بيانات حركة أحرار البحرين

الجوع سلاحًا: إضراب سجناء البحرين مجدّدا

ليس سرّا القول بأن الجوع هو السلاح المتاح لدى المعتقلين السياسيين في البلدان التي تعاني من القمع والاضطهاد. فما أكثر التنكيل والظلم الذي يعاني منه المغلوبون على أمرهم وراء القضبان، ولكنهم لا يستطيعون منع حدوث ذلك، فيجتهد بعضهم بممارسة ما هو متاح من أساليب الاحتجاج. وسجناء البحرين عانوا كثيرا على مدى أكثر من نصف قرن، ليس منذ الانسحاب البريطاني فحسب، بل حتى عندما كانوا يودعون في الزنزانات الخشبية “الصندقات” في سجن سافرة في النصف الثاني من الستينات. يومها كان نشطاء انتفاضة مارس 1965 قد اعتقلوا وعذّبوا وذاقوا أصناف العذاب. وقد سعى بعضهم للضغط على السجّانين بالامتناع عن تناول الوجبات مطالبين بنقلهم إلى سجن جو الذي افتتح في نهاية الستينات. هنا كان الجوع سلاحا ضد الظلم الخليفي الذي كان يمارَس آنذاك في ظل الحماية البريطانية التي انتهت نظريا بانسحابهم في العام 1971. وقبل أيام أعلن 4 سجناء محكومين بالإعدام في مبنى 1 بسجن جو، وعدد من نزلاء سجن جو (مبنى 3) إضرابا عن الطعام احتجاجًا على الظروف القاسية التي يتعرضون لها داخل السجن، وذلك في خطوة تصعيدية بعد تزايد انتهاكات حقوق الإنسان داخل السجن.

الامتناع عن الأكل استخدم وسيلة للضغط على سلطات السجن للقيام بإصلاحات إدارية تساهم في التخفيف من وطأة الحبس وآلامه. وهذا ما فعله الثوار الأيرلنديون في سجن “ميز” السيء الصيت. يومها كان هؤلاء السجناء الذين انتفضوا ضد ما اعتبروه “احتلالا بريطانيّا” لآيرلندا الشمالية يقاسون من وطأة السجن ولم يجدوا من وسيلة للضغط من أجل تحسين أوضاعهم سوى الإضراب عن الطعام. ويمكن القول أن تجربتهم كانت فريدة من نوعها، فقد بدأ أحدهم، بوبي ساندز، ذلك الإضراب حيث امتنع عن تناول الطعام أكثر من ستين يوما حتى توفي جوعا في مايو 1981 بعد ان تداعى جسده وخارت قواه. ثم بدأ بعده سجين إيرلندي آخر إضرابه عن الطعام حتى توفي، واستمر المعتقلون يتناوبون على الإمتناع عن الطعام حتى توفي منهم عشرة أشخاص على مدى سبعة شهور (1 مارس – 3 أكتوبر 1981). كان ذلك في ذروة النزاع بين الجيش الجمهوري الأيرلندي والقوات البريطانية، ذلك النزاع الذي لم يتوقف إلا بعد التوقيع على ما يسمى “اتفاقية الجمعة السوداء” في العام 1998.

التجربة الأيرلندية لم تتكرر، بمعنى أن الإضراب عن الطعام الذي قام به معتقلون سياسيون في بلدان عديدة لم يؤد لوفاة المضربين إلا نادرا. فقد تعلّم السجناء السياسيون وإدارات السجون من التجربة البريطانية التي كانت الأبشع من نوعها حيث كان الرأي العام ينتظر وفاة المضربين عن الطعام، الواحد تلو الآخر، فكان لذلك أثر كبير على مسار النزاع الذي اشتد بعد ذلك ولكنه تراجع بعد أن أدرك الطرفان استحالة استمرار الوضع على ما كان عليه. فحتى الحكومة البريطانية التي كانت معروفة بتشددها في سياساتها وجدت نفسها مضطرة لتقديم التنازلات من أجل التوصل إلى صيغة لفضّ النزاع الذي قضّ مضاجع الكثيرين من الطرفين.

في الأيام الماضية تكررت تجربة الإضراب عن الطعام في سجون البحرين بعد أن شعر المعتقلون السياسيون أن العصابة الخليفية تصر على اضطهادهم وإساءة معاملتهم وانتهاك حقوقهم. فمنذ سنوات كان هناك استياء من أمور عديدة منها: أولا: التعذيب والتنكيل والاضطهاد الذي كان السمة العامة للتعامل مع السجناء. ثانيا: المعاملة القاسية التي يمارسها مسؤولو السجون مع سجناء الرأي، تارة بالتعذيب المباشر، واخرى بالازدراء والإهانة، وثالثة بشتم معتقدات السجناء البحرانيين، ورابعة بحرمانهم من الزيارات العائلية، وخامسة بعدم توفير العناية الصحية لهم. ونجم عن هذه المعاملة وفيات عديدة في اوساط السجناء كان آخرها الشهيد حسين الرمرام العام الماضي. وقد سعى السجناء السياسيون للتعامل مع الوضع بروح مسؤولة، فكتبوا الرسائل للمسؤولين والتمسوا منهم تحسين أساليب الإدارة واحترام حقوق السجناء. وبلغ التوتر حدته في شهر من العام الماضي عندما حدثت انتفاضة شديدة في سجن جو في إثر

