بيانات حركة أحرار البحرين

ذكرى ثورة البحرين من أجل الحرّيّة: بانتظار النصر الإلهي المحتوم

في مثل هذا اليوم قبل 14 عاما انطلقت ثورة الشعب في البحرين لتضع الشعب والبلاد على طريق الحرّيّة والكرامة والحقوق. كان ذلك في ذروة الربيع العربي الذي كان قد بدأ في إثر ما حدث في تونس. فقد حقّقت ثورتها قدرا من الإنجازات على رأسها سقوط رئيسها زين العابدين بن علي في 25 يناير 2011. وكان الشعب التونسي قد انتفض ضد نظامه بعد أن تعرض أحد مواطنيه لإهانة علنية على يدي أحد عناصر أجهزته الامنية. وكان استشهاد الشاب محمد بوعزيزي الشرارة التي أشعلت نيران الغضب ليس في تونس فحسب بل في عدد من البلدان العربية. شعب البحرين استجاب لنداء الثورة، فهرع إلى الشوارع مطالبا بالتغيير السياسي، وبدلا من استجابة الخليفيين لذلك النداء أطلقوا النار عليهم وقتلوا أول شهداء الثورة: علي عبد الهادي مشيمع وذلك في 14 فبراير 2011. فكانت دماؤه وقودا لكبرى الانتفاضات الشعبية التي استمرت تداعياتها حتى الوقت الحاضر. فما يزال هناك أكثر من 400 سجين سياسي من بين آلاف اعتقلوا في إثر ذلك وفي مقدمتهم رموز الوطن والشعب مثل الأستاذ عبد الوهاب حسين، قائد أولى التظاهرات بعد صلاة الفجر من ذلك اليوم، وحسن مشيمع والشيخ علي سلمان والدكتور عبد الجليل السنكيس والشيخ عبد الجليل المقداد والشيخ محمد حبيب المقداد والشيخ سعيد النوري والشيخ عبد الهادي المخوضر وسواهم.

يقف شعب البحرين اليوم رافعا هامته وهو يبدأ العام الخامس عشر من ثورته المظفرة بعون الله تعالى. صحيح أنه ما يزال يئن بآلامه ويداوي جراحه، ولكنه أصبح أكثر ثقة بحتمية التغيير وأن جراحه لن تطيب إلا بسقوط نظام العصابة الخليفية التي ارتكبت من الجرائم بحق الوطن والشعب ما لا يحصى. فقادة الثورة يرزحون وراء القضبان منذ منتصف مارس من ذلك العام، حيث اعتقلوا بعد العدوان السعودي – الإماراتي على أراضيه وثورته. وبرغم الفترة الطويلة التي قضاها المعتقلون السياسيون وراء القضبان لم يتراجع الشعب عن مطالبه العادلة، ولن يرضخ يوما للاحتلال الخليفي الذي يزداد غربة عن الوطن والشعب كل يوم. فقد ازداد قمعه وتكثف ظلمه وقلّ حياء رموزه، فها هم يصافحون أعداء الأمة ويتنكّرون لفلسطين ويتحالفون مع المعتدين والمحتلين بلا تردد. إنها واحدة من الحقب التاريخية السوداء التي تمر بهذا الوطن والشعب، والتي سعت الأجيال المتعاقبة وما تزال، تناضل لتجاوزها. هذه الحقبة السوداء الكالحة هي الأسوأ منذ الاحتلال الخليفي للبلاد، والأشد إجراما وظلما وتجاوزا للحدود والحقوق. الجانب الإيجابي في الواقع الحالي ظاهرة الإصرار الشعبي على التغيير، وعدم إبداء الضعف أمام العدوان الخليفي المتواصل. فالأمهات يشاركن في الاحتجاجات والتظاهرات, والثاكلات يتردّدن على المقابر لقراءة القرآن عند قبور شهدائهن، وهنّ يشعرن بالفخر والكرامة، حتى أصبحت تسمية “أم الشهيد” جاذبة لهن ويرفضن التسميات الأخرى.

لقد كان الربيع العربي طفرة في أداء الشعوب العربية التي تناضل من أجل حقوقها منذ عقود. ولذلك كان استهدافه من قبل الغرب وأعوانه المحليين شرسا. فما أكثر الشهداء الذين فقدوا أرواحهم وهم يهتفون من أجل الحرّيّة. وما أكثر المعتقلين السياسيين الذين اعتقلوا وتعرضوا لأبشع أشكال التنكيل والاضطهاد، ومع ذلك لم يهنوا ولم يحزنوا ولم يتراجعوا. وما أكثر التقارير الحقوقية الدولية التي تصدر بشكل متواصل لتسليط الضوء على معاناة الضحايا وقمع الأنظمة. ولكن يبقى بعدٌ واحد يشغل بال الكثيرين في عالمنا العربي، وهو موقف دول ما يسمى “العالم الحر” من الحراكات الشعبية، وتماهيها مع أشد الأنظمة ديكتاتورية واستبدادا وقمعا. فهذه الدول مستمرة في التعامل السياسي والاقتصادي مع الاستبداد بدون حدود. وما تزال الخبرات الأمنية الغربية تجد طريقها إلى وزارات الداخلية في الدول التي تضطهد شعوبها بوحشية. ولا يجد المسؤولون الغربيون غضاضة من الاجتماع مع الحكومات الجائرة بدون أن يكون لحقوق الإنسان مكان في تلك الاجتماعات. لقد أصبح العالم متواطئا في الانتهاكات الحقوقية علنا. وتمثل أمريكا القوة الكبرى الداعمة للاستبداد والمتماهية مع الظلم وانتهاك حقوق الانسان. ولذلك يجد المناضلون أنفسهم في صراع متواصل ليس مع أنظمة الحكم التي يرزحون تحتها فحسب، بل مع الحكومات الداعمة لها والمتواطئة معها. مع ذلك فإن ذلك لا يفت في عضد المناضلين الذين يتصدرون الاحتجاجات والتظاهرات مع علمهم بحتمية الاعتقال والسجن والتنكيل. أليس هذا ما يحدث في البحرين التي لم تتوقف احتجاجات شعبها طوال الأربعة عشر عاما الماضية؟ ولذلك تتواصل الاعتقالات التي شملت كافة الفئات العمرية. وفي الأسابيع الأخيرة اعتقل العديد من الأطفال الذين لم يبلغوا الثامنة عشرة من العمر. وبرغم ذلك لم يتوقف الحراك الشعبي ولم يتردّد الأحرار في المشاركة بتلك الاحتجاجات.

