الشعب يصر على الاستقلال والحرية بعد 47 عاما على الانسحاب البريطاني
منذ بدايات الازمة السياسية في البحرين ادرك شعبها ان عليه الاعتماد على الله اولا وعلى نفسه ثانيا. كما ادرك ان الغربيين لن يدعموا اية حركة سياسة تسعى لتحقيق الديمقراطية. فما يسمى “العالم الحر” انما ينطلق في تحركاته ومواقفه وسياساته بلحاظ المصالح الآنية، وتنقصه النظرة الاستراتيجية التي تتأسس على الممازجة بين المبدأ والمصلحة. في المشروع الاسلامي المؤسس على العقيدة يمثل التكليف الشرعي الدافع الاول لما يقوم به الانسان الملتزم. وفي الفلسفة الاسلامية المبدئية فان المصلحة تتحقق بأداء ذلك التكليف، وليس العكس، اي ان المصلحة لا تمثل في الاساس منطلق التكليف، بل هي نتيجة له. وفي غياب البعد الايماني فان المصلحة تصبح هي التي توجه السياسات والمواقف. ولذلك انطلق الشعب في الاربعين عاما الاخيرة مدفوعا بالواجب الديني الذي يمثل ارضية التكليف الشرعي. وحيث ان التصدي للظلم واجب شرعي، فقد تصدت الاجيال المتعاقة لذلك الظلم بهدف تغييره، مع عدم وجود ضمانات بان ذلك سيتحقق. ويقول البعض ان عدم حتمية النصر تجعل المؤمن الصامد في موقع معنوي ارقى من غيره، لانه ليس مدفوعا في حركته بالرغبة في الاستفادة من النتائج “المحتومة”. وعلى مدى مائة عام من الحراك السياسي الرافض للهيمنة الخليفية على البلاد، تعاقبت الاجيال لحمل راية التغيير، وضرج الشهداء بالدماء، فيما اكتظت السجون بالمعتقلين من ابطال الامة والشعب. اما المنافي فهي الاخرى بقيت مفتوحة لاستقبال المناضلين الذين زلزلوا من ديارهم وابعدوا عنها. المناضلون البحرانين قضوا شطرا من حياتهم في المنافي ابتداء بالهند، مرورا بالعراق والشام ومصر، وصولا الى الجزر النائية في المحيط الاطلسي التي تسمى “جزيرة سانت هيلانة” التي استقبلت قادة انتفاضة الخمسينات بعد ان ابعدهم البريطانيون اليها.
كان البحرانيون يبحثون عن الحرية والاستقلال عندما نهضوا لمقارعة الاحتلال الاجنبي الذي وفر الدعم للعصابة الخليفية التي حكمت البلاد بالنار والحديد منذ ان دنست اقدامها ارض البحرين. وعلى مدى الحقب اللاحقة كان النضال سجالا لا يتوقف، وعنوانا لحياة شعب يتمرد على الموت. وقف هؤلاء البحرانيون ضد الانجليز في العشرينات، واستشهد العديد منهم امام مبنى البلدية في المنامة، كما انتفضوا ضد نظام “السخرة” وأشبعوا ضربا وتنكيلا. وتواصل نضالهم في العقود اللاحقة حتى وصلوا منتصف الستينات عندما شاركوا في الانتفاضة العارمة في 1965 التي هزت القوات البريطانية آنذاك. يومها جاء البريطانيون بشخصية مغمورة، فاصبح ايان هندرسون، الضابط الاستعماري الذي خدم في كينيا سابقا، الآمر والناهي الاول في ظل الحكم البريطاني. كان البريطانيون الرسميون في البحرين يدركون تفصيلات عمل هندرسون، وفقا لما جاء في تقارير وزارة الخارجية البريطانية المتعاقبة. ولذلك تحتوي وثائق الخارجية البريطانية الكثيرمن الاشارات (وبعضها تفصيلية) للدور الذي بدأ هندرسون بالقيام به بعد استقدامه الى البحرين. وتؤكد مراسلات السير أنثوني بارسونز، المعتمد السياسي في البحرين آنذاك، ذلك الدور الذي اتسم بالشدة مع المعارضين اليساريين. وتواصل ذلك الدور بعد الانسحاب البريطاني، حيث تم تدريب فريق شرس من الجلادين مارس أبشع اشكال المعاملة في السبعينات والثمانينات والتسعينات، حتى تقاعد هندرسون في العام 2000. لم يكن الهدف من ذلك التعامل حماية البحرين من اي اعتداء خارجي برغم توجيه الاتهامات المتكررة لمناضلي تلك الحقبة بانهم ينفذون اجندة سوفياتية في المنطقة. وبرغم التطلعات الوطنية الواسعة لمرحلة ما بعد الانسحاب البريطاني وانتهاء حقبة الحماية، الا ان فترة الاسترخاء النسبي لم تدم طويلا. ما بين الانسحاب البريطاني في مثل هذا الشهر من العام 1971 وحل المجلس الوطني وتعليق العمل بمواد الدستور في اغسطس 1975 هدأ الوضع نسبيا وان كان السجناء اليساريون يعانون ابشع اصناف التنكيل في السجون التي كانت تدار من قبل هندرسون وعصابته. وتؤكد رسالة وقعها اكثر من 20 من هؤلاء السجناء في 1974 ووجهت لرئيس المجلس الوطني معاناة شديدة وراء القضبان. كان الموقعون على الرسالة يطلبون من المجلس الوطني القيام بواجبه لوقف الظلم الواقع عليهم برغم “الانفتاح”.
