بيانات حركة أحرار البحرين

البحرين: نضال عبر الأجيال من أجل الوجود والحقوق

بعد عقود من النضال الذي خاضته الشعوب من أجل الحرّيّة والديمقراطية، أصبح واضحا لديها أن شعارات الغرب لترويج الديمقراطية كانت فضفاضة في أفضل حالاتها وفارغة في أوسطها وتضليلا في أسوئها. وأصبح واضحا كذلك أن الغرب ليس قادرا على التعايش مع الاستبداد والديكتاتورية والظلم فحسب، بل أن سياساته تساهم في تغوّل الاستبداد وإضعاف الحراكات الهادفة لتحقيق قدر من العدالة والأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي. ولا يمكن للشعوب العربية أن تنسى الوعود والتصريحات التي انطلقت من القوى الغربية خصوصا أمريكا وبريطانيا بعد اندلاع أزمة الكويت، عندما برّر التحالف الغربي بقيادة أمريكا أن تدخله ضد العراق كان لأسباب من بينها ترويج الديمقراطية في المنطقة. وكرّر الغربيون تصريحاتهم وتلميحاتهم بدعم التحول الديمقراطي بعد اندلاع ثورات الربيع العربي، ولكن سرعان ما تراجعوا عن تلك التصريحات وفسحوا المجال لأنظمة القمع لتمارس أبشع أساليب التنكيل بحق المناضلين الداعين للتحول الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان. هذا التضليل الإعلامي والسياسي لم يتوقف، فما يزال حكام “العالم الحر” يدعمون الحكومات المهيمنة على شؤون الشعوب العربية ويتجاهلون أصوات الاستغاثة التي تنطلق من وراء القضبان مخاطبة من لديه ضمير ومشاعر إنسانية لإنقاذها من براثن الحكام الجائرين. وبرغم غياب الناصر، فقد صمدت تلك الشعوب في مواقعها ولم يفت في عضدها حالة التخاذل المستشرية في أوساط الأمة وبقية الشعوب.

في هذه الأثناء تصاعدت المدخولات المالية من مبيعات النفط، وبدأ صعود الاتجاهات اليمينية في الدول الغربية، ذلك الصعود الذي يجسد الرئيس دونالد ترامب أوضح مصاديقه، لتبدأ دورة أخرى من المماحكات السياسية والتراشقات الإعلامية حول الأنظمة السياسية في الشرق الأوسط. ومرة أخرى تبرز “إسرائيل” عنوانا للتواطؤ مع أنظمة الاستبداد التي ترى فيها حاميا لوجودها. وهكذا ارتبط دعم الاستبداد بتأمين أمن الاحتلال. فحين يلقى أكثر من 47 ألفا من الفلسطينيين مصرعهم على أيدي الاحتلال وقواته التي تقصف بدون رادع أو حدود، ويُقابل ذلك بصمت عربي مطلق، تتضح بعض جوانب الصورة التي يهدف الغربيون لرسمها في المنطقة. فأنظمة الاستبداد تحظى بحماية الغرب طالما تجاهلت أهل فلسطين وتعاونت مع الاحتلال في الجوانب الأمنية والسياسية والاقتصادية. إنه مأزق تاريخي عميق يكشف حجم نفاق النظام السياسي الدولي الذي أصبح ألعوبة بأيدي أمريكا التي توجهه على طريق دعم الاحتلال وضد رغبات الشعوب وتطلعاتهم. ولكن برغم الدعم الذي تحظى به “إسرائيل” فقد فشلت في تحقيق أمنها بعد مرور ثلاثة أرباع القرن على كيانها. فوعي الشعب الفلسطيني ونضاله الذي لم يتوقف، وإصراره على استعادة أرضه مهما كانت التضحيات، كل ذلك وضع الاحتلال في مأزق تاريخي لا يستطيع الخروج منه. لقد كان المحتلون وداعموهم يراهنون على استسلام أهل الأرض بعد أن يُثخنوا بالجراح وتتعمّق جراحهم ويتخلى القريب والبعيد عنهم. ولكنهم كانوا مخطئين، ويكفي النظر للمسيرات التي تخرج في العواصم الغربية داعمة لفلسطين لتتضح حيوية القضية واستحالة محوها من ذاكرة التاريخ..

