المشروع الثوري لا يتراجع، بل يستمر حتى النصر
مما يسهل على المناضلين اسقاط الطغاة عمى البصيرة الذي يصيب المستبدين والظالمين، فيشمخون بانوفهم بدون استحقاق حتى يفقدوا القدرة على رؤية مسارات الامور. انهم يسهلون على مناوئيهم مهمة النيل منهم، فتجري عليهم سنة الله وينتهي امرهم. وقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: يخربون بايديهم وايدي المؤمنين فاعتبروا يا اولي الابصار”. وقال الامام علي: ما لقيت رجلا الا اعانني على نفسه. ويحدث ذلك ضمن قانون الإملاء: انم نملي لهم ليزدادوا اثما، ولهم عذاب عظيم. هذه الحقيقة تفسر بعض اسباب سقوط الطغاة. فقد اعان صدام حسين شعبه على نفسه عندما اجتاح الكويت في اغسطس 1990، واثار بذلك حفيظة من كانوا حلفاءه قبل ذلك، لانهم راوا في تصرفه اختراقا للحدود الحمراء. كان بامكان صدام ان يبقى ملكا للعرب بعد ان خرج من اطول حرب عرفتها المنطقة في التاريخ الحديث، بدون ان يمنى جيشه بهزيمة ساحقة. كان يستطيع ان يتحكم في العالم العربي، فهو الاكثر خبرة في الجانب العسكري، الامرالذي يدعم موقفه ويدخل الرعب في نفوس مناوئيه. وكان بامكان الحكام الآخرين الذين سقطوا في ثورات الربيع العربي الفرار بجلدهم من غضب الجماهير، ولكن شاء الله ان يصابوا بعشى الالوان ويضلوا الطريق، فحق عليهم عذاب الله وسقطوا. ولم يوجد حتى الآن على وجه الارض حاكم جائر او مستبد استطاع الخروج عن سنن الله. مع ذلك فما اكثر العبرة واقل الاعتبار. ان الشيطان قادر على تزيين الشر للطغاة، لان الطغيان يؤدي الى الشعور بالكبر الذي يحول دون الاستفادة مما لدى الغير من حكمة ومنطق وعقل.
طغاة البحرين لا يخرجون عن المسار التاريخي المحكوم بالسنن الالهية. انهم يعينون الشعب على انفسهم بسياساتهم وعقليتهم الاستكبارية. انهم يسيرون على خطى من سبقهم من الطغاة الذين يعتقدون ان القوة هي العامل الحاسم في الصراع بين الفرقاء، ولا يقيمون وزنا للقوانين الالهية التي تحكم مسيرة الامم. لذلك يمارسون التنكيل والاضطهاد بدون حدود، ويبطشون بمعارضيهم، وينتقمون ممن يقف امام اطماعهم. سياسة الانتقام هذه هي التي دفعتهم لاصدار قرار يمنع الجمعيات السياسية من خوض الانتخابات الصورية لمجالسهم الفاشلة. هذا القرار اعان المعارضة ووفر لها فرصة التقارب بدلا من الاختلاف على المشاركة والمقاطعة. فكافة اطياف المعارضة لن تشارك في الانتخابات الخليفية، الامر الذي من شأنه تحقيق قدر من التماسك الشعبي الذي سيفشل انتخاباتهم ويحرمهم من القدرة على الاستمرار في التضليل وتزييف الحقائق. كما ان سياساتهم في استهداف الغالبية الساحقة من المواطنين في عقائدها وشعائرها ساهم ايضا في تمتين الصف الوطني وتهميش العناصر الانتهازية التي تسعى للاستفادة من الاضطراب السياسي بالتقارب مع العصابة الحاكمة من اجل تحقيق مصالح شخصية بدون اعتبار للشعب ومعاناته وشهدائه وحرماته. الطاغية يسعى لاقناع نفسه بالعظمة والوهمية والمكانة الشكلية عندما يرى من هم سقط المتاع يخضعون لارادته، ويكتفي بما يتظاهرون به من ولاء له ونأي عن قطاعات الشعب الصامدة، مع علمه بنفاق المتسلقين والانتهازيين. يعرف الطاغية ان الصف الوطني متين ومتماسك في موقفه الذي يصر على الاصلاح، حتى في اوساط القطاع المحسوب عليه. فلا يمكن ان يتحول مجتمع الى فساد مطلق وان اظهرت قطاعات منه هدنة مع نظام الحكم الفاسد.
