بيانات حركة أحرار البحرين

ثبات الموقف الشعبي لضمان لنيل الحرّيّة في البحرين

لم يعد شعب البحرين خانعا أو مستسلما أو معترفا بالاحتلال أو خائفا من بطش العدو المحتل. كما لم يعد يستخدم اللغة التي تضفي تمجيدا ومكانة للطغاة المتجبّرين الذين يرزحون على صدور الوطن والشعب، بل أصبح من الناحية ا لعملية مؤمنا بالحرّيّة الكاملة ورافضا الاستعباد والإذلال، ومصرّا على نيل حقوقيه كاملة غير منقوصة. وفي سبيل ذلك أصبح مستعدا للصمود ولو تطلّب ذلك تضحيات كبيرة.

وما الاعتصامات التي يقوم بها المفرج عنهم من السجون الخليفية بعد أن قضوا سنوات طويلة في زنزانات التعذيب، مطالبين بحقهم في العمل إلا مؤشر لمدى التطور النفسي والمعنوي الذي حدث لهؤلاء. ففي حين يستخدم الآخرون في البلدان المجاورة لغة الاستعطاف والترجّي لنيل بعض حقوقهم، فقد غرف البحرانيون من معين الحرّيّة، وتعمّق إيمانهم بالقوة المطلقة لله سبحانه، كما وصفهم الإمام علي عليه السلام: عظم الخالق في أعينهم، فصغر ما دونه لديهم. فأصبحوا ينظرون للخليفي محتلّا وغاصبا وخائنا لوطنه وأمته ومتعدّيا على الحقوق الأساسية، فأصبحوا يتعاملون معه على أساس ذلك. صحيح أنه يمسك بتلابيب السلطة التي اغتصبها ظلما وعدوانا، ولكنه لا يملكهم، كما فقد تعاطفه واحترامهم وحبّهم. فإذا أرادوا شيئا من الحكومة رفعوا أصواتهم بإباء وشمم بدون استعطاف او استرحام. فإذا لم يتحقق ذلك نزلوا ألى الشوارع هاتفين ضد العصابة المتسلّطة. وما أكثر الاعتصامات التي يقوم بها الباحثون عن الوظيفة خصوصا السجناء السابقين الذين أكملوا محكومياتهم وخرجوا من بين جدران السجون. فقد علّمتهم التجربة معاني الحرّيّة والإباء، فأصبحوا يتحرّكون من وحيها. فمن جهة يهتفون ضد الاستبداد والظلم بدون توقف، ومن جهة آخرى ينظمون ا لاحتجاجات المطالبة بالحقوق. يقفون على الطرقات رافعين لافتاتهم وهاتفين بأصواتهم ضد الظلم بدون خوف أو وجل. فهم طلّاب حق يسعون للحصول إليه ولسان حالهم يقول: لنا حقٌّ فإن أعطيناه وإلا ركبنا أعجاز الإبل ولو بلغنا سعفات هجر.

لقد أصبح مشهد المعتصمين البحرانيين مألوفا، وذلك امتداد للمسيرات والاحتجاجات التي لم تتوقف منذ الرابع عشر من فبراير 2011 عندما خرج الشعب مطالبا بإسقاط النظام الخليفي بدون خوف أو وجل. ومنذ ذلك ا لوقت تعرّض المواطنون لأبشع أصناف التتنكيل والاضطهاد، فزادته تلك التجربة ثباتا وإصرارا على المباديء والمطالب والمواقف، وأصبح على الطاغية الخليفي أن يستسلم أمام هذا ا لشعب، وتغيير أساليبه بين الحين والآخر، آملا أن يحظى بشيء من ا لاحترام أو القبول، ولكنه هيهات، فقد سبق السيف ا لعذل، وحدث الشرخ الكبير الذي لا يمكن أن يرتقه شيء. فقد لدغ من الجحر الخليفي مرّات عديدة، فتكونت لديه مناعة حقيقية تحميه من الوقوع في شرك الخليفيين مرة أخرى. فبالنسبة له، انتهى عهد رسائل الاستعطاف وتعبيرات الاحترام ولغة المجاملة. كما غابت من قاموسه مشاعر الحب أو الاحترام لمن يعتقدهم محتلّين وغاصبين وظالمين ومعذّبين وجلّادين. وحل مكان ذلك لغة التحدّي والصمود ووضع النقاط على الحروف، ورفع الصوت بوجه من كان يعتقد أنه مبسوط اليد في ما يفعل، وأنه صاحب الكلمة الأولى والأخيرة. إنها بداية صناعة مستقبل البحرين الحرّة الأبيّة التي لا تنام على ضيم ولا تنحني أمام صف ا لطغاة وتهديداتهم. ولربما سايروا العصابة ا لخليفية ردحا من الزمن على أمل تجنيب البلاد والعباد شرورها وحماية البحرين من بطشهم، ولكنهم أدركوا الآن ضرورة إنهاء تلك السياسة ورفع الصوت بالصادح بالحرّيّة بدون مجاملة أو مواربة. وهكذا دخل الشعب، بعد 14 عاما من ثورته التغييرية وضعا جديدا تشكلت فيه معالم حرّيّته بوضوح. ويوما بعد آخر تظهر ملامح الخوار الخليفي، وأنهم بدأوا مشوارهم نحو الهاوية بعد أن تمادوا في ظلمهم واستبدادهم. فلم يعد أمام الشعب سوى المزيد من الصبر الإيجابي الذي يثبّت أقدام المواطنين خصوصا ثوارهم وسجناءهم ورموزهم، بانتظار ساعة الصفر التي يُعلن فيها النهاية الأبدية لنظام مجرم مارس الظلم والاضطهاد والخيانة بدون حدود.

