في محراب الشهادة: معا نصلي للثورة في عيد الشهداء
كعادته اعتقد الحكم الخليفي ان بامكانه اقناع العالم بانه “نظام اصلاحي” وان لدى طاغيته “مشروعا اصلاحيا”، وامعن في تضليل العالم بحقيقته كواحد من ابشع الانظمة القمعية في العالم. انتهت انتخاباته بفشل ذريع، فلم يشارك فيها الا المتردية والنطيحة وما أ:ل السبع، بينما بقي المناضلون والاحرار وقادة الشعب مغيبين وراء القضبان. وتساءل احرار العالم: هل ان حبس الاسود بالقيود والاغلال يغير طبيعتها؟ ام ان الاسد يبقى أسدا اينما كان؟ فحين يفرض بعض الرموز موقفهم على الجلادين والمعذبين ويرغمونهم على التنازل ألا يعني قدرتهم على الفعل والتأثير؟ لقد رفض هؤلاء الزيارات العائلية بعد ان سعى الديكتاتور وعصابته لاذلالهم من خلالها، واصروا على التمسك بطلبهم الجوهري وهو انهم لن يساوموا على انسانيتهم وكرامتهم واهدافهم السياسية من اجل تحقيق زيارة عائلية، وانهم مناضلون اشاوس لا تؤثر فيها اساليب الاضطهاد. وامام اصرارهم وصمودهم لم يجد الخليفيون بدا من الرضوخ لهم ورفع الراية البيضاء والسماح بتلك الزيارات وفق العادات المرعية في الدول الاخرى. ان قادة الشعب الذين ضحوا بما لديهم من اجل الحرية لن يقبلوا بأقل منها، ولن يتراجعوا خطوة عنها. وقد دفع بعضهم ثمنا باهاضا لذلك، فانتقم منه الديكتاتور المجرم بحرمانه من حقه في العلاج والدواء. ولكن الاحرار اصروا على مواقفهم ورفضوا الاذعان لاوامر الجلادين، فاستمر الانتقام منهم بوحشية وهمجية، حتى كاد الاستاذان حسن مشيمع وعبد الوهاب حسين يفقدان حياتهما.
شعب البحرين تعلم كثيرا من دروس التجربة الثورية الاخيرة، واستقر امره على طريق الثورة بارادة اقوى وعزيمة أشد. فبعد قرابة الاعوام الثمانية على انطلاق ثورته المظفرة باذن الله، ما تزال مجموعاته الشبابية تمارس حقها المشروع في التجمع والتعبير عن المواقف والتظاهر بالاحتجاج. شبابنا يعلم ان ثمن هذه الارادة الحديدية باهض، وان ابواب طوامير التعذيب الخليفية مشرعة لهم، ولكن ذلك لم يزدهم الى ايمانا واصرارا: الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل”. هؤلاء الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى اكدوا ثباتهم على الخط مرارا، فاعتقلوا وعذبوا وقضوا سنوات وراء القضبان، ولكنهم كسروا شوكة الظلم والفساد والاستبداد وقال الواحد منهم: روحي فداء وطني. الطاغية خسر كافة معاركه مع الوطن والشعب، فاستقدم الاحتلال الاجنبي بكافة مصاده: السعودية والاماراتية والامريكية والبريطانية، فلم يزده ذلك الا المزيد من الهلع والخوف. وها هو يواصل عداءه وحقده على البحرين وشعبها، ويصعد التنكيل والانتقام، فيصدر ابشع الاحكام الفريدة من نوعها. فما معنى سحب جنسية المواطنة زينب مكي الكرزكانية برغم ان تهمتها المزيفة لم تستدع من عبيده الجالسين زوراء على كراسي القضاء الا حكما بالسجن عاما واحدا؟ انها النزعة الشيطانية التي استبدلت حكم القانون بغريزة الانتقام الحيوانية. هذا الديكتاتور يتصرف بوحشية تؤكد اقترب سقوطه، لان الوحش يزداد هيجانا حين يقترب من الموت. فما شهدته قاعات محاكمه الصورية الفاسدة يوم الخميس 29 نوفمبر غير مسبوق في توحشه. فقد صدرت بحق مجموعات من ابطال الوطن احكام جائرة بالاعدام والسجن المؤبد والاحكام المتفاوتة ما بين سنة وخمسة عشر عاما، وسحب الجنسية. كان قضاته يتسابقون لاعلان قرارات ديوان الطاغية باضفاء سمة الاحكام القضائية ويعلنون عنها على امل ان يؤدي ذلك لكسر شوكة الشعب، وهيهات لهم ذلك.