في الشهر الماضي حدثت تطورات عديدة تشير الى حتمية حدوث التغيير في المنطقة التي لن تكون البحرين بمنأى عنها. فقد تكسرت ارادة المعتدين على اليمن بعد ان فشلوا في احتلال ميناء الحديدة، وتواصلت الصواريخ البالستية التي تدك المدن السعودية، وبعد ان خرجت الجماهير اليمنية في الجنوب منددة بالاحتلال الاماراتي ومطالبة بخروج قواته. الخليفيون كانوا قد هزموا من بداية العدوان عندما اسقط اليمنيون طائراتهم وقتلوا جنودهم. هذه المرة اصبح المعتدون السعوديون والاماراتيون يستجدون التوصل الى اتفاق سياسي بعد ان اجمع العالم على استحالة تحقيق انتصار عسكري على اليمن. ذهب مفاوضو العدوان الى الامم المتحدة وفوجئوا بعدم حضور الوفد اليمني الذي قال ان قوات العدوان والامم المتحدة لم تسهل عملية انتقاله من اليمن. ايا كان الامر فهناك اجماع دولي على فشل العدوان واصبح داعموه في واشنطن ولندن في حرج شديد لفشلهم في حسم الموقف عسكريا. ويوما بعد آخر يتضح ان قرار العدوان على اليمن لم ينطلق من السعودية او الامارات بل من التحالف الانجلو-امريكي- صهيوني، وان قرار وقفه بايديهم،وان السعوديين والاماراتيين سوى عبيد لذلك التحالف. الخليفيون يعلمون انهم “عبيد العبيد” وانهم لا يملكون سوى تنفيذ خطط الرياض وابوظبي بعد ان اصبح الطاغية بلا قرار او موقف او كرامة. هذا الشعور بالمهانة يدفعه للانتقام من البحرانيين الذين ما برحوا ثائرين من اجل الحق والعدل والحرية، لا يتراجعون او يساومون او يهادنون. ظهر الطاغية الخليفي عدوا لأبسط القيم الانسانية عندما سلط جلاوزته ومرتزقته على البحرانيين الذين كانوا يحيون ربيع الشهادة ويهتفون من اجل الله مع الحسين، وضد يزيد وعصابته. هذه المرة امعن الديكتاتور في العدوان فاعتقل العلماء والخطباء والرواديد الذين تعرضوا للانحراف الاموي واستهدفوا يزيد بن معاوية كحاكم جائر منحرف، معاد لرسول الله واهل بيته عليهم السلام. هذه المرة بدأ الحكم الخليفي خطوات جديدة من اجل تشويه التاريخ والقيم الاسلامية، فاعتقل من تعرض ليزيد وعصابته بالنقد، معتبرا ذلك “اعتداء على معتقدات الآخرين”. هذه المحاولة لاحتضان التاريخ المزور وتزييف قيم الدين ومبادئه ونظام حكمه، تعتبر خطوة متقدمة على طريق الحرب الشاملة ليس ضد البحرانيين فحسب بل ضد قطاعات المسلمين كافة.
التطور الآخر تمثل بالعدوان الارهابي على ايران، واستهداف عرض عسكري في 22 سبتمبر بشوارع مدينة االاهواز. هذه المرة كانت الاصابع التي تقف وراء ذلك العدووان واضحة تتمثل بتحالف قوى الثورة المضادة ومنها السعودية والاامارات و “اسرائيل”. العدوان ادى لاستشهاد 30 شخصا بينهم نساء واطفالن وتم خلال عرض عسكري شاركت فيه مجموعات من الحرس الثوري الايراني. العدوان الارهابي لم ينجح في شيء سوى قتل الابرياء، ولا يمكن اعتباره جزءا من حركة وطنية تدافع عن حقوق الاقليات العرقية في ايران. فقد شجبته دول العالم، في ما عدا امريكا والكيان الاسرائيلي. وعندما اطلق بعض المحسوبين على حكومة الامارات تغريدات توحي بتعاطف مع الارهابيين، اعترضت ايران وشجبت الموقف الاماراتي. يجب التأكيد هنا على ان استخدام الارهاب لتحقيق مصالح سياسية جريمة يجب ان تضاف للجرائم الاخرى. فالارهاب انما هو سلاح الضعيف الذي يهدف لتدمير المجتمع البشري واشاعة الفوضى في اجوائه بالتفجيرات والاغتيالات. انها خطوة تعبر عن فشل المشروع الارهابي الذي تستخدمه السعودية والامارات لتصفية حساباتها في المنطقة. وليس مستبعدا ان ينقلب الشر على الرياض وابوظبي اللتين دعمتا العدوان المسلح على الجمهورية الاسلامية، واظهرتا نواياتهم العدوانية على سكان تلك المنطقة. الخليفيون لن يكونوا بمنأى عن السجال الذي يتوقع ان يتواصل خلال الاسابيع المقبلة نظرا لخطر العدوان المذكور. صحيح انه لن يحدث تغيرا في التوازن العسكري والسياسي في المنطقة، ولكنه عبر عن قدرة فائقة على اختراق اجهزة الامن الدفاعية والمدنية، الامر الذي ستكون له نتائج وخيمة على الواقع الايراني. وبرغم ان اغلب ردود الفعل كانت ايجابية، الا ان هناك شعورا بان الاوضاع في الخليج لن تعود قريبا الى ما كانت عليه. الامر المؤكد ان الاتكاء على مجموعات الارهاب لا يمكن ان يوفر سلاحا مؤثرا ضد الآخر المناويء، بل ان من شأنه ان يشيع العنف والفوضى اللذين لن يوفرا ارضا او بلدا. مطلوب وقفة حازمة بوجه الارهاب الذي يجب ان يشجب اين ما كان، وان يظهر شيء من المبدئية والانسانية على مواقف الفرقاء. وفي اجواء عاشوراء استفادت ايران من ذلك العدوان، برغم خسارتها المادية والفنية ايضا، لانه اظهر مدى ما يمكن ان يقوم به اعداء الثورة الذين يهدفون لاحداث تغيير سياسي في ايران. هذه المخاضات العسيرة تسبق انبلاج فجر التغيير الذي اصبح محتوما، خصوصا بعد ان اظهرت الانظمة عداء عميقا لكل ما هو اسلامي وثوري وتحرري. الثورة التغييرية في المنطقة ستتواصل، وعلى العالم ان يعي ذلك لانه من اهم سمات عالم اليوم.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
28 سبتمبر 2018