ان كنت حسينيا، فكن عدوا للطغاة
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين، وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين
تعلمنا من اولئك السادة الشهداء الاطهار معاني الايمان والحرية والكرامة، وفهمنا مغزى الشهادة الذي يعتبر ذروة المشروع التضحوي الانساني. فهو صعود الى اعلى عليين في مقابل الهبوط الذي تمثله ثقافة الاستكانة والخنوع والاستعباد والاستهلاك والاستحمار. اراد الامام الحسين عليه السلام بثورته العظيمة تحرير الانسان من القيود التي فرضها عليه المشروع الجاهلي الذي حمل رايته الامويون، وفرض على الامة بقوة السلاح اربعة عشر قرنا. وما يزال يطل بقرونه الشيطانية بين الحين والآخر ليمعن في ايذاء البشر واستضعاف الناس ومصادرة انسانيتهم. فلقد كرم الله هذا المخلوق الذي ينتمي لآدم، وفضله على كثير من المخلوقات، ووكل اليه اعمار الارض وجعله خليفته على هذا الكوكب. مع ذلك تمادى الانسان في غيه وسعى لمنافسة الله سبحانه، ونصب نفسه إلها آخر على البشر. وجاء الاسلام لتحرير هذا الانسان من الاوهام والخرافات، ولكن المشروع القبلي تصدى للوحي والتنزيل بأبشع الاساليب، فتمت تصفية العناصر الرسالية التي صاغتها رسالة محمد بن عبد الله عليه افضل الصلاة والسلام. ومنذ الانقلاب الاموي لم تستطع امة المسلمين استرداد توازنها، فبقيت مضطربة في افكارها ووجودها واهدافها. ولقد جاهد محمد بن عبد الله عليه افضل الصلاة والسلام افضل جهاد من اجل اقامة الامة الوسط التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وسعى لتغيير عقلية التوحش الصحراوي الذي تصدى للرسالة وحامليها وامعن فيهم قتلا وتدميرا. وشاء الله ان تهزم القوى الجاهلية على ايدي محمد واصحابه الذين فتح الله قلوبهم للتقوى.
النصر المحمدي لم يطل، فسرعان ما انقلب القريبون منه على مشروعه، حتى قال القرآن الكريم: وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات او قتل انقلبتم على اعقابكم. كان واضحا ان ذلك المشروع يهدد الاعراف الجاهلية التي اعتادوها واصبحوا يتعبدون بها، وهي اعراف تختزن في جوهرها الاستبداد والخشونة والقسوة واستضعاف المرأة وحب الانتقام. وفي غضون عشرين عاما بعد استشهاد الامام علي بن ابي طالب عليه السلام بلغ تداعي نظام الحكم مستوى لا يطاق. فالدولة التي يحكمها شخص مثل يزيد بن معاوية لا يمكن ان تمثل رسالة محمد بن عبد الله عليه افضل الصلاة والسلام. لقد حققت الجاهلية هدفها باكمال الانقلاب على الاسلام فانقلب القوم على اعقابهم، وتراجعوا عن قيم الدين، وفصلوه عن الحكم، وابعدوا الائمة والفقهاء. بدأ ذلك بعد انقلاب معاوية على الحاكم الشرعي بالقوة. فاصبح شخص كزياد ابن ابيه يزبد ويرعد ويهدد اهل الكوفة ويطلق خطبته البتراء التي استهلها بدون قراءة “بسم الله الرحمن الرحيم” قائلا: والله لآخذن البريء بالمذهب والغائب بالحاضر”. لقد تداعت قيم العدل والخير، فالبريء مستهدف كما هو المذنب. لقد دخلت امة المسلمين حقبة من الحكم الجاهلي الذي لا يحترم الانسان. بدأ زياد بن ابيه عهدا اسود في العراق استهدف المؤمنين الاخيار واعتقل العلماء ونكل بالاحرار، وملأ السجون وضرب اعناق الرجال وتفنن في اساليب التعذيب. حقبة سوداء عاشها الحسين عليه السلام وآلى على نفسه ان لا يقف صامتا ازاءها.