وماذا بعد؟ إن الربيع العربي لا يمكن اعتباره نهاية لصحوة الشعوب العربية التي حرّكها دم الشهيد التونسي فانطلقت في ميادين الحرّيّة والكرامة والشرف. وبرغم تعرضها للقمع الرهيب الذي مارسته قوى الثورة المضادة بقيادة أمريكا، فهي تغلي في داخلها وتتحيّن الفرصة لتجديد الانطلاق الثوري الهادف للتغيير والرافض للاستسلام. لقد ثبت عجز القوة العسكرية عن كسر إرادة التغيير المختزنة في نفوس الأجيال العربية المتعاقبة. فما الذي حققته القوات السعودية والإماراتية التي اجتاحت البحرين وشاركت في القمع الذي أدى لاستشهاد المئات واعتقال الآلاف؟ صحيح أن الحكم الخليفي ما يزال متربّعا على السلطة ويرفض القيام بأي إصلاح سياسي، ولكن ما أكثر هزائمه السياسية والأخلاقية والنفسية. فلولا صمود الشعب لما أرغم على الإفراج عن بعض السجناء، ولما وجد نفسه عاجزاعن منع الاحتجاج والتظاهر بدون توقف. لولا علم الخليفيين بصلابة الموقف الشعبي واستحالة هزيمته، لضاعفوا اضطهادهم وأنماط قمعهم. لقد أدركوا حقائق عديدة: أولاها أن الثورة التي انطلقت في 14 فبراير 2011 استحالت على القمع وبقيت مشروعا خاصا بالشعب يحرّكه متى ما يشاء بمحض إرادته

 ثانيها: أن البلد لن يهدأ وأن الأمن لن يسود إلا بالإصلاح السياسي الحقيقي الذي يطالب به الشعب وفي مقدمة ذلك كتابة دستور عقدي جديد وانتخاب برلمان حرّ يقوم بتعيين حكومة منتخبة. ثالثها: أن القوى الأجنبية التي تدخلت عسكريا لدعم الخليفيين وقمع البحرانيين لم تحقق مكاسب سياسية، بل ارتكبت حماقات وجرائم ستظل مكتوبة في سجلّاتها، وسوف يحلّ اليوم الذي تحاسب فيه عليها. رابعها: أن الشعب البحراني اكتسب خبرة واسعة في النضال السياسي والتعبئة الشعبية والصمود الأسطوري، وأن ذلك جعله قوة سياسية يخشاها الخليفيون وداعموهم، ويعلمون أنه لولا تضافر جهود قوى الثورة المضادة لما بقي الخليفيون في الحكم. خامسها. أن توسيع السجون واعتقال الآلاف أرهق كاهل الطاغية الخليفي وعصابته، فأرغم على الإفراج عن بعضهم، وسعى للتذاكي بطرح ما يسميه “العقوبات البديلة” و “السجون المفتوحة” خصوصا بعد ان انتقلت الثورة إلى السجون، وأصبح المعتقلون السياسيون مصدر تهديد للنظام من وراء القضبان.

في هذه المناسبة التي استعد الشعب لإحيائها والاحتفاء بها يجدّد الأحرار البحرانيون عهدهم مع قادتهم وشهدائهم وشعبهم بالاستمرار في رفع راية التغيير التي ارتفعت في 14 فبراير 2011 وبقيت مرفوعة في دوار اللؤلؤة وما تزال أيدي الأحرار ترفعها في الاحتجاجات والتظاهرات. سيظل صوت الشعب هادرا، وسيبقى المناضلون في حالة يقظة دائمة وسيظل الشعب حاضنا للثورة وأبنائها وشريكا في صناعة التغيير. وبالمناسبة تخفق قلوب الثائرين وأمهات الشهداء وسجناء الرأي داعية ربها بتحقيق النصر المؤزر لهذا الشعب ودحر المحتلين الخليفيين وداعميهم خصوصا من شارك في الاجتياح والاحتلال.

اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين

حركة أحرار البحرين الإسلامية
14 فبراير 2025

زر الذهاب إلى الأعلى