بيانات حركة أحرار البحرين

الليالي الرمضانية في زنزانات الخليفيين: عبادة خالصة برغم الاضطهاد

نبارك للمؤمنين حلول منتصف شهر رمضان المبارك، وذكرى مولد الإمام الحسن بن علي عليه السلام، داعين الله أن يوفق الجميع للصلاة والدعاء وتلاوة القرآن وتعميق الاتصل بالله وقطع الأواصر مع ا لشيطان وأعوانه وتجلّياته.

مسلسل الاعتقالات والتنكيل والاضطهاد لا يتوقف في هذا البلد الذي ابتلاه بعصابة تمارس الإجرام على أوسع نطاق. هذه العصابة لا تمنح المواطن حصانة من التعرض للاضطهاد والظلم، بل تنظر إليه بعين الشك والريبة والكراهية. ولذلك ما أن يسعى مواطن للإصلاح أو يتصدى للظلم أو يسعى لرفع الظلامة عن الضحايا، حتى تنقض عليه وحوش النظام لتفترسه. حدث ذلك ماضيا وما يزال ممارسة متواصلة تهدف لكسر شوكة السكان الأصليين (سنّة وشيعة) لكي لا تكون هناك مطالبة بالحقوق أو تحرك نحو الحرّيّة والإنسانية. فعندما استدعي الأستاذ علي حاجي، الناشط الحقوقي المعروف، اعتقد البعض أنه محاولة خليفية لإصلاح الأوضاع ومد الجسور مع النشطاء، والسعي لتبييض الصورة الكالحة للحكم الخليفي البغيض. ولكن سرعان ما اتضحت الرسالة الخليفية للوطن والشعب: سنعاقب كل من لا يساير سياساتنا، ولا يهمنا ما يقوله الآخرون. فما عسى أن يفعله العالم الغارق في همومه ومشاكله وأزماته؟ وهل هناك من أنظمة الغرب من يرفع راية حقوق الإنسان عن قناعة راسخة؟

في عالم ينساق زعماؤه في عملهم السياسي من منطلق المنفعة وليس المبدأ، يتعامى أكثرهم عما يحدث من انتهاكات لليبشر في البلدان الأخرى. وبرغم ما يقال عن إحراز تقدم كبير في مجال حقوق الإنسان، فإن الواقع لا يؤكد ذلك عمليا. لقد كانت موضوعة حقوق الإنسان رائجة في حقبة الحرب الباردة بين الشرق والغرب، وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي طرحت كذلك في النصف الأول من التسعينات. ولكنها لم توضع موضع التنفيذ. وجاءت حرب العراق لاحقا، وطرحت تساؤلات كثيرة عما إذا كان الغرب جادا في دعم ا لتحول الديمقراطي في الشرق الأوسط، ولكن سرعان ما تغلب منطلق المنفعة مرة أخرى وتم تجاهل المطالبة باحترام حقوق الإنسان ودعم التحول الديمقراطي. وعاش العالم العربي بعد ذلك حقبة من الاضطهاد الرسمي للشعوب حتى حدث الربيع العربي. ومرة أخرى ارتفعت المعنويات وتصاعدت الآمال بحدوث تحولات ديمقراطية في العالم العربي. ومرة أخرى التقت مصالح الغرب مع أ،ظمة الاستبداد في المنطقة، فقرر الغربيون دعم تلك الأنظمة التي مارست أبشع وسائل التنكيل بحق الشعوب في المرحلة ا للاحقة، ووجد من تصدّوا لمشروع ا لتحول الديمقراطي أنفسهم وراء القضبان. فها هو الشيخ راشد الغنوشي ورفاقه يرزحون في سجون تونس بأمر من رئيسها . ووجد رموز البحرين كذلك أنفسهم مستهدفين على نطاق واسع. ويرزح هؤلاء الرموز وراء القضبان منذ أكثر من اربعة عشر عاما بدون أن تنطلق دعوة غربية واحدة للإفراج عنهم.

ما الذي يحدث في هذا العالم؟ وإلى أين تسير مصائر شعوب أمتنا العربية والإسلامية؟ لقد عاشت حقبا سوداء كالحة في الماضي ا لقريب، وكان هناك أمل بانتهاء تلك الحقبة، ولكنها استمرّت وتصاعد فيها القمع والاضطهاد بمستويات غير مسبوقة. حتى أصبح العالم العربي يعيش حالة من الجفاف السياسي والإنساني نتيجة القمع المتواصل وخنق الأصوات ومصادرة الحرّيّات. وأصبح معروفا أن هذه الأجواء هي ما يريده أعداء الأمة، خصوصا “إسرائيل” ا لتي ترى في التطور الديمقراطي تهديدا لوجودها. فلو امتلكت الشعوب حق اتخاذ القرار لما تردّدت في دعم الشعب الفلسطيني لحظة ولما وافقت على التطبيع الذي يقوم به بعض الأنظمة العربية منذ سنوات. فقد أصبح هناك ثنائي بغيض: الاستبداد والاحتلال، لا ينفكّان احدهما عن الآخر. ومن المؤكد أن شعوبنا لن تقبل بهذا الواقع الذي يلغي هويتها ورغباتها السياسية ولا يلبّي طموحاتها في التحرر والانعتاق من الاستبداد والاحتلال. وبرغم أنها مغلوبة على أمرها، ولكنها بين الحين والآخر تتمرد على هذا الواقع وتنتفض من أجل كرامتها. إنها تعلم أنها محاصرة في خياراتها، وأنها تواجه تحالفات دولية شرّيرة تهدف لإبقاء هذه الأمّة محاصرة بالاحتلال الخارجي تارة والاستبداد ثانية والتخلف ثالثة. مع ذلك فلديها مشاعر فطرية بالرغبة في الانعتاق والتحرّر وكسر القيود. وقد أكدت الوقائع أنها قادرة على تسجيل مواقف تذهل العالم، كما حدث في ثورات الربيع العربي، فمن كان يعتقد أن هذه الشعوب ستقوم بثورات عديدة متزامنة برغم تكاتف أنظمة القمع التي لا ترحم، وبرغم وجود فرق الأمن الأجنبية التي تدافع عن الأنظمة، والقواعد العسكرية التي توفر لهذه الأنظمة شعورا بالأمن.

