ثمانية أعوام واعدة بالنصر برغم المعاناة
اكدت فعاليات الذكرى الثامنة للثورة البحرانية المظفرة استمرار أرادة التغيير لدى الشعب البحراني وقدرته على تحدي الطاغوت الخليفي برغم قمعه وارهابه. فقد خرجت الاحتجاجات والمسيرات في اغلب مناطق البحرين، وكانت استفتاء آخر بعدم شرعية الطغمة الحاكمة وتأكيدا على فاعلية الثورة وحيويتها بعد مرور ثمانية اعوام تخللها قمع ليس له مثيل. هذا العام كانت الفعاليات متميزة في داخل البلاد وخارجها برغم تصاعد الاضطهاد والقمع السلطوي. هذه الفعاليات التي تمثلت بالاحتجاجات التي شارك فيها الرجال والنساء، هتفت بسقوط العصابة الخليفية وأصرت على حقوق الشعب ومنها كتابة دستوره واختيار النظام الذي يرتضيه وانتخاب حكومته ومجلسه التشريعي. كما كانت هناك فعاليات اخرى منها قطع الشوارع وزيارة قبور الشهداء وعائلاتهم، والتغريد المتواصل وتنظيم الندوات وحلقات النقاش. اما في الخارج فقد كانت الفعاليات واسعة شملت بلدانا عديدة من استراليا الى ايران ولبنان وايطاليا والمانيا وفرنسا وبريطانيا وايرلندا والولايات المتحدة الامريكية. كان التوجه واحدا: التأكيد على استمرار الثورة حتى يتحقق التغيير المنشود.
هذا العام كانت هناك قضايا عديدة فرضت نفسها على اجواء الذكرى، وربما ساهمت في توسيع التحرك الشعبي بعد ان اتضح ان البديل ترك المجال للعصابة الخليفية للاستمرار في قمعها ونهبها خيرات الشعب. كانت قضية الرياضي البحراني، حكيم العريبي، تفرض نفسها بقوة على المناخ السياسي العام. فقد اثبت هذا البحراني المظلوم قدرته على الدفاع عن الشعب والتصدي لجرائم الخليفيين وكشف خططهم بوضوح في مناطق لم يكن لقضية البحرين فيها حضور ملموس. في البداية شعر المواطنون عامة بالظلامة التي يعاني منها شعب البحرين في ظل الحكم الخليفي وداعميه والمدافعين عنه في المحافل الدولية. وبدا لوهلة ان البحرانيين قد فقدوا الغطاء الانساني الذي يحميهم بوجه العدوان الخليفي، فلا يستطيع احد منهم السفر الا بموافقة تلك العصابة المجرمة. ولكن سرعان ما اتضح عدم دقة هذا الافتراض، وان لدى المواطن البحراني الثائر قوة اضافية تدفعه للمزيد من العطاء. فسرعان ما تحولت القضية الى مشروع اعلامي واسع لكشف جرائم الحكم الخليفي خصوصا في مجل التعذيب الذي عانى منه الرياضيون والاطباء والعلماء والمعلمون، رجالا ونساء. وقد سخر الله لهذا الشعب ولحكيم من يدافع عنه ويرفع ظلامته وراية نضاله. فقد تضامن رياضيو كرة القدم وهو نطاق واسع يتحرك فيه الملايين من اجل الاستمتاع بهذه اللعبة. هذا التضامن دفع للواجهة عددا من النشطاء الذين تعهدوا بحمل ظلامة حكيم الى العالم وتشكيل راي عام في العالم الرياضي. وبرز اشخاص مثل كريج فوستر، الرياضي الاسترالي المتقاعد، ومعه عدد من الرياضيين والنوادي والمؤسسات التي شعرت بالغبن ازاء ما جرى لحكيم. تحرك هؤلاء جميعا ومارسوا ضغوطا على الجهات المعنية خصوصا فيفا والاتحاد الأسيوي لكرةالقدم وبقية الرياضيين المرموقين الذين ادلى اغلبهم بتصريحات تدعم قضية حكيم. وسرعان ما اتخذت القضية بعدا دبلوماسيا غير محسوب. فتدخلت الحكومة الاسترالية مباشرة وطالبت حكومة تايلاند بالافراج عن حكيموالسماح بعودته الى استراليا. وتدخل رئيس وزراءاستراليا في القضية بشكل شخصيمباشر. هذه الضغوط ساهمت بشكل مباشر في حسم الموقف بانتصار حكيم العريبي بشكل ساحق. وفجأة تحول حكيم الى نجم سياسي ورياضي لامع خصوصا بعد ان استقبله رئيس وزراء استراليا ووزير الخارجية في مكتبيهما بشكل رسمي. وسعى الطاغية الخليفي للاحتجاج ولكن الادلة التي كان سيقدمها سوف تدينه شخصيا وكنظام سياسي بال. وهكذا انعكس انتصار حكيم ايجابا على معنويات الشعب، وكسر شوكة الطاغية وعصابته.
ثانيا: ان موقع سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم محفوظ في وجدان الشعب وذاكرة الوطن، وان ابعاده القسري عن وطن اجداده لن يؤثر على حضوره الدائم وتأثيره على المسار السياسي والديني في البلاد. وقد استغل الطاغية مرض الشيخ لابعاده، ولكن هل الإبعاد الا جزء من الضريبة التي يدفعها المناضل ثمنا لحريته ونقاء ضميره؟ أين يعيش كبار المناضلين؟ اما في السجون او المنافي، وفي الحالتين تؤكد الوقائع انهم هم الذين يصنعون التاريخ ويغيرون مساراته ويطيحون باعتى الانظمة. فسواء كان المناضل سجينا مثل نيلسون مانديلا (كما هو حال الرموز الثلاثة عشر وفي