بيانات حركة أحرار البحرين

بانتظار “الانفجار الكبير” وسقوط الطغاة

مع اقتراب عيد الفطر المبارك نتقدم للأمة والمسلمين وشعبنا الكريم ومعتقلينا الأبطال بألتهاني والتبريكات، داعين الله أن يمنّ على الجميع بالخير والبركة، وأن يحرّر أوطاننا وأسرانا من الظلم والارتهان والاحتلال.

بين الصلاة في المساجد المهدومة والوقفات المطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين والاستدعاءات التي طالت عددا من المواطنين، ووقفات التضامن مع أهل غزّة، قضى البحرانيون شهر صومهم، وهم أشد ارتباطا بربّهم وإيمانا بحتمية انتصار الوطن والشعب، وأقوى اهتماما بقضايا الأمة. لقد كان شهرا حافلا بالفعاليات واللقاءات ومد جسور التواصل بين أبناء الوطن من جهة وبينهم وبين أبناء الأمة من جهة ثانية. لقد استوعبوا معنى الصوم وأهمية شهر رمضان المبارك ودوره في ترشيد النضال الوطني من أجل الحرّيّة الكاملة. فقد استوعبوا الحكمة من هذه العبادة واستطاعوا، بإيمانهم وثقتهم بربهم، هزيمة الشيطان بجدارة. فهل الصوم إلا التمرّد على الشهوات والنزوات والرغبات، وهل هو إلا كسر إرادة الشيطان، بكافة تجلّياته، ومنها الحاكم المستبد الذي يضع نفسه موضع الربوبية ويسعى لاسترقاق البشر واستعبادهم. فإذا استطاع الصائم إعادة صياغة نفسه وأولوياته وفق ما يريده الله سبحانه من ضوابط لصحّة الصوم، أصبح أكثر قربا من الله سبحانه الذي يريد لعباده الحرّيّة والعزة والكرامة، ويكره لهم أن يرضوا بالانقياد للشياطين. وكما تكرر ذكره، فقد أكد رسول الله صلى الله ع ليه وآله وسلم في خطبته مستقبلا الشهر الكريم أن الشياطين فيه مغلولة، فادعوا الله أن لا يفكها عليكم. وحتى الحكام الطغاة الذين يتصرّفون مع مواطنيهم بالغلظة والقسوة والتنكيل، كما هو الحال في البحرين، يجدون أنفسهم ملزمين بالقدر الأدنى من الأخلاقيات والسلوك، فيحاولون تقليص مساحات الاحتكاك مع المواطنين لمنع الاحتكاك والتوتر.

برغم ذلك لم يكن الشهر الكريم خاليا من الاستهتار الخليفي المقيت. ففيما أصرّت على إبقاء المعتقلين السياسيين وراء القضبان برغم أن بعضهم دخل عامه الخامس عشر وراء القضبان، سعت لقمع أي مظهر لاستذكار السجناء السياسيين أو الشهداء الذين قتلهم الخليفيون. فوجد العديد من المواطنين الذين توجهوا للمقابر لقراءة القرآن على أرواح شهداء الوطن مستهدفين بالاستدعاء للتحقيق والتنكيل والتهديد بالسجن، ومن هؤلاء عبد المجيد عبد الله (الحاج صمود) والأستاذ علي مهنا والحاج علي همّام وبعض آباء الشهداء. فقد كان توجه بعض هؤلاء ألى قبور الشهداء لتلاوة القرآن كافيا لشن حملة عدوانية خليفية عليهم. السبب؟ أنهم اعتقدوا أن قتل المواطنين سوف يزيلهم من الساحة السياسية ويجعلهم طيّ النسيان، وبذلك تتقلص مساحة المعارضة للاستبداد والتنكيل. ولكنهم فوجئوا بعمق التضامن الشعبي مع الضحايا واستعدادهم لتحدّي الإرادة الخليفية بشجاعة واستبسال. وهكذا أظهر شهر الصوم ثبات الشعب على مبادئه ومواقفه وإصراره على تحقيق المطالب المشروعة وفي مقدمتها استرداد الحرّيّة وكسر شوكة الاستبداد. ولذلك شهدت ليالي الشهر احتجاجات ووقفات من أجل الحق المشروع الذي سلبه الطغاة. كما وجدوا أنفسهم مدفوعين للتضامن مع ضحايا الاحتلال الإسرائيلي والعدوان الوحشي المتواصل الذي أدّى لاستشهاد مئات الفلسطينيين، أكثرهم من النساء والأطفال، في القصف الجوّي الذي لم سمح للصائمين بالأمن أو الهدوء وهم يقضون أيام رمضان ولياليه بين الأنقاض.

