بيانات حركة أحرار البحرين

الشعب البحراني يطالب بمنع استغلال سباق فورمولا 1 للغسيل الرياضي

النظام الذي يظن أنه بحاجة مستمرة للأزمات الداخلية لبقائه لا يصلح أن يستمر في مكانه، ولا بدّ أن يتغيّر. فهو نظام مأزوم ومضطرب ومتآكل سياسيا ومعنويا. فهل هناك نظام حكم خليجي يعاني من أزمة العلاقة مع الشعب الذي يحكمه كما هو الحال في البحرين؟ هل هناك بلد خليجي آخر بقيت سجونه مكتظة بالمعتقلين السياسيين منذ الانسحاب البريطاني من المنطقة في العام 1971؟ لقد عاشت البحرين أكثر من نصف قرن من الأزمات المتواصلة والسجون المزدحمة والشهداء المظلومين والمنفيين المحرومين من وطنهم، ولا تبدو في الأفق ملامح للخروج من هذه الدّوّامة المزعجة التي سلبت الشعب أمنه وحرمت نظام الحكم شرعيته. فلا يمر أسبوع إلا وتنضم ألى قافلة المعتقلين السياسيين كوكبة جديدة من الشباب المتطلّع للحرّيّة والرّافض للاستعباد. ولطالما حدّث الطاغية نفسه بأن يضع نهاية لهذه الظاهرة بالتخلص من الشباب الثائر الذي كسر قيوده منذ عقود وصمّم على إحداث التغيير المنشود. إنه يشعر ليس بضرورة ذلك التغيير فحسب بل بحتميته، ويشعر كذلك بأن ذلك التغيير مسؤوليته، فأصبح حاضرا في الميادين لا يبارحها، وفشلت آلة القمع الخليفية في النيل من عزيمته بالاعتقال والتعذيب والإعدام. إنها المشيئة الإلهية التي منحت هذا الشعب قدرة على البقاء والصمود، وكشفت هشاشة الحكم الخليفي وسلبته شرعية وجوده.

فعندما يُساق الشباب إلى المعتقلات، وحين يمعن الطاغية في استهداف العمل الإسلامي استجابة للتوجيهات الآتية من عواصم الدول الغربة المتآمرة على الأمة والداعمة لاحتلال فلسطين، فإن الوضع يصبح أكثر وضوحا، فتظهر حقيقة التوازن السياسي والأمني الذي يقلق الحكام فيتأرجحون في المواقف والسياسات ويهرعون للتواصل مع أعداء الأمة. إن للصراع من أجل الحرّيّة تاريخا طويلا، يضرب بجذوره في اعماق التاريخ، أليس ذلك واضحا في مقولات الفلاسفة الإغريق والمسلمين؟ هذه الحرّيّة تستعصي على الزوال وتصرّ على البقاء حية طريّة في نفوس أغلب البشر، وتفرض نفسها على السجالات الفكرية والفلسفية والدينية، وترفض محاولات تهميشها من أي طرف. فهي القيمة المحبّبة للنفوس، والمختزنة في القلوب والملتصقة بالإذهان. وما أكثر الذين صمدوا في ميدانها حتى استشهدوا، فاصبحت نهايتهم بداية لمشاريع نضالية جديدة ترفع راية الحرّيّة وتستعصي على الاندحار أو الانكسار. فهل الذين استجابوا لدعوة الرسول في أيّامها الأولى إلا الراغبون في الحرّيّة المتمردون على الاستبداد الذي تجسّد آنذاك في النظام القبلي الذي يستعصي على التجديد والإصلاح. الذين استُشهدوا بمباضع الجلّادين الذين كانوا يعملون تحت إمرة زعماء قريش سجّلوا لأنفسهم مجدا لا يضمر، فقد تحمّلوا التعذيب والتنكيل وهم يتشبثون بالدعوة الجديدة التي رأوا فيها تمرّدا حقيقيا على الاستعباد والتخلف، ورأوا فيها معينا لا ينضب ومصدرا ثرا لقيم الحرّيّة والكرامة.

هذا التراث التحرّري المشرق لا يمكن أن يغيب عن خواطر الأحرار، بل هو ماثل لدى جحافل المؤمنين التي ما فتئت تتصدّى للظلم والاستبداد، وتعلن بوضوح دعمها المظلومين في كل مكان، وإصرارها على رفض الاستعباد والإذلال. وقد أدركت الشعوب الأخرى مواقف الشعب البحراني ووجّهت له شكرها علنا، ودعت الله أن ينجّي هذا الشعب من القوم الظالمين. لقد تصدّى بشجاعة لمشاريع الاحتلال والظلم في البحرين وفلسطين واليمن، وحذّر العصابة الخليفية من السماح للقوى المعتدية باستخدام أجواء البلاد لاستهداف آي بلد آخر، وطالب برفض إقامة القواعد العسكرية الأجنبية على أراضيه. وتصدّى للحكم الخليفي عندما ارتكب جريمة التطبيع مع الاحتلال. هذه السياسات والمواقف تكشف بوضوح طبيعة هذا الشعب التحرّرية ونزعته الإنسانية والتزامه الإسلامي الذي يرفض الظلم والخنوع، ويدعو للتحرّر من الظلم والاستبداد. هذا الشعب لا يسكت على ضيم، حتى في أحلك الظروف. فها هم معتقلوه السياسيون يزلزلون سجون الطغاة باحتجاجاتهم ضد أساليب الاضطهاد والاستضعاف وسوء الإدارة، وها هي العائلات البحرانية تهتف من أجل الحرّيّة والكرامة في الشوارع العامة وعلى مداخل السجون عندما تتوجه لمقابلة أبنائها المرتهنين لدى العصابة المجرمة.

