استعدادا لحلول ذكرى الثورة: النصر حليف الشعب
لو قيل أن النظام الخليفي من أسوأ الأنظمة التي شهدتها المنطقة العربية، فلن يكون ذلك مبالغة أو تضخيما. فالحديث عن الاضطهاد الديني والتعذيب المنهجي والإعدام الجائر والإبعاد القسري، يقضّ مضاجع الآلاف من البحرانيين، ولكنه ليس كاملا، بل أن هناك ممارسات لا تقل قبحا تتم وراء القضبان، وتحيل حياة المعتقلين السياسيين إلى جحيم لا يطاق. فتارة يقلّص كمية الوجبات للسجناء، حتى اشتكى الكثيرون منهم من الجوع، ويمعن في التضييق عليهم بحيث يمنع أهاليهم من تزويدهم بما يحتاجون من أطعمة وأدوات صحية. وتتضاعف معاناة المعتقلين السياسيين البحرانيين بحرمانهم من العلاج المطلوب لأمراضهم التي أصيبوا بها وهم في سجونه، أما بسبب التعذيب الشديد أو الحرمان من العلاج والدواء أو نتيجة غياب النظافة والعناية الصحية في الزنزانات والعنابر. وتؤكد التقارير التي ترد من السجن أن الحقد الخليفي ضد المعتقلين البحرانيين ليس له حدود. فنظام العلاج المعمول به يسعى دائما لتعميق معاناة هؤلاء المظلومين عندما يصابون بمشاكل مرضية. فها هو المعتقل المظلوم جعفر رضي عبد العباس يعاني الأمرّين من الأمراض التي لحقت به في الزنزانات الخليفية. هذا الشاب الذي قضى حتى الآن اثني عشر عاما وراء القضبان من مجموع أحكام مدتها 32 عاما، بعث مؤخرا رسالة لأهله قال فيها: “إنني أشعر أنني سوف أموت”. إنه ليس شعورا أصابه في لحظة تعب ألمّت به بل هو نتيجة تراكم العاهات التي أصابت جسده الذي أضعفته المعاناة. كان في مقتبل العمر عندما امتدّت له الأيدي الخليفية وهو في السابعة والعشرين، في وافر من الصحّة، ولكن أي جسد يستطيع تحمّل التعذيب والتنكيل والإهانة التي لم تتوقف منذ اعتقاله. أثنا عشر عاما من البشاعة الخليفية أدرت ذلك الجسد صريعا، تعتوره الأمراض فلا يوفر الخليفيون له علاجا مناسبا. فهو، كغيره، يشعر أنهم أبناء الأرض الأصليون ولكنهم أصبحوا مستعبدين من قبل هذه العصابة التي غزت البلاد في غفلة من الزمن، وارتكبت بحق أبنائه أبشع الفظاعات. وما حدث لهذا المواطن المظلوم يتكرر يوميا مع الآخرين. وها هو المعتقل السياسي محمد ماجد عيسى العبّار، وهو الآخر يرى صحته تتراجع يوميا منذ أن بدأت آلام مفاصله وركبته تتداعى نتيجة ظروف السجن وغياب العناية الصحية اللازمة. هذا الشاب الذي لم يبلغ الثلاثين من العمر أصبح غير قادر على المشي بسب الآلام الفظيعة التي جعلته يشعر هو الآخر بعبثية الحياة في ظل الحكم الخليفي المجرم. هذه مشاعر الجيل الحالي من أبناء البحرين الذين تعمّق وعيهم نتيجة المعاناة والتجارب المريرة، وقطعوا الأمل بإمكان التعايش مع الحكم الخليفي الجائر الذلي يزداد سوءا بمرور الوقت. فهو حكم لا ينتمي للوطن والشعب، بل أن جذوره في مناطق جغرافية خارج الوطن، وولاءاتها مرتبطة بالجهات التي تحميه من السقوط، حتى لو كانت معادية للأمّة وتطلعاتها. لذلك سعى الخليفيون لفصل البلاد عن الأمتين العربية والإسلامية تارة بالقمع وأخرى بالتضليل وثالثة بترويج الطائفية والمذهبية. فهم يعلمون أن تكامل البحرين وشعبها مع محيطها العربي والإسلامي سوف يغنيها عن دعم القوى الأجنبية، ويجعلها أكثر استقلالا وأمنا، وهذا لا يستقيم مع هدفهم لربطها بالقوى الغربية التي تحميهم من السقوط في مقابل التخلي عن سيادة البلاد وشعبها.