المضربون الجدد يتزايد عددهم مطالبين بتحسين أوضاعهم وظروف اعتقالهم. فقد حرموا من إأحياء شعائرهم الدينية وعندما سعوا لإحياء بعضها كان نصيبهم المزيد من القمع والتشديد. ومع حرصهم على إقامة صلاة الجماعة فكثيرا ما تعرضوا للمنع والمزيد من الاضطهاد. وجاءت عقوبة السجن الانفرادي لتزيد من غضب المعتقلين السياسيين. فهو حكم على السجين بالإبعاد عن البشر والعيش بين جدران أربعة لفترات طويلة، وهو أمر مناف للفطرة البشرية التي تعشق الالتقاء بالبشر. إنه تعذيب نفسي يترك آثارا أكبر من التعذيب الجسدي المباشر. ومع استمرار هذا النمط من التعامل تتعمق أزمة الشعب مع هذا الحكم البائس الذي لا يرعوي عن مضاعفة عذاب الضحايا، مدعوما بقوى أجنبية لا تقيم وزنا حقيقيا لحقوق الإنسان، بل تتعامل مع الآخرين بمنطق القوة ولا مكان للقيم أو الأخلاق في قاموسها. وبدلا من انتهاج سياسة تؤدي لانفراج الأوضاع وتطوير الأوضاع السياسية والحريات العامة، يشعر المعتقلون السياسيون بالمزيد من الظلامات التي تدفعهم لتصعيد مطالبتهم بالتغيير السياسي. ومع هيمنة الحكم على وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني تحولت البلاد إلى ثكنة عسكرية تزداد تضييقا على قاطنيها. وهكذا تستمر ظاهرة التوتر السياسي بدون توقف، وتتضاعف أعداد ضحاياه، وتتقلص مساحات الحرية بشكل مضطرد.

هذه الحقائق من أسباب استمرار الأزمة السياسية في البحرين منذ عقود، وفشل كافة محاولات احتوائها أو القضاء عليها. فالقمع لا يخمد الأزمات ولا يقضي على أسباب الغضب المختزن في نفوس الكثيرين. فما الذي يخسره المضطهدون والمحرومون وضحايا التعذيب بعد أن أدركوا استحالة تحسين أوضاعهم في ظل هيمنة العقلية الحاكمة، وتفريغ المؤسسات من محتواها الأخلاقي والسياسي، وتحويلها ألى أدوات للتضليل والتشويش وتلميع صورة النظام القبيحة؟ ولذلك يشعر المواطنون والجهات التي اعتقدت أن بإمكانها إحداث تغيير من داخل مؤسسات الحكم بعجزهاعن تحقيق شيء من ذلك، وأن وجودها إنما يخدم الحكم ويساهم في تلميع صورته وسمعته. هذا هو الظاهر، أما الحقيقة فلا يستطيع نظام حكم الاستمرار في القمع والاضطهاد وتجاهل مطالب المحكومين، مهما امتلك من أدوات القمع وأساليب التضليل والتشويش. شعبنا البحراني يعلم، بفضل إيمانه الثابت بالغيب والقدرة الإلهية وحتمية نفاذ القوانين الإلهية، أن ما يمارسه إنما هو واجب ديني وضرورة إنسانية. فالله خلق الإنسان حرّا ولا يرضى باستعباده من قبل البشر الآخرين. ولذلك أمره بالتصدّي للظلم والاستبداد والانحراف، واعتبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إحدى المسؤوليات المطلوب من المؤمن القيام بها، واعتبر أن التخلي عن ذلك كان من أسباب سقوط الأمم السابقة: كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه.

مع اقتراب شهر رمضان المبارك، تتجلى عظمة الصوم وما ينطوي عليه من دروس للإنسان الساعي للتحرر من الاستهلاك الذي يفرض على الإنسان عددا من الظواهر: النهم، الجشع، تجميد العقل، السقوط أمام الغرائز والملذات، التبعية للشيطان. سيجد المضربون عن الطعام خلال الشهر الفضيل أنهم منسجمون مع الأوامر الإلهية المنسجمة مع الفطرة والغريزة البشرية. فلن يشعروا بالجوع والعطش، بل سيعيشون لذة الطاعة خلال الشهر الكريم وهم في عزلة عن المجتمع. سيرون في مجتمع السجن الصغير مدرسة للصبر والاستقامة والثبات، وسينظرون إلى سجّانيهم بعين الرأفة والشفقة، وسيرون في وجوههم آثار الخنوع والقبول بالاستعباد. أمّا هم فسوف ينتابهم الشعور بالرفعة والعلوّ والحرّيّة. فطوبى للصائمين وهم يرزحون في قيود الطغاة، إنهم يشعرون بالحرّيّة الحقيقية خصوصا في شهر الصوم والمغفرة والرحمة. طوبى لكم بما صبرتم ونعم عقبى الدار

اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفكّ قيد أسرانا يا ربّ العالمين

حركة أحرار البحرين الإسلامية
21 فبراير 2025

زر الذهاب إلى الأعلى