بيانات حركة أحرار البحرين
عام جديد والطاغية يواصل الرقص على الأشلاء
لم تعد السجون الخليفية مكانا لتنفيذ العقوبة التي يفرضها الخليفيون على البشر من خلال محاكمهم القرقوشية. بل اصبحت مقبرة للسجناء، جسدية وعلمية وروحية. ولذلك أصبح أكثر ما يخشاه ذوو المعتقلين السياسيين أن يخرج أبناؤهم من السجون الخليفية وهم جثث ميتة. تأتي هذه الخشية بعد أن تكررت حالات الوفاة بين المعتقلين السياسيين. فلم يكن استشهاد حسين أمان قبل بضعة أسابيع حالة منفردة بل كان استمرارا لنمط واضح من التنكيل والتعذيب والإهانة من جهة، والتعذيب وانعدام العلاج المناسب من جهة أخرى. فليس أمرا معتادا أن يسير الشاب في طريقه وسرعان ما يسقط ميتا. فقد خلق الله النفس الإنسانية ومنحها القدرة على مغالبة الصعاب والتمرد على الموت أحيانا. ولكن في السنوات الأخيرة تضاءل الاهتمام الصحي بالمعتقلين المرضى، واستشهد العديد منهم نتيجة الإهمال الطبّي، وأصبح الخليفيون متّهمين بالقتل العمد للسجناء السياسيين كسياسة انتقامية من البحرانيين. فالسلطة تبحث عن أعذار دائما وتقدم تفسيرات غير واقعية لما حدث في كل حالة من حالات الاستشهاد، ولكنها لم تتخذ إجراء واحدا حقيقيا للسيطرة على اجهزتها الأمنية. كما لم تقدم أحد مسؤوليها للقضاء. فهي مؤسسة على عقلية قمعية استئصالية، تهدف للقضاء على البحارنيين الأصليين (شيعة ووسنة). أكثر من نصف قرن من التعذيب والتنكيل والاستبداد لم يحقق كثيرا للنظام ودوافعه، بل ساهم في صقل ذهنيات المواطنين التي بقيت أسيرة لخطابه حتى لاحت معالم السكان الجدد.
برغم استشهاد السجناء تباعا، لم تتغير سياسات الحكم المارق، ولم يتوقف التعذيب من جهة والحرمان من الدواء من جهة ثانية. وأضيف إلى ذلك في الشهور الأخيرة سياسة تجويع السجناء وحرمانهم حتى من الماء. في البداية انتهجت إدارة السجن تقليص كمية الوجبات بحيث كان المعتقلون وهم في ريعان الشباب لا يحصلون ما يكفيهم من الطعام. ثم أغلقت الأكشاك التي تبيع بعض المأكولات داخل السجن. وأخيرا عمدوا لمنع الوجبات عن العنابر. وتضاعفت العقوبة بعد حدوث الاضطرابات في اربعة عنابر بسجن جو السيء الصيت. فقد حرم المشاركون في الانتفاضة ضد القمع الخليفي من الطعام أياما، وما يزالون يعانون من ذلك. وفي الوقت نفسه لا يسمح للعائلات بتوفير الطعام أو الأدوات الصحية لأبنائهم المسجونين. كما أن هناك عرقلة لاستخدام البطاقات التي يستخدمها السجناء للتسوق ي الأكشاك المذكورة. وهكذا تتضاع معاناة سجناء الرأي بمستويات غير مسبوقة، في الوقت الذي تتضاعف فيه آلام أهلهم نتيجة بستصاعد عدد الشهداء داخل السجن وخارجه. إنها واحدة من المآسي الإنسانية التي ألقيت على كاهل المواطنين الأصليين وتركوا وحدهم يصارعون صعوبات الحياة في ظل هذه الأجراءات الصارمة.
المعتقلون السياسيون من جانبهم أصبحوا أوعى من سجانيهم الذين يخططون للنيل منهم ومن شخصياتهم ومواقفهم. فأصبحوا سريعي ردة الفعل ضد العصابة الخليفية المجرمة. فما أن تبدو ملامح أزمة سياسية داخل السجن حتى يهرع بعض رموز الحكم لإقحام عناصر أخرى بعنوان تهدئة الأمور. إنها واحدة من المتغيرات السياسية والأمنية، وعنوان جديد لظلامة مختلفة عما سبقها. يظن هؤلاء أن تلك الإجراءات سوف تساهم في كسر شوكة المعتقلين السياسيين الذين يعتبرون “لبّ” المجتمع ورموزه النضالية التي سجل العالم لها أروع الصفحات في تاريخ النضال الوطني في العالم. كما أنها ردّة عن المباديء والقوانين التي رسمتها المنظمات الدولية لتوفير حياة المعتقلين السياسيين. ويوما بعد آخر يتضح صواب الثورة البحرانية واستمرارها ألى ما هو أبعد من ذلك. هذا الاستمرار مؤسس على القناعة بعدم صلاحية الحكم الخليفي للاستمرار، وأن محاولات إصلاحه من الداخل كانت وما تزال وسوف تبقى عبثية لأن النظام العائلية مهتريء من داخله، ولا تجدي محاولات إصلاحه لانه لن يصلح يوما: والذي خبث لا يخرج إلا نكدا. بضاف إلى ذلك أن خمسين عاما من الحراك الشعبي المتواصل منذ الاستقلال في العام 1971 لم تؤدّ إلى إصلاح فعلي.