عام آخر يطل على الوطن وما يزال أبناؤه يرزحون وراء القضبان. هؤلاء الأبطال الذين نذروا أنفسهم للحرّيّة لن يساوموا على سيادة الوطن وحقوق الشعب، ولذلك تتواصل السنوات والعقود وهم مغيّبون في طوامير التعذيب. ولا يتوقف الأمر هنا، بل أن آلة القمع الخليفية تواصل عملها المشين باعتقال الأحرار والتنكيل بهم ومساومتهم على ما يعتبرونه مسؤولية أخلاقية وإنسانية وذلك بالعمل لتحقيق الحرّيّة للجميع وضمان سيادة الوطن. فليس هناك من هو أكثر حرصا على هذه السيادة من جهة وعلى العمل من أجل التطوير والتقدم من جهة أخرى من السكان الأصليين الذين يشعرون بامتدادهم التاريخي والإنساني في تربة البحرين منذ قرون. إنهم مستعدون للتضحية والفداء من أجل ذلك، وتؤكد العقود الأخيرة هذا المنحى النبيل الذي يميز شعب البحرين بإيمانه المطلق بالله والوطن، وبمعاناته التي لم تحدث لأي شعب أخر من شعوب ا لمنطقة. هذا السفر النضالي الناصع أصبح وساما للمناضلين الأحرار الذين لا يتنازلون عن الحق السياسي الكامل والانتماء للوطن والشعب. ومنذ بدء العام الجديد، انخرطت قطاعات عديدة من أبناء الوطن في المسار الثوري وشاركت في الاحتجاجات والتظاهرات الهادفة لإسقاط الحكم الخليفي الخائن. إن الشباب الذي يشارك في هذه الفعاليات يعلم أنه يواجه مصيرا مظلما في طوامير التعذيب وزنزانات السجون، و لكنهم راضون بقدرهم، ويعرفون جيّدا أن للحرية ثمنا غاليا وتجتاج للفداء والتضحية والعطاء المستمر. وما أكثر الذين يعتقلون حتى الآن ويودعون السجون بعد أن يتعرضوا لوجبات قاسية من التعذيب والتنكيل. مع ذلك لم تتوقف مسيرة العطاء والتضحية من أجل الله والوطن والحق. جوهر القضية أن لا يتوقف الشعب عن المطالبة بحقوقه ورفض الظلم والثقة بحتمية النصر الإلهي.
من المؤكد أن تراكم عقود ا لنضال واستمرار التضحيات وتآمر الأعداء، كل ذلك من شأنه التأثير السلبي على معنويات الكثيرين. ولكن متى كان الطغاة يرحمون مناوئيهم؟ ومتى استمعوا لمطالب شعوبهم؟ لقد وثّق التاريخ البشري معاناة المناضلين الهادفين للتغيير، وفي مقدمتهم أنبياء الله ورسله الذين تعرّضوا للتكذيب والتنكيل والقتل. ومع ذلك كانت الرسالة السماوية تصل إلى أهل الأرض من خلال أولئك الأنبياء: “إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم”. إنه جانب من صراع الحق والباطل، الحق الذي أنزله الله والباطل الذي يبثه عشاق الدنيا والمال والسلطان. ويُسجّل للمؤمنين المتصدّين للباطل مواقفهم المشرّفة في هذا الصراع، فهم الذين يخلدون ويصبحون أمثلة للبشر ويتحوّلون إلى أيقونات للإصلاح والتغيير. وما أجل أن يشعر الإنسان إنه عنصر فاعل، حرّ، ثابت على الحق، متصدٍّ للظالمين، ومدافع عن المظلومين. هكذا هم رموزنا الأبطال الذين يرزحون وراء القضبان، وقد قضى بعضهم 14 عاما في السجن، وبقي صابرا، صامدا، صادحا بالحق. فمن يضاهيهم رفعة وشأنا وشجاعة وإنسانية. في هذا الزمن الرديء الذي يزدحم فيه التسابق من أجل الدنيا يلوح النور من الزنزانات الضيّقة التي يرزح فيها دعاة الحق، وهم يكرّرون شعاراتهم ويرفعون هتافاتهم بغير خشية من سلطان أو خوف من متجبّر. أليس هذا حال الأساتذة والعلماء الذين صدقوا الله ما وعدوه، فثبتوا وصبروا وصابروا برغم ما يعانونه من اضطهاد وظلم وتنكيل.
من طوامير التعذيب الخليفية بدأت مسيرة التغيير التي لن تتوقف، بعون الله، حتى يتحقق النصر للشعب المظلوم، وتتحطم راية التجبّر والاستبداد والديكتاتورية. هذه مشاعر الجيل المناضل الذي لم يتوقف عن حركته الميدانية يوما، بل يصرّ على تحقيق المطالب العادلة للشعب، تلك المطالب التي عبّرت عنها ثورة 14 فبراير، منطلقة من دوار اللؤلؤة. في مثل هذه الأيام قبل أربعة عشر عاما كان البحرانيون يتجمّمعون في دوار اللؤلؤة استعدادا للانطلاق في أكبر ثورة عرفتها البلاد، تلك الثورة التي هزّت الحكم الخليفي وكشفت ضعفه للعالم، وكذلك قمعه واضطهاده وصلفه. تلك الثورة مرشّحة للاستمرار بأشكال شتّى، فهي تمثل شعبا صامدا وشبابا واعيا وأهدافا نبيلة مشروعة. ندعو الله أن يوفّق هذا الجيل للصمود والثبات حتى تتحقق أهداف الشعب وتترسّخ جذور الوطن، آمنا من العدوان والاستبداد، إنه سميع مجيب الدعوات.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفكّ قيد أسرانا يا ربّ العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
10 يناير 2025