيد الشهداء، فإن شعبنا البحراني الأبي سيجدد عهده مع شهدائه وشعبه لاستكمال المسيرة المظفرة نحو حرّيّة الوطن والشعب، كما فعل في كل عام منذ استشهاد الهانيين قبل 30 عاما. فلن ينسى ثورته المظفرة ودماء أبنائه وتضحيات شعبه الصامد، وخيانة نظام الحاكم الجاثم على صدره، بل سيكون ذلك كله حاضرا في ذكرى عيد الشهداء المجيد انشاء الله.
 
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
 
حركة أحرار البحرين الإسلامية
13 ديسمبر 2024
زر الذهاب إلى الأعلى