وقد أدرك الخليفيون هذه الحقيقة، فهرعوا للتطبيع مع كيان الاحتلال في مقابل استمرار الدعم الأنجلو- أمريكي لنظام حكمهم الاستبدادي، وغض الطرف عما يجري لآلاف السياسيين المضطهدين الذين يرزحون في السجون أو المنافي. وعندما يشارك البحرانيون في مسيرات داعمة للاحتلال الإسرائيلي يقابلون عادة بقمع رهيب لقمع تلك المسيرات أولا، ثم حملة اعتقال تطال النشطاء حتى لو كانوا دون السن القانونية. إنها معادلة جائرة فرضت على المنطقة متجاوزة تطلعات شعوبها لا سيما في مجال النضال ضد الاحتلال والاستبداد. ويُتوقع استمرار هذا الوضع الراهن خصوصا مع استمرار تغييب النشطاء واضطهادهم بدعم من الأجهزة الامنية والاستخباراتية الغربية. والملاحظ أن البلدان التي تحتضن شعوبا واعية تمتلك كذلك سجونا واسعة تضم الآلاف من سجناء الرأي وعلى رأسهم علماء الأمة ونشطاؤها. أليس هذا ما يحدث في تونس؟ فأين هو الشيخ راشد الغنوشي وجماعته الذين غيّبوا وراء القضبان ومكثوا فيها دهرا. وما الذي يحدث في البحرين؟ أين هم علماؤها ورموزها؟ لقد قضى بعضهم حتى الآن أكثر من 14 عاما وراء القضبان بدون رحمة. وما يزال اضطهاد السجناء السياسيين ظاهرة تقلق النشطاء عموما. فأين هم كبار القوم الذين بلغ بعضهم سنّا متقدما كالأستاذ حسن مشيمع الذي يقضي العام السادس والسبعين من عمره معتقلا. لقد قضى هذا الرجل حتى الآن أكثر من عشرين عاما في طوامير التعذيب الخليفية حتى هرم وفتكت به الامراض في ظل غياب الرعاية الصحية الضرورية. مع ذلك فما يزال صابرا محتسبا وصامدا لا يتزحزح عن موقفه ومطالب شعبه. فماذا بقي من العمر؟ وما الذي ينتظر رجلا قياديا مثله في هذا السن المتقدم: إن لسان حاله يقول: وما عند الله خير وأبقى.

أي عالم هذا الذي يُراد إقامته في القرن الحادي والعشرين؟ أين هي القيم التحرّرية التي طالما تغنّى بها زعماء الغرب وأبواقهم الإعلامية والثقافية؟ كيف يمكن لأمن العالم أن يتحقق في ظل الظلم البشع الذي أحدث انشطارا قيميا وأخلاقيا وسياسيا في عالم اليوم؟ فهل يتحقق الأمن إذا لم يشعر المواطنون بأمنهم الشخصي وتوفر حرّيّاتهم الأساسية التي تتطلبها إنسانيتهم؟ هل هناك في المنظمات الدولية الكبرى كالأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي وبقية التحالفات الإقليمية من يفكر في المسار العالمي ومستقبل الحرّيّات والحقوق في عالم أصبح محكوما بالمصالح البحتة بعيدا عن الأخلاق والمباديء. مطلوب من النخب العلمية والثقافية والدينية تصعيد نشاطهم لتكريس تلك القيم لمنع انحدار العالم نحو الهاوية. فلا مجال للتراخي أو التخاذل أو التشبث بفرضيات غير واقعية بعدم جدوى ترويج قيم الخير والتسامح والأخوّة والرغبة في الاحترام المتبادل واقتسام الثروة بعدل ودعم المظلوم والتصدي للظالم. إن عالم القرن الحادي والعشرين أصبح ضحية لثورة المعلومات التي تتسم بالضحالة برغم سرعة وصولها للمتلقّين عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فلا بديل عن ترويج قيم الخير والإنسانية من أجل إقامة مجتمعات بشرية واعية من جهة ومن جهة أخرى مستعدة للتعايش المشترك الذي يتطلب التنازل عن بعض المصالح الذاتية من أجل الصالح العام.

في هذه الحقبة التي تمتحن فيها الأمة وشعوبها بالاحتلال والاستبداد لم يعد هناك مجال للتراجع عن الحقوق الأساسية لكل إنسان، وفي مقدمتها الحرّيّة والحقوق العامة والأمن. فالشعب الفلسطيني لم يتخلّ عن المطالبة باسترجاع أرضه، وقد بقي آلاف اللاجئين في المخيّمات عقودا رافضين الخروج من أرضهم، فشكّلوا بذلك أزمة للمحتل وداعميه. وبقيت فلسطين قضية متحرّكة لدى الملايين. وشعب البحرين هو الآخر، متشبث بحقوقه واسترجاع سيادته التي سلبها الخليفيون. وبقي منذ أكثر من خمسين عاما صامدا في موقفه، مصرّا على نيل حقوقه، ممستصغرا كيد الخليفيين المحتلّين، ومؤكدا على حقّه في استرداد أرضه ووطنه وحرّيّته. إنه يعلم أن طريق النضال طويل وصعب وشاق ومكلف، ولكنه ارتضى ذلك الطريق وسارت عليه أجياله التي شهدت السجون بثباتها وجرأتها واستبسالها في معركة تطورت لتشمل الوجود والحقوق. وليس هناك في العالم من يقبل بالتخلي عن حقه في الوجود، مهما كانت شرور الطرف الهادف للقضاء عليه. وما لم يطرأ تغيير حقيقي على عقلية الحكام الخليفيين، فسوف يستمر التوتر السياسي والأمني بدون توقف، وستظل ثورة الشعب قائمة، تزلزل أركان الطغيان والاستبداد، وتضع الأسس لمستقبل واعد، فذلك وعد الله لمن يواصل درب النضال والجهاد ولا يركن للظلم والظالمين.

اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين

حركة أحرار البحرين الإسلامية
24 يناير 2025

زر الذهاب إلى الأعلى