انطلقت ثورة الرابع عشر من فبراير ليس من اجل اصلاح الحكم الخليفي، بل لتحقيق تغيير جذري في نظام الحكم. فما بين حل المجلس الوطني في 1975 والغاء الدستور الشرعي نهائيا في 2002 ثبت للشعب ومن يتابع اوضاعه استحالة اصلاح الحكم الخليفي وتحويله من نظام رجعي متخلف ينتمي الى الماضي السحيق بثقافة صحراوية قاسية، الى منظومة حكم عصرية تحترم حقوق الانسان وتحمي الوطن وتسمح بالشراكة السياسية مع الوطن والشعب. وعندما انطلق شباب البحرين في ثورتهم المظفرة بعون الله، كانوا يدركون ان تغيير نظام الحكم أقرب للواقع من اصلاحه. هذا ما تعلمه الشعب من كتاب الله وتجارب الامم الاخرى ومعاناة اجياله على مدى عقود. هذا الشعب استلهم من كتاب الله احكامه وقيمه ومفاهيمه. فقد قرأ الآيات الكريمة: والذي خبث لا يخرج الا نكدا، وقرأ ايضا: ان الله لا يصلح عمل المفسدين. وقرأ كذلك: واذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد. كما استوعب معاني الظاهرة الفرعونية ومدلولاتها في واقعه البحراني، وعلم ان تلك الظاهرة لا بد ان تنتهي بغرق فرعون وقومه لكي تصلح الامور. ولذلك لم يتردد في شعاره التاريخي: الشعب يريد اسقاط النظام. هذا الشعار بقي مصدر إلهام لعشرات الألاف من الموطنين الذين تعرضوا للتنكيل والتشريد على مدى اكثر من سبعة اعوام. هذا الشعب المناضل علمته التجربة ان بامكان الديكتاتور السعي لاخفاء الحقيقة وشراء مواقف الزعانف الرخيصة التي يغريها المال والمنصب فتخون شعبها وامانتها، وتتنكر لدماء الشهداء وتصبح مستعدة للحس قصاع الطغاة. هذا ليس جديدا، فقد شهد مصاديقه بعد كل ثورة او انتفاضة، ورآى التافهين من البشر يرتدون العباءة والعقال ويتوجهون الى قصور الطاغية بعد ان يتخلوا عن ضمائرهم وعقولهم وايمانهم، ويصبحوا عبيدا للشيطان. ويعلم هذا الشعب ايضا ان تلك المحاولات لم توفر للحكم قوة او شرعية، لعلمه ان هؤلاء الذين يسعى للتباهي بهم ليسوا سوى مرتزقة رخيصين لا يفيدونه ابدا. وسيكونون هذه المرة أقل فائدة له لان الشعب الذي قدم التضحيات الجسيمة من شهداء وسجناء ومعذبين ومبعدين، ازداد وعيا واصرارا وصمودا. هذا الشعب يرى قائده الديني والسياسي مبعدا عن وطنه بعد ان تراجعت اوضاعه الصحية نتيجة الحصار الظالم الذي فرضه الديكتاتور عليه اكثر من عامين.
شعب البحرين اليوم لا يقبل بالانشغال او التشاغل بغير شؤون الثورة والتغيير، ويرفض ان يناقش اداء العصابة الخليفية في مجال الحكم وعلى مستوى الوزارات والخدمات، كما لا يشغل نفسه بمناقشة مشاريعهم الفاشلة خصوصا انتخاباتهم لمجلسهم الصوري الذي اثبتت تجربة ربع قرن من وجوده فشله الذريع وعجزه عن التحول الى مؤسسة تشريعية مستقلة. فلا يمكن انشاء برلمان في ظل حكم استبدادي ديكتاتوري. ولن تستطيع اموال النفط في تغيير الحقيقة ابدا. الشعب البحراني لا يريد مناقشة انتخابات الطاغية التي يسعى لاستخدامها سلاحا ضد الشعب، كما يستخدم كافة الوسائل الاخرى المتاحة. فكل الخدمات والمشاريع التي تقوم بها الدول عادة كمسؤولية عليها، يستخدمها الطاغية الخليفي سلاحا ضد الشعب. حتى الرعاية الصحية اصبحت سلاحا يحارب بها ابطال الوطن مثل الشيخ عيسى قاسم والاستاذ حسن مشيمع والدكتور السنكيس والشباب المعتقل المحروم من الرعاية والدواء. فما عسى ان يكون مشروعه الانتخابي المقبل؟ اذا كان هذا المشروع قد فشل في السابق عندما كان بعض قطاعات المعارضة يشارك فيه، فكيف سيكون افضل في الاوضاع الحالية بعد المآسي التي حلت بالوطن والشعب؟ وفيما يستعد شعبنا للاحتفاء في 14 من اغسطس بالذكرى السابعة والاربعين لاستقلاله، فانه يصر على ان تكون الذكرى محطة اخرى على طريق النضال من اجل بحرين مستقلة حقا، ومتحررة من الاحتلال السعودي – الاماراتي والاستبداد الخليفي. هذا هو عهده مع الله والشهداء وتربة الوطن. سيظل الشعب جبلا أشم لا ينحني امام العناكب واشباه الرجال، بل سيناطح السحاب بقمته ويكسر الايدي التي تمتد للنيل من صلابته. الشعب واثق بالنصر الالهي المحتوم، اما المتسلقون والانتهازيون والتافهون والمرجفون، فسيشاطرون الطاغية وعصابته الفشل والخسران والسقوط في مزابل التاريخ التي ضمن من سبقهم في الظلم والعمالة.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
27 يوليو 2018