رمضان شهر واعد بالخير والحرّيّة لشعب ضحّى من أجلها
نبارك للمسلمين حلول شهر رمضان المبارك، وندعو الله سبحانه وتعالى أن يقبل صوم الصائمين وعبادة العابدين، وينصر عباده المظلومين، وينتقم فيه من الظالمين. كما نوجه تحيتنا للصابرين والصامدين والثابتين خصوصا الرازحين في السجون والمرابطين على خطوط المواجهة بين الحق والباطل.
حين يجد النظام نفسه مدفوعا لإصدار أحكام قاسية بحق أطفال دون الثامنة عشرة، فإنه بلا شك يواجه أزمة حقيقية ذات أبعاد عديدة: سياسية وإخلاقية وإنسانية. وما أكثر هذه الحالات في البحرين، وما أقل اعتبار الحكم الخليفي بذلك. فالقاضي الذي نصّبه الطغاة لممارسة “العدالة” يجد نفسه أمام مجموعات من الأطفال والشباب اليافعين مطلوب منه أن “يحاكمهم” وأن يستخدم ما منحه رؤساؤه من صلاحيات وقوة لإنزال أقصى العقوبات بحقهم. ومع علمه أن أعمار بعضهم لا تتجاوز أعمار أحفاده، فإنه لا يجد أمامه مناصا إلا تنفيذ أوامر الذين نصّبوه وأصدروا له الأوامر باستخادام لغة القانون لإيذاء الأطفال وإلحاق الضرر بهم وبمستقبلهم. ربما يحمل شهادة في القانون من جامعات مرموقة، وربما يتربّع على كرسي القضاء ا لذي أنفقت أموال الشعب لصناعته، لكنه، في قرارة نفسه، يشعر بأنه يمارس أقذر الوظائف ويمارس أبشع المهمّات، بينما رؤساؤه جالسون في قصورهم، محاطين بالخدم، يتنعّمون بنعم الله بدون أن يضعوا له حسابا. هذا القاضي باع آخرته بدنيا غيره، وتفوّة بأحكام جائرة لا تليق بالشهادات التي يحملها. فهو يحمل أوزار طغاة الرفاع وإن تخفّى وراء عناوين برّاقة وادّعاءات غير مؤسسة على أدلة أو حقائق. هذا “القاضي” لا يتحرّك بتوجيه من ضميره او إنسانيته أو ما يحمله من علم قرأه في كتب الجامعة، بل بدوافع المصلحة وطاعة حثالات البشر الذين، يعلم هو وغيره، أنهم لا يستحقّون أن يبقوا في مناصبهم يوما، وأن الشعب لم ينتخبهم، وأنهم لا يستندون إلى دستور يحظى بموافقة سكان البحرين الأصليين (سنة وشيعة).
ما شأن هذا “القاضي”؟ وكيف ينظر إلى أطفاله أو أحفاده عندما يعود الى منزله بعد أن أصدر أحكام بسجن أطفال أبرياء مددا قد تصل إلى عشرين عاما. وهو يعلم أيضا أن الأدلة التي يستند إليها إنما لفّقها جلاوزة غلاظ شداد، ليس في قلوبهم رحمة أو شفقة، وللا يحملون من الإنسانية ذرة. تلك الأدلّة صاغتها أقلام من الموظفين المأجورين الذين استقدموا من مصر والأردن، واعتادوا صياغة التهم الملفقة للابرياء، وما أكثر الذين استشهدوا بسببهم بعد أن وقّعوا على قرارا الإعدام. فما تزال أرواح عباس السميع وسامي مشيمع وعلي ا لسنكيس وأحمد الملالي وعلي العرب وسواهم ترفرف في سماء البحرين، تستحضر أسماء “القضاة” الذين قرّروا قتلهم مع سبق الإصرار والترصّد. كان هؤلاء المأجورون في كامل قواهم العقلية عندما وقّعوا قرارا إعدام الأبرياء الذين انتفضوا من أجل الحرّيّة والكرامة والحقوق، ولم يمارسوا ما يستحقون القتل بسببه. هؤلاء “القضاة” مطلوب منهم إصدار تلك الأحكام من طاغية يتلذّذ بآلام الأمهات ا للاتي سيثكلن في فلذات أ:كبادهن بدون ذنب ارتكبوه أو جرم قاموا به. وحين تتربّع حثالات البشر على كراسي القضاء لا يبقى للإنسانية شيء من مكتسابتها. هنا تنحر الإنسانية وتذبح القيم والأخلاق والقيم، وهنا تموت القلوب وتتلاشى الضمائر، وهنا ينسلخ القاضي من إنسانيته، وهنا تتحول صرخات المتّهمين الأبرياء إلى عواصف تهز عروش الحكام، وإلى عناوين للتضحية والفداء، وإلى استغاثات تطالب بتحرير الإنسانية والأوطان من شرور حثالات من البشر استحوذ عليها ال شيطان فأنساها ذكر الله. هذا النضال التاريخي مضى عليه أكثر من مائة عام ولم يخضع المشاركون فيه أو يهنوا أو ينكّسوا رروسهم، ولذلك فهو يتجه نحو النصر المؤجّل ويصر على إحداث التغيير الذهني والنفسي لدى الجماهير، لتواكب احتياجات مشروع ا لتغيير الشامل.