المواطنون لم ينسوا الاحتلال السعودي – الإماراتي البغيض في ذكراه الرابعة عشرة، ولم تغب عن ذاكرتهم المشاهد الدموية التي حدثت بسبب ذلك الاحتلال الذي يعتبر من أشد الصفحات سوادا في تاريخ حكام البلدين. فبعد أن اخترقت قواتهم حدود البحرين وسيادتها، وعبرت جسر البحرين – السعودية في الرابع عشر من مارس 2011، وذلك بعد شهر واحد فحسب من اندلاع كبرى ثورات البحرين، بدأت الوضع يزداد سوءا، فتصاعدت وتيرة القمع واستخدمت الذخيرة الحيّة لقتل البحرانيين في الشوارع، وتمثّل هامة الشهيد أحمد فرحان المفضوخة شاهدا لذلك العدوان الذي عمّق أزمة الوطن والشعب ودفع القضية إلى أبعاد جديدة وآفاق مخضوبة بالدم. فكان اعتقال الرموز ا لأبطال في مثل هذه الأيام من ذلك العام بداية لتوسيع العداء بين الطرفين، الشعبي والخليفي، وهو عداء اتخذ أبعادا إضافية بتحالف الحكم ا لخليفي مع الاحتلال الصهيوني الذي استهدف فلسطين وأهلها منذ عقود. كما جاء تدمير ميدان اللؤلؤة الذي شهد كبرى التجمعات الوطنية على مدى شهر ليضيف جريمة أخرى للقائمة السوداء من الجرائم الخليفية التي لا تُحصى.

لكل ذلك تجاوزت القضية كافة الأبعاد وتحوّلت إلى صراع وجودي مفتوح من أجل الحرّيّة والحقوق والإنسانية، وانقطعت كافة حبال التواصل بين البحرانيين والخليفيين. فأصبحت علاقة الطرفين تتسم بالعداء ولا تجد فضاء للتحسّن أو التحوّل إلى مشروع تعايش مستقر بين الطرفين. ومع مرور السنوات ازداد الوضع تأزما مع توسيع السجون وتعميق أنماط التنكيل والاضطهاد، وتعمّق المنحى الطائفي والأيديولوجي للصراع المحتدم منذ الاحتلال الخليفي للبلاد. ويصعب التنبّؤ بنهاية لهذا ا لصراع. فحتى لو تحرّر المعتقلون السياسيون من السجون ا لخليفية نتيجة الصمود الشعبي والضغوط الدولية، فلن تعود المياه إلى مجاريها بين الطرفين، وستظل الظلامة عنوان للمشاعر البحرانية ، والسبب أن أكثر من خمسين عاما من الاضطهاد الممنهج أحدث حالة استقطاب غير مسبوقة في البلاد، وعمّق مشاعر السكان الأصليين بالظلامة التاريخية التي استمرت بدون انقطاع أو توقف.