هذا الشعب البطل يتحرك بوعي وإصرار، على هدى من ربّه، مستلهما دروس القرآن وأخلاقه في حراكه السياسي والاجتماعي. وها هو يهتف ضد تسييس الرياضة والسباقات الدولية واستخدام ما يسمى “الغسيل الرياضي” لتلميع صورة المستبدّين والطغاة. ومنذ العام 2011 وقف الشعب ضد إقامة سباق السيارات المعروف بـ “فورمولا 1” خصوصا بعد سقوط الشهيد صلاح عباس في العام 2012 عندما كان يهتف ضد السباق الذي استخدمه رموز الخليفيين وسيلة لتلميع صورتهم وتحسين سمعتهم بعد ما ارتكبوا من جرائم قتل وتعذيب خصوصا في العام الاول بعد انطلاق الثورة. وسعى منذ ذلك الوقت لمنع إقامة السباقات الهادفة لتضليل الرأي العام بأن الوضع السياسي في البلاد طبيعي برغم ما يعانيه البحرانيون من اضطهاد وقمع وتعسف، وبرغم اكتظاظ السجون بمعتقلي الرأي. وفي هذا العام كرّر النشاط الداعي لوقف سباق فورمولا 1، ووقف ناشطوه أمام مقر إدارتها مطالبين بعدم إقامة السباق.

إن النضال متعدد الوجوه والوسائل، فهو يهدف لفضح الظلم والظالمين واستعادة الحرّيّة والعدالة، والضرب بيد من حديد على العابثين بأمن الشعوب. وقد حقّق البحرانيون فصب السبق في النضال السلمي المتواصل. فبينما لاذ الكثير من المناضلين بالصمت نتيجة الاضطهاد الذي لحق بهم بعد اندلاع ثورات الربيع العربي، ما يزال البحرانيون يتحدّون الطغاة الجاثمين على صدورهم، ويهتفون مطالبين بوقف سباق فورمولا 1، ويدعون لمحاكمة الجلّادين، ومقاضاة المجرمين الذين قتلوا الشهيد صلاح عبّاس بدم بارد وهو يحتج ضد إقامة ذلك السباق في الوقت الذي كانت أعداد شهداء البحرين تتزايد متحدّية الحكام الظالمين وداعميهم. هذا الموقف لم يتغيّر، فما تزال السباقات أداة للغسيل الرياضي يمارسها الطغاة الخليفيون، ويدعمون إقامتها بعشرات الملايين من الدولارات. بينما يعيش البحرانيون أوضاعا اقتصادية سيّئة، وتعاني عائلات المعتقلين السياسيين أوضاعا معيشية ضاغطة بسبب تغييب معيليها وراء القضبان. لذلك فهم يهتفون من أجل الحرّيّة ويرفعون شعاراتهم مطالبين بالعدالة، ويهيبون بالقائمين على السباقات الدولية عدم إقامتها في البحرين بعد أن أصبحت أداة لإضفاء الشرعية على نظام حكم غير شرعي. ويُتوقع استمرار الحراك الشعبي الهادف لتحقيق قدر من التغيير السياسي والمعيشي لكي يعيش المظلومون مستوى مقبولا من الحياة.

نكرر دعوتنا لإدارات السباقات الدولية خصوصا سباق السيارات “فورمولا 1” اتخاذ قرار صعب بوقف السباق المزمع إقامته هذه الأيام، لتكون تلك الإدارات منسجمة مع شعارات حقوق الإنسان. وسبق لهؤلاء موافقتهم على تضمين تلك الحقوق ضمن سياساتهم عندما يوافقون على إقامة السباقات في بلدان معروفة بانتهاكات حقوق شعوبها كالبحرين. ولكنها لم تلتزم بذلك، ولم نسمع قط أن معتقلا سياسيا تم الإفراج عنه بسبب ضغط إدارة سباق فورمولا1، وهذا مخالف لما وعد به رئيسها السابق، بيرني إيكلستون قبل أكثر من عشرة أعوام. مرة أخرى، نجدد طلبنا بوقف السباق الحالي وتكثيف البحث في الانتهكات الحقوقية التي تُمارسها العائلة الخليفية الحاكمة التي ترعى سباق السيارات وتستغل ذلك لتلميع صورتها واستخدامها كمساحيق لإخفاء وجهها القبيح من أجل تضليل الرأي العام. والأمل أن تؤدّي جهود المناضلين لحرمان ا لعصابة الحاكمة من المردودات المعنوية للسباقات، ومنع “الغسيل الرياضي” الذي يقلّل مصداقية السباقات الدولية.

اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفكّ قيد أسرانا يا رب العالمين

حركة أحرار البحرين الإسلامية
11 أبريل 2025

زر الذهاب إلى الأعلى