لقد دأب ثوارنا الاشاوس على احياء ذكريا شعبهم ووطنهم بالاحتجاج والتظاهر متجاهلين اساليب قمع الطاغية وبطشه، ومؤكدين ولاءهم لله والوطن والشعب، ورافضين الطغيان الخليفي بكافة اشكاله، ومصممين على تحقيق التغيير السياسي الجوهري الذي يؤدي لقيام منظومة سياسية جديدة في البلاد تقيم الحرية والعدل وتمنح الشعب شراكة حقيقية في ادارة بلاده. وتستعيد ذكريات الوطن والشعب حوادث جمة في هذا الشهر، ومنها اندلاع الانتفاضة الشعبية المباركة في 5 ديسمبر 1994، التي أنضجت مستلزمات الثورة الشاملة لاحقا. تواصلت الانتفاضة ستة اعوام متواصلة مزدحمة بالاحتجاج والتظاهر، وسقط خلالها العشرات من الشهداء بالتعذيب والاعدام والرصاص الحي. تلك الحقبة السوداء شهدت هي الاخرى اساليب من التعذيب والقمع وسحب الجنسية والابعاد، الامر الذي دفع الكثيرين للتساؤل: ماذا استفاد الخليفيون من تلك التجربة. الطغاة لا يتعلمون من التجارب شيئا خصوصا في ما يخص سلوكهم كطغاة، الامر الذي اكده القرآن الكريم: “ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه”. تلك الانتفاضة اشتعلت بقوة في اليوم الذي انطلقت فيه في 17 ديسمبر 1994، بسقوط شهيدين مظلومين هم هاني الوسطي (من جدحفص) وهاني خميس (من السنابس). دماء الشهيدين كانت كافية لتفجير اكبر انتفاضة آنذاك في تاريخ البحرين. ذلك اليوم حفر في ذاكرة الوطن والشعب تحت مسمى “عيد الشهداء” فاصبح مناسبة وطنية لاحياء ذكرى ابطال الوطن الذين قتلهم الخليفيون بقسوة ووحشية، واصبح عيد الشهداء مناسبة وطنية يتم احياؤها عاما بعد عام وتستخدم لشحذ الهمم وتجديد العزم على التغيير وانهاء الحقبة الخليفية السوداء. وكررالطغة اخطاءهم القاتلة عندما انطلقت ثورة الشعب البحراني المستمرة حتى الآن. فقد ادى لسقوط اول شهيد للثورة، علي عبد الهادي مشيمع في 14 فبراير 2011 والشهيد فاضل المتروك في اليوم التالي، لاندلاع الثورة باوسع ما يكون، وتواصل سقوط الشهداء ليزديها اتقادا. وهكذا استمرت الثورة وستكمل عامها الثامن بعد شهرين فحسب. ان الطغاة يهدمون بيوتهم بايديهم وايدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الابصار.
شعبنا لا ينسى شهداءه ابدا. فها هو يستعد لاحياء الذكرى الرابعة والعشرين ليوم الشهداء المجيد بكافة الوسائل المدنية المتحضرة وفي مقدمتها الاحتجاجات السلمية وزيارة قبور الشهداء وتجديد العهد لهم بالاستمرار في الثورة على الظلم الخليفي الذي سفك الدماء وهتك الاعراض وهدم المساجد وقتل الابرياء واهان كرامة الوطن وجاء بالاحتلال. انها قصة حمراء دامية يتم اضافة مقاطع لها كل يوم وكل عام لتوثيق تاريخ الوطن وتضحيات ابنائه. الطاغية استبق ذكرى عيد الشهداءهذا العام ساعيا لمنع الشعب من الاحتفاء بها، بحملات اعتقالات واسعة ونشر واسع لقوات شغبه الفاشلة، واصدار الاحكام الجائرة بوتيرة متسارعة. ان كل ذلك تعبير عن تعمق الشعور بالفشل والهزيمة امام شعب صقت عقود النضال شخصيته وعمقت شعوره بالاباء ورفض الهيمنة الاجنبية واصبح اكثر اصرارا على التصدي للاضطهاد والظلم. سيسجل شعبنا هذا العام مواقف بطولية تبهر العالم وتمنحه احترام الدنيا بدون حدود. هذا العام يتصاغر الديكتاتور الخليفي بسبب تصاغر داعميه وهزائمهم المتلاحقة. فالسعودية والامارات والخليفيون مهزومون في اليمن عسكريا وامنيا واخلاقيا وسياسيا. والبيت السعودي منخور من داخله، وملاحق من قبل العالم الحر بعد ارتكابه جريمة قتل الاعلامي السعودي جمال خاشقجي، وامريكا تعيش يوميا كوارث سياسية يحدثها دونالد ترامب واساليبه الفجة ومنهجه العنصري الشرير. انه وضع غير مسبوق ولا يمكن ان يؤدي لنصر سعودي – اماراتي على الشعوب العربية كافة. وهكذا يعيش طغاة السعودية والامارات والبحرين مستنقعات من صنع ايديهم، ومن المؤكد انها ستساهم مجتمعة بخلق ظروف سقوطهم بعد ان استنفذوا اسباب وجودهم. فليرحوا غير مأسوف عليهم، وليحي شهداؤنا الابرار الذين شرفوا هذا الوطن والارض بدمائهم الطاهرة، واصبح كل منهم ايقونة للنضال والاحترام. سيكون عيد الشهداء هذا العام، بعون الله تعالى، ايقونة للنضال والثبات والصمود وسيدحر الله فيه اعداء الشعب والوطن وينصر المظلومين والمستضعفين ويمنحهم النصر على الطغاة الخليفيين والسعوديين انه حميد مجيب الدعوات.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد اسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
7 ديسمبر 2018