ولا شك أن استدعاء القوات الأجنبية للمساهمة بالفتك بالمواطنين وكسر شوكة ثورتهم عمّق الشعور الشعبي بأنه محكوم من عصابة مصمّمة على تدمير الوطن بأي ثمن، وأنها مستعدة لإراقة الدم للحفاظ على هيمنتها وحكمها الجائر. وربما اعتقد الطاغية وعصابته أن الأزمة سوف تنتهي بوقف حركة الشارع ومنع التظاهرات والاحتجاجات، ولكن أظهرت السنوات اللاحقة أن ذلك الافتراض غير واقعي، وأن تأجيل الحل لن يوفر للحاكمين أمنا استراتيجيا، لأن أسباب التوتر قائمة، ولم يتم التعاطي مع مطالب الشعب الذي خرج في ثورته المظفرة بحماس منقطع النظير. ويكفي معاينة التظاهرات العملاقة التي جاءت بعد الانقلاب الخليفي على الشعب واستقدام قوات الاحتلال لاستيعاب حقيقة الغضب الشعبي الذي يعتمل في النفوس، ويظهر عمق الإصرار الوطني والشعبي على التغيير. وفي هذا المسار الطويل استشهد المئات وبقيت أرواحهم ترفرف في سماء البلاد، لتردد هتافات الثائرين، ولتكسر الصمت ا لذي يفرضه الطغاة على الشعب من خلال تكميم الأفواه والاعتقال على الظن والريبة واضطهاد الأغلبية الساحقة من السكان الأصليين. الشعب لا يريدها طائفية، كما يرفض محاولات النظام جرّه إلى العنف، ويصر على مواصلة طريق التغيير بالوسائل السلمية المتاحة، وسيظل على هذا الطريق حتى يتحقق النصر الإلهي الموعود.

كثيرا ما قيل أن ذاكرة الشعوب قصيرة، وأنها سرعان ما تتناسى آلامها وتفتح صفحات جديدة مع حكامها إذا غيّروا أساليبهم في التعامل. ومن الضروي توضيح حقيقة مهمة. فالقبول بأنصاف الحلول لا يحل الأزمات، بل يؤجّلها، والتأجيل ينطوي على مخاطر كبيرة، لأنه يؤدي إلى تراكم الأزمات وزيادة تعقيداتها. وهذا يفسرجزئيا لماذا تفاقمت الأزمة البحرانية المعاصرة، حيث بدأت بمطالب محدودة عبّر عنها المرحوم الشيخ محمد علي العكري في العام 1979، ثم تحوّلت إلى حركة في الشارع على أيدي مجموعات شبابية في الثمانينات، اعتقلت وعُذّبت واكتظت بها سجون سافرة وجدة والقلعة. وحيث أصرّت العصابة ا لحاكمة على الا ستمرار في سياسات القمع، استمرت الأزمة حتى حدثت قضية الكويت في 1990، التي طرحت في إثرها العريضتان ا لنخبوية والشعبية. وبدلا من التعاطي الإيجابي مع هذه العرائض رفض الحاكم آنذاك، عيسى بن سلمان، استلامها. وما هي إلا شهور حتى اندلعت انتفاضة التسعينات، واستمرت قافلة الشهادة تحصد أرواح البحرانيين حتى توقفت الانتفاضة بعد إطلاق وعود خليفية بحتمية التغيير والعودة إلى الدستور. ولمّا لم يحدث ذلك وصل الوضع متوترا إلى حقبة الربيع العربي لينفجر الوضع في البحرين بشكل أشد مما حدث في الماضي، واندلعت كبرى الثورات في ا لبلاد، وما تزال آثارها مستمرة حتى ا لآن. والواضح أن الحاكم وعصابته عاجزون عن استيعاب رسائل الشعب لهم، ولا يستبعد انفجار الوضع مجددا بشكل أكثر شمولا ودموية. هذه المرّة لن يجد الخليفيون أمامهم من سبيل سوى الاستسلام لإرادة الشعب. هذا ما يسعى إليه المواطنون، وما يمكن أن يحدث في المستقبل غير البعيد. فلا مجال لهزيمة شعب مصمم على التغيير، مهما كلّف الأمر.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين

حركة أحرار البحرين الإسلامية
28 مارس 2025

زر الذهاب إلى الأعلى