في هذه الحقبة ما تزال آفاق التغيير تطل على الامة بين الحين والآخر. ويمكن الاستشهاد بالوضع البحراني كأحد المؤشرات على إمكان الانطلاق والتحدّي. لقد رضع الأطفال حليب الثورة في مهدهم. ولذلك يسعى النظام للتنكيل بهم في المعتقلات. وتؤكد التقارير من سجن الحوض الجاف أن سجناءه (وهم من اليافعين) يتعرّضون لأبشع أصناف التنكيل والقمع، خصوصا في شهر رمضان، حيث يُحرمون من حقوقهم سواء وجبات الإفطار والسحور أم أداء الشعائر الدينية الليلة، أم الزيارات العائلية وفسح التشمس. وما حدث للشاب رجائي علي بدّاو من اضطهاد ممنهج وحرمان مستمر من العلاج والدواء حتى أصبح تنفسه صعبا ربما لإصابته بمرض في القلب او ضيق التنفس، إنما هو مثال واحد لما حدث ويحدث. يُضاف إلى ذلك سياسة العزل التي يعاني منها الكثيرون بعد نقلهم إلى زنزانات انفرادية كعقوبة لمواقفهم ومطالباتهم. يحدث ذلك علنا ويعرفه أصدقاء الخليفيين الذين يدافعون عنهم بحماس ويتصدّون لمعارضيهم. إنها شراكة في الجرم التاريخي الذي يواصل الخليفيون ارتكابه بدون مراعاة للقيم الأخلاقية أو الدينية أو المرتبطة بمنظومة حقوق الإنسان. وبهذا دخلت البحرين نفقا يزداد ضيقا. فالسجون مكتظة بمعتقلي الرأي، والرموز مغيّبون وراء القضبان، حتى أن بعضهم مثل الأستاذ حسن مشيمع والدكتور عبد الجليل السنكيس أصبح كل منهم منذ أربع سنوات في عزلة تامّة عن العالم. وللإنسان أن يتخيّل معاناتهما النفسية والجسدية. فهما ممنوعان من الخروج من غرفتيهما المتجاورتين، ولا يسمح لهما بالالتقاء او التحدث معًا. فأي تنكيل أكبر من ذلك؟ وأيّ اضطهاد أسوأ من سلب حرّيّة الإنسان من التواصل مع أبناء جنسه؟

من المؤكد أن سجناء الرأي مصرّون على مواقفهم من جهة، وعلى انتزاع حقهم في الاجتماع الإنساني من جهة أخرى، ولذلك يسعى الكثيرون نهم للالتقاء لأداء العبادة الجماعية خصوصا في هذا الشهر الفضيل. أما خارج السجون، فإن أهاليهم وكل شعب البحرين يدعو لهم في هذه الأيام والليالي المباركة بالصبر والصمود والحرّيّة. كما يدعو أن يمحق الله سجّانيهم الذين يمارسون الفساد بابشع صوره، وعلى رأسها سفك الدم الحرام. هذا الوضع يدفع المواطنين للتضرّع إلى الله سبحانه بأن يزيل هذه الغمامة السوداء التي خيّمت على سماء البحرين منذ أمد. كما تخفق قلوبهم بالدعاء من أجل السلام والأمن في ربوع هذا الوطن الذي سلب الخليفيون أمن أهله وحرّيّتهم وحقوقهم. إننا نهيب بالمواطنين الشرفاء الاستفادة من الليالي الرمضانية للتقرّب من الله سبحانه وتعالى بالدعاء والعبادة وتلاوة القرآن الكريم. فما أحوج وطننا لذلك، وما أجمل أن تجتمع القلوب على حبّ الله والانتماء لخطّه القويم وصراطه ا لمستقيم، بعيدا عن الارتماء في أحضان الطغاة والمحتلين والمستغلّين.

اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفكّ قيد اسرانا يا ربّ العالمين

حركة احرار البحرين الإسلامية
14 مارس 2025

زر الذهاب إلى الأعلى