بيانات حركة أحرار البحرين

عهدٌ من وراء القضبان في العام الجديد: صامدون حتى النصر

استقبلت شعوب العالم السنة الميلادية الجديدة بمشاعر الفرح والأمل، فأشعلت الشموع وأطلقت الألعاب النارية وتبادلت التحايا والتمنيات وأقيمت الحفلات. أما أهلنا في البحرين فما أكثر الذين استقبلوا العام الجديد بمشاعر مختلفة، فقامت الأمهات بعمليات حسابية للسنوات التي قضاها شباب الوطن وراء القضبان، وكم بقي منها. وأدركت عشرات الأمهات أن أبناءهن قد قرّر طاغية البلاد مصيرهم بإصدار أحكام الإعدام عليهم، لا لجرم يعاقب عليه القانون، ولكن لكي يظهر لهن أنه فرعون الذي يعتقد أنه قادر على منح الحياة وسلبها من البشر، وأنه قادر على أن يبني على أجساد ضحاياه قصورا على غرار القصر الذي طلب فرعون من هامان بناءه “لعلّي أبلغ الأسباب، أسباب السماوات والأرض فأطّلع إلى إله موسى”. هذه العقلية الفرعونية تعشعش في الذين يسلكون سلوكه وينتهجون سياساته. فبينما استيقظت عائلات عديدة على أنغام الذكرى الثامنة لإعدام أبنائهن في مطلع يناير 2017، وسعت العائلات البحرانية الأخرى لمواساتهن، بدأت عائلات أخرى تعد الأيام والسنوات لعودة أبنائها الذين يرزحون في سجون الطغاة الخليفيين. فالاعتقالات لم تتوقف، بل تستمر على مدى العام، حتى عندما تقترب مواسم الأعياد. فخلال الشهر الماضي حدثت اعتقالات عديدة لمواطنين عبّروا عن رغبتهم في التطوير السياسي أو تضامنهم مع أهل فلسطين ولبنان، أو رفضهم سياسات الاحتلال والاستبداد. هؤلاء يستحقون الاحترام والإجلال لان لديهم قلوبا متحركة وضمائر يقظة ومشاعر إنسانية فاعلة. إنهم يعشقون الحرّيّة ويحبون الخير ويتطلعون للتغيير الإيجابي في بلدهم. فما أجدرهم بالاحترام والتقديم والإكبار.

هل عالمنا محكوم بالظلم إلى الأبد؟ وهل وضعت القوانين الدولية خصوصا التي تنظم حقوق الإنسان للآخرين فحسب؟ لماذا تنحصر الاحتفالات بحلول العام الميلادي الجديد على مظاهر الفرح الشكلية بينما يغيب الشعور بضرورة التغيير الإيجابي الذي يُفضي إلى تطور سياسي يوفر للمواطنين الشعور بالمواطنة الكريمة والشراكة السياسية؟ لقد شهد العالم حجم الاحتفاء بقدوم السنة الجديدة، ولكنه في أغلبه، محصور بالعروض التي تستهوي الجماهير، ولم يشمل التفكير الجاد في مستقبل الكوكب الأرضي وما سيعانيه نتيجة التصرف السلبي للبشر في مجالات استخدم الطاقة وما تنتجه من تلوث يضر بالبيئة. ويبقى توالي الأعوام مرتبطا بالأرقام وليس بمرحلية تنفيذ الوعود بحماية الأرض وبيئتها التي تتعرض لأبشع أساليب التدمير والتخريب. كما أن العلاقات السياسية وأوضاع الشعوب هي الأخرى تعاني من اضطرابات ينجم عنها خلخلة الاستقلال والأمن. ويفترض أن يكون الزمن حاضرا لدى أصحاب القرار السياسي، وأن الاستمرار في السياسات التنموية والبيئية الخاطئة أصبح يهدد مستقبل الوجود البشري على سطح هذا الكوكب. مطلوب ترويج القيم الروحية كرادع عن الاستمرار في النهج المادي الاستهلاكي الذي يضر بالإنسان والبيئة. والأمل أن يتصاعد النشاط التثقيفي من أجل تعميق الوعي بهذه الحقائق.

الكثيرون يتبادلون التهاني والتبريكات بالعام الميلادي الجديد، ولكن ما الذي يعني حلول العام الجديد لدى السجين السياسي الذي ذاق الأهوال على أيدي الجلادين؟ في طوامير التعذيب الخليفية لا يعرف المعتقل الليل من النهار، بل ربما لا يعرف حلول أيام الأسبوع لكثرة ما يقضيه من عمره في غرف التعذيب المظلمة. بعضهم يبقى معلّقا فترات طويلة تنهال عليه خلالها ضربات الجلادين وركلاتهم بدون رحمة. ولا يفارق سمعه أساليب السب والشتم والتعدّي على الحرمات والمقدسات. هذا المعتقل السياسي البحراني لن يقبل باستمرار نظام الحكم الذي ارتكب من الموبقات ما يعجز اللسان عن وصفه. الأمّهات يعرفن شيئا من العذاب الذي حلّ بأبنائهن على أيدي الخليفيين، ولو عرفن كل شيء لربما فارقن الحياة غضبا وحزنا وألما. هؤلاء المعتقلون تداخل لديهم الليل والنهار والأيام والشهور، وعاشوا خارج الإطار الزمني الذي يعيشه البشر، فكأن الزمن توقف في الساعات الأولى بعد اعتقالهم، عندما نقلوا إلى طوامير التعذيب وتناولتهم أيدي الجلاوزة الذين لم يبق لديهم شيء من الإنسانية أو المشاعر النبيلة. أغلبهم يبرر أفعاله الشنيعة بأنها “تنفيذ لأوامر عليا”، ولكنه لا يبدي أسفا أو حزنا لما ارتكب بحق الابرياء. في تلك الزنزانات التي ضجت جدرانها بصراخ الذين تتلوى السياط على ظهورهم، بقيت شاهدة حيّة على ما أصاب أجيالا من البحرانيين على أيدي العدو الخليفي الذي احتلّ الأرض وأمعن في التنكيل بأهلها.