الحسين وارث الانبياء منذ آدم، وحامل لواء رسالة جده محمد عليه افضل الصلاة والسلام، والوريث الشرعي لعلي بن ابي طالب الذي فدى بنفسه رسول الله في الحرب والسلم، ونام على فراشه ليفشل اكبر مؤامرة اشتركت فيها قبائل العرب الجاهلية، وحمل اللواء مدافعا عن الاسلام وقتل رموز الشرك والنفاق واعمدة الجاهلية والقبلية. هذا الوريث الشرعي لرسالات السماء قال كلمته التاريخية: مثلي لا يبايع مثل” ليثبت مبدأ ينضح بالكرامة والنقاء. يعلم الحسين ان هناك نمطين: نمط مثله والآخر مثل يزيد. الاول يمثل السماء عبر رسالة محمد بن عبد الله عليه افضل الصلاة والسلام، والثاني يمثل الانقلاب الجاهلي على الاسلام ممثلا بمعاوية وسلالته. كان على الحسين ان يوضح للمسلمين خياراتهم ليقرروا الى اين يتجهون. وفي عالم يسوده التضليل وتهيمن عليه الاموال المنهوبة من المستضعفين، لم يعد هناك مكان للحقيقة الربانية. فما اعلى صوت الشيطان وضجيجه. في خضم التضليل الرسمي الذي استهدف عموم المسلمين، واشترى ضمائر بعض الصحابة واستمالهم اليه، ووظف مزيفي التاريخ ومحرفي الكلم وكتاب الحديث الملفق المنسوب زورا لرسول الله، اصبح هناك خطاب آخر مواز للخطاب الديني النقي. الحسين قرر ان يصحد بخطابه الديني الواضح بدون خوف او وجل، وخير الامة بين ان تختاره وما يمثل، او تختار يزيد ومرجعيته ومشروعه. المناضلون قليلون في كل زمان. والطغاة الذين لا يحتكمون لمبدأ او قيمة او اخلاق لا يتورعون عن شراء المواقف والضمائر والذمم. وما اكثر المتسكعين الباحثين عن الراحة والمال والمنصب ولو على حساب دينهم واخلاقهم وانسانيتهم. بعض هؤلاء مستعد لان يشارك الطاغية في تعذيب بني جلدته، وان يرفع صوته منددا بعلمائه وتزويد مباديء دينه ومذهبه. وما اكثر هؤلاء فقد ملأوا الارض سوادا امام الحسين عليه السلام الذي اطلق يوم العاشر من المحرم صرخته الخالدة: اما من ناصر ينصرنا؟
القليلون هم المستعدون لنصرة الحسين ماضيا وحاضرا. اولئك الانصار تضيق عليهم الارض فتكتظ بهم السجون، ويتعرضون كل يوم للتهديد والتنكيل والتعذيب. تشتم عقائدهم وتهدم مساجدهم ويعتقل علماؤهم وتغتصب نساؤهم على ايدي الطغاة. مع ذلك يهرع الساقطون للتودد للطاغية والتقرب منه وترويج مشروعه بالمشاركة فيه، ويجدون في وسائل اعلام الطاغية وسيلة للنيل من الاحرار الصامدين الذين يئنون تحت السياط وفي طوامير التعذيب. الاحرار يراقبون الوضع وينأون بانفسهم وجمهورهم عن هذا السقوط الاخلاقي للطاغية ومريديه. وكلما ضاقت وسائل التعبير امامهم لجأوا لوسائل اخرى غير معتادة. فهذا مضرب عن الطعام، فلعل في جوعه وتلاشي جسده الطيني ما يحرك ضمير عالم مخدر ومغلوب على امره: ألا وان الدنيا قد ادبرت وتنكرت. ألا ترون الى الحق لا يعمل به والباطل لا يتناهى عنه؟ كلمات الحسين قيلت في العام 680 ميلادية، ولكنها تعبر عن واقع امتنا اليوم. اما البحرانيون فيرون في تلك الكلمات ما يتناغم مع مشاعرهم واوضاعهم. يسعى الاحرار لاحياء ذكرى الحسين ومبادئه ومشروعه بالمواكب العملاقة التي يسعى الطاغية لتحييدها و “إبعادها عن السياسة”. البعض يستجيب لذلك ولكن الصادقين يعلمون ان القضية الحسينية مشروع متكامل يجمع بين الدين والسياسة. وهل انفصلت السياسة عن الدين يوما في اي بلد؟ شعبنا البطل حسيني بغريزته، يكره الظلم والاستبداد، وينتمي للمشروع المحمدي كاملا، ويرفض المشروع القبلي الذي يمثله معاوية ويزيد. يرى ابطال الميادين ان واجبهم الاحتذاء بالحسين عليه السلام والتمسك بمبادئه ورفع شعاراته. لقد ضحى امامهم بنفسه واهل بيته واصحابه، وضحى السائرون على دربه عبر التاريخ باعز ما لديهم من اجل الايمان والحق والحرية والكرامة. ان سجون البحرين مكتظة بالاحرار الصابرين الذين يرددون شعارهم القرآني: حسبنا الله ونعم الوكيل. يعلم الجميع ان المشروع الحسيني منتصر حتما بينما لن يكون مصير اليزيديين سوى الهزيمة والفشل. تلك هي سنة الله في الامم، وذلك ما اكدته ثورة الحسين عليه السلام. الحسينيون ثوار، أبطال، صامدون، موالون، مؤمنون بالله ربهم وكتابه وسننه ووعوده التي لا تخلف. ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
14 سبتمبر 2018