مرحلة جديدة من مراحل الحرّيّة في تاريخ شعب البحرين بدأت وسوف تستمر حتى تفضي إلى المرحلة اللاحقة التي تتحقق فيها نهاية الاستبداد والظلم والعمالة والخيانة. وما المجموعات التي تنتظم يوميا في احتجاجات بعناوين شتى إلا مصداق للحالة الثورية التي بلغها البحرانيون بعد عقود من النضال والتضحيات والثبات. هذه الروح هي التي جعلت البحرين صدًى لما يجري في فلسطين، فهي البلد الخليجي الوحيد الذي تتردد فيه أصداء الشعارات التي يطلقها المتظاهرون الداعمون لفلسطين وأهلها، والرافضون للعلاقات الدبلوماسية التي أقامها حكامهم المجرمون مع محتلّي أرض المعراج. إن الروح الثورية هي التي توجّه العقل البشري للتناغم مع المواقف والشعارات التي يطلقها الثائرون ضد الظلم والاستبداد والاحتلال في أي مكان. إنها لغة مشتركة بين ذوي الكرامة وعشاق الحرّيّة أينما كانوا. فالمناضل في جنوب أفريقيا الذي هتف ضد نظام الفصل العنصري يتناغم تلقائيا مع هتافات أطفال فلسطين في غزّة والضفة الغربية. والثائر الذي يتظاهر في شوارع المنامة يشعر بانتمائه لفلسطين وما تمثله من حالة ثورية تحرّرية يسعى أعداء الأمة لوأدها. ومنذ عقود أدرك أعداء الأمة من زعماء الامبريالية والصهيونية العالمية موقع فلسطين المحوري في الحركة الثورية العالمية، وأن استمرار أزمة فلسطين سوف يتحول إلى منطلق للثورات ضد الانظمة ا لعميلة التي لم تعد تشعر بالانتماء للعروبة والإسلام، بل تصرّ على تحالفها مع القوى الاستعمارية الهادفة لتركيع شعوب العالم لكي تستطيع مصادرة خيراته وحرّيّته. والأمل أن تتوسع دائرة الوعي الشعبي خصوصا في المنطقة العربية ليصبح مستوعبا بشكل كامل حقيقة الصراع الأيديولوجي والسياسي في القرن الحادي والعشرين. فهناك خشية من تأثير وسائل التأثير الاجتماعي التي يمتلكها العالم الغربية ويستخدمها ضد الشعوب لمنعها من استيعاب حقائق التغيير السياسي من جهة ودور القوى الاستعمارية التي تستهدف دول العالم الثالث بما يوسع نفوذها على نطاق عالمي واسع.

يعتبر الحضور الميداني للعناصر الثورية في البلدان مؤشرا لوعي تلك الشعوب وإدراكها أهمية النضال الوطني في استعادة هوية الشعوب ومنع تسرّب السموم المخدّرة إلى جسد المقاومة المدنية التي تمارسها الشعوب التائقة للحرّيّة والاستقلال. شعبنا البحراني، منذ عقود، أدرك عمليا أهمية التواجد في الميادين لترسيخ المشروع الثوري ومنع أساليب التخدير الرأسمالي من الولوج إلى عالمنا الباحث عن الحرّيّة والكرامة والاستقلال. ومن المؤكد أن التقدم التكنولوجي في عالم اليوم عامل مهم في تمكين نفوذ الغرب على العالم الثالث من التوسع والانتشار. لذلك أصبح مطلوبا بشكل ملح من شباب الأمة الذي يتلقى العلوم من العواصم الغربية اختراق الخطوط الحمراء التي فرضها الغربيون على حركة الشعوب وساهم في منع دورها التغييري المحتوم. مطلوب من المجموعات الثورية بث روح الوعي في صفوف الشعوب التوّاقة للحرية والاستقلال، فذلك شرط لتوسع دائرة المطالبين بالتغيير من جهة وحماية المجموعات الثورية الصغيرة من جهة ثانية. وبدون ذلك سيظل الوعي الشعبي محدودا، وسوف يتمكن الغربيون من إعادة تسويق ذلك المنتج بعد تحريفه وتشويهه إلى الشعوب الراغبة في التحرر، الباحثة عن الخلاص من قبضة الاستبداد والتبعية والاحتلال.

اللهم ارحم شهداءنا الأبرار واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين

حركة أحرار البحرين الإسلامية
18 أبريل 2025

زر الذهاب إلى الأعلى