في الأيام القليلة الماضية عاش المواطنون مناسبات عديدة وعلى رأسها استقبال السنة الميلادية الجديدة، فتبادلوا التحيات والتمنيات، وقاموا بزيارات متعددة لأهاليهم. وبعض النبلاء الأحرار لم تنحصر مشاعره بشأنه الشخصي ورغبته في الاحتفاء بالمناسبة، بل تجاوز ذلك ووضع على رأس أولوياته زيارة ذوي الشهداء وقبورهم، وكذلك عائلات المعتقلين السياسيين للتعاطف معهم وشد أزرهم والدعاء لأبنائهم بالحرّيّة ونيل الأهداف. فالعائلة التي فقدت واحدا من أبنائها أو أكثر سواء بالاستشهاد أم الاعتقال، تشعر بالغبطة والرضا عندما يتوجه المواطنون إليها لمواساتها والتضامن معها. هذه الزيارات تجعل الوطن كله متفاعلا مع رموز حرّيّته الذين ضحّوا بأعز ما يملكون من أجل خلاص الشعب من القيود الخليفية. يتحرّك الأحرار في مثل هذه المناسبة بدوافع إسلامية وإنسانية لتقوية الصف الوطني بزيارة عائلات الضحايا، سواء كانوا شهداء ام معتقلي رأي، وإشعارها بأن الشعب يقف معها في محنتها وأنه لن ينسى ما قدمه الشهداء والسجناء السياسيون من تضحيات عملاقة على طريق الحرّيّة. وهدف هؤلاء ضمان الثبات والاستقامة من أجل نيل الحرّيّة وتثبيت خطوات أبطال الوطن خصوصا الرازحين وراء القضبان. لا يستطيع أي مواطن شريف أن يتجاهل حقوق المضحّين من أبناء الوطن، بل يستحضرها دائما وينطلق لإعلان التضامن معهم بدون حدود. فما عاد للبحرانيين من سبيل وهم يتوجهون لتحقيق الأهداف سوى الصمود والتصدّي والتحدّي. فالطغاة لا يردعهم إلا صمود الأحرار الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم، بل يتحركون ضمن ضوابط سياسية وشرعية لضمان حقوق الشعب وكسر شوكة المعتدين.

في العام الميلادي الجديد يزداد خفقان قلوب الأحرار خصوصا في البحرين، فهم يتطلعون لمستقبل متحرر من القيود والأغلال، وقائم على نيل الحقوق الطبيعية المشروعة خصوصا المتعلقة بالحق السياسي الذي سلبه الخليفون جملة وتفصيلا. إن عمق إيمان البحرانيين يدفعهم للتشبث بالأمل دائما، فلا يستسلمون للظروف التي فرضها عليهم الحكم الخليفي مستخدما القوة والتنكيل بدلا من نشر العدل وحماية الحق السياسي. ويفوت هذا الحكم الفاسد أن استمراره في القمع والاضطهاد تحوّل إلى مدرسة يتخرّج منها الثوار بدون انقطاع. كما أن تماديه في التنكيل بالمعتقلين السياسيين يساهم بشكل مباشر في تعميق التشبث بنيل الحقوق السياسية واسترداد الشعب سيادته على أرضه وحقه في بناء نظامه السياسي. وفي العام الميلادي الجديد سيجد الحاكم الخليفي المتجبّر أن قمعه وتنكيله وأساليبه في اضطهاد الأغلبية الساحقة من البحرانيين الأصليين (سنّة وشيعة) لن تزيده إلا غوصا في الوحل الذي سيغرق فيه بإذن الله تعالى. لقد عاهد شعبنا الكبير ربّه أن يتصدّى للظلم ويضرب على يد الظالم وينتصر للمظلوم بدون خوف أو تراجع. وبحول الله وقوّته سيثبت الشعب على هذا الدرب مهما كانت صلافة الخليفيين وظلمهم. ولديه إيمان عميق بأن لله سينصره وسيخذل أعداءه، أعداء الله والوطن والشعب والحرّيّة، وما ذلك على الله بعزيز.

اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفكّ قيد أسرانا يا رب العالمين

حركة أحرار البحرين الإسلامية
3 يناير 2025

زر الذهاب إلى الأعلى