ما أكثر الذين استبيحت دماؤهم في محاكم الطغاة، والأكثر منهم الذين سلبت حرّيّاتهم بالأحكام الجائرة التي أصدرها “القضاة” المستوردون من الخارج أو الذين وظفهم القصر الملكي ليكونوا شهود زور على الوطن والشعب. أما ضحاياهم فيواصلون مشوارهم لأداء مهمّاتهم النبيلة التي رسموها لأنفسهم في ضوء أحكام الله وآيات القرآن الكريم ومستلزمات الإنسانية الحرّة البيلة. أما الامهات فلهن قصص أخرى من الحرقة والآلم. فقد قرّر أعداء الإنسانية (من حكّام جائرين وقضاة ظالمين وشهود كذّابين) أنزال أقصى العقوبات بالوطن والشعب والإنسان. هذا القرار نجم عنه توسيع السجون التي تفتقر لأبسط معايير الإنسانية والكرامة، والتي أصبحت وطنا بديلا لآلاف البحرانيين الذين يجدون وطنهم محتلًّا من قبل الأجانب الذين جاؤوا أو استقدموا من أقاصي الأرض للاستمتاع بأرضهم وثرواتها. فبعد إصدار أحكام السجن والتنكيل، يسير الأطفال والشباب والنساء الى الزنزانات بهامات شامخة وقلوب مطمئنة بالإيمان وأحاسيس بالرضا عن ا لنفس بعد أداء ا لواجب. هذه قوافل السجناء تتوجه لطوامير التعذيب غير أبهين بالألم، بل أن بعضهم يعلم أنه لن يعود ألى منزله من تلك الطوامير. من الذي فرض هذا الصراع على البلد الذي أسلم برسالة محمد بن عبد الله طوعا وسلما بدون إكراه. ولقد توارثت الأجيال ذلك الإيمان برضى واطمئنان، فلم يترددوا لحظة عن نصرة دين الله والدفاع عن المظلومين والمستضعفين. ها هم يخرجون في مسيراتهم من أجل فلسطين، وها هم يؤبّنون شهداء فلسطين ولبنان بدون خشية من أحد برغم العقبات التي يضعها أعداء الحرّيّة في طريق الجماهير.
الأمر المؤكد أن مستقبل المنطقة لن يكون للاستبداد او الاحتلال، ولن يبقى الاستغلال البشع لثرواتها عنوانا للمستقبل، فالنضال من أجل الحرّيّة متواصل ولن يتوقف. تؤكد ذلك السجون العربية المكتظة بنزلائها من الأحرار وحاملي لواء التغيير. فلا يمكن أن تذهب تضحيات الجيل الذي قضى حياته في طريق النضال سدًى. فما دامت سجون تونس تضم كبار الرموز وعلى رأسهم الشيخ راشد الغنوضي وعلي العريض وسيّد فرجاني وسواهم، وما دامت طوامير التنكيل في البحرين تحتضن عظماء الرجال مثل الاستاذ عبد الوهاب حسين والاستاذ حسن مشيمع والدكتور عبد الجليل السنكيس والشيخ عبد الجليل المقداد والشيخ محمد حبيب المقداد وعبد الهادي الخواجة، وما دامت سجون مصر تكتظ بعشرات الآلاف من أبناء الحركة الإسلامية التي تطالب بإنهاء حكم العسكر، فلن تهدأ أوضاع المنطقة خصوصا مع استمرار الاضطهاد الإسرائيلي لفلسطين وتنمّرها ببشاعة وتوسع احتلالها ليضم مناطق واسعة في سوريا ولبنان بالاضافة لفلسطين. إنها مسيرة متواصلة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. هذا مع الاعتراف بوجود رهان دولي واسع على إبقاء أمة العرب والمسلمين متخلّفة دائما وخاضعة لأنظمة الاستبداد، ومحاولات كسر شوكتها وإرادتها لمواجهة المحتلين والمستبدين. ونظرا لبلوغ الأوضاع حالة من الاحتقان غير مسبوقة، فإن تفجّرها لن يحتاج جهدا كبيرا بعد أصبحت على كف عفريت. فإمعان أنظمة الحكم في القمع والإذلال والاستعباد، كل ذلك يساهم في تعميق مشاعر الغضب التي لا يمكن احتواؤها إلى الأبد. لقد حدثت في العقدين الأخيرين تغيرات عديدة أسقطت أنظمة مستبدة عتيدة، وأسّست لنضال وطني شامل يسعى لتحطيم القيود ويخترق حدود الاستبداد والديكتاتورية والاستغلال. ولن يستطيع ا لتحالف غير المقدّس بين الانظمة والقوى الغربية كسر شوكة الشعوب الباحثة عن الحرّيّة. فهذا شعبنا البحراني البطل الذي تسيل دماء أبنائه بشكل مستمر في ميادين النضال والكرامة يرفض التوقف عن الانخراط في مشروع التغيير، ولا يرى أن الاستبداد الخليفي قدره المحتوم. لقد قدّم الكثير من التضحيات على ذلك الطريف ولم يعد مستعدا للقبول بأنصاف الحلول التي تكرّس الحكم الخليفي الغاشم، أو تسمح له بتدنيس سمعة البلاد بالتطبيع مع أعداء الأمة والتآمر ضد القوى الفاعلة في البلاد.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
27 فبراير 2025