ولم يشعر المواطنون يوما أن لديهم موطيء قدم في الدوائر السياسية للنظام الحاكم. وحتى عندما حدث الحراك الشعبي في العام 2011 كان هناك توقّع بأن يبادر الخليفيون لبعض الإصلاحات السياسية لإسكات المعارضة، ولكنهم أصرّوا على الاستمرار في نهجهم، فازدادت السجون اكتظاظا وتضاعفت أساليب القمع والاضطهاد.
برغم ما ذكر لم يشعر الشعب يوما بالخوف او التراجع او اليأس، بل كان لديهم دائما يقة بالله المقتدر الجبار، يستمدون منه العون، ويتوكلون عليه في نضالهم من أجل الحرّيّة والكرامة. فهو يشعر أنه قدم أغلى ما لديه، ولا بد ان يكون لذلك مردود عملي لذلك الكفاح. النظام الخليفي يرى في الوضع الإقليمي دعما سياسيا لوجوده، خصوصا مع استمرار الجمود السياسي في السعودية وبقية دول الخليج. كما أن تمدد “إسرائيل” في الإقليم وانتهاجها سياسة عدوانية غير مسبوقة يدعم الوضع الراهن ويمنع حدوث التغيير. فالكيان الإسرائيلي لا يرى مصلحته في التحول الديمقراطي لعلمه أن الشعوب إذا أتيحت لها الفرصة ستقف مع الشعب الفلسطيني وترى في الانظمة السياسية القائمة حائلا دون حدوث ضغوط حقيقية على الاحتلال. ولذلك أصبح هناك تفاهم غير معلن بين “إسرائيل” والأنظمة الخليجية بضرورة الحفاظ على الوضع الراهن وعدم دعم التحول الديمقراطي الذي تنشده الشعوب. هذا الرهان وفر للطرفين فرصة لتثبيت أوضاعهما وحال دون رجحان كفة التغيير. ولكن قمع الحراكات الشعبية كتلك التي في البحرين لم يكن بدون ثمن، فأصبحت السجون مكتظة بالنشطاء والأحرار. كما أن الضغوط على الدول ذات المنحى التحرري والقومي تتصاعد. فها هو اليمن يتعرض لعدوان إسرائيلي لا يتوقف، وها هي سوريا تعيش تحت الحصار حتى بعد إسقاط نظام بشار الأسد. لقد كانت سوريا إحدى الدول التي شهدت احتجاجات واسعة في فترة الربيع العربي، تعرضت لقمع واسع وفتحت السجون على مصاريعها لاستقبال النشطاء والمحتجين. وعندما حدث التغيير الشهر الماضي تأرجحت المواقف بين دعمه ومعارضته. ولكن الأمر الأهم ان حركة الشعب السوري حققت نتيجة عملية تساهم في دعم معنويات الشعوب العربية الأخرى التي ناضلت من أجل التغيير.
هل يصبح التغيير في سوريا محطة أخرى على طريق نضال الشعوب العربية من أجل الحرّيّة؟ أم أن ما حصل بعد إسقاط بشار الأسد سيكون حائلا دون توسع التجربة؟ فما حدث لسوريا من استباحة على نطاق واسع غير مسبوق. فقد استغلت قوات الاحتلال انشغال دمشق بالتغيير لتشن عدوانا كاسحا متواصلا على كافة المناطق السورية، مستهدفة البنى التحتية للبلاد خصوصا في المجال الدفاعي. وقامت بتدمير القدرات السورية بنسب تصل إلى 90 بالمائة، ومنها الطائرات العسكرية والدبابات والمدافع والقواعد ومخازن الأسلحة والعتاد. ولم يبق من إمكانات الدولة السورية سوى النزر اليسير. أما الحكام الجدد فقد وجدوا أنفسهم في موقف ضعيف جدا. فالكيان الإسرائيلي لم يترك لهم مجال للأمن والاستقرار، بل حوّل أيامهم ألى حزن أسود. فالدولة السورية العملاقة بما تملكه من موقف تحرّري وقدرات عسكرية عملاقة تحوّلت إلى كيان صغير محصور بدمشق وليس لديه قوة عسكرية ضاربة تحمي حدود البلاد. وفي ا لوقت نفسه أقدمت “إسرائيل” على احتلال مساحات واسعة من الأراضي السورية خصوصا في منطقة الجولان. ولم يستطع الحكام الجدد اتخاذ موقف جريء ضد ما قامت به “إسرائيل” من قصف مكثف واحتلال غاشم. فولدت الدولة السورية الجديدة شبه ميتة، لا تملك من أسباب القوة شيئا ولا تستطيع حماية الحدود او استرجاع الاراضي التي احتلتها “إسرائيل”. أيا كان الأمر فهذه الحقائق والمعطيات لا تساهم في مشروع التحول الديمقراطي بل تدعم الاحتلال والعدوان والاستبداد. ولذلك فالأرجح أن يكون العام الميلادي الجديد فرصة لإعادة تقييم الوضع العربي العام، بما فيه من قضايا ترتبط بالسيادة والتسلح والاحتلال وترسيم الحدود. إنها دروس لدعاة التغيير في كافة البلدان العربية، والبحرين ليست بمعزل عن ذلك الواقع الصعب.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
27 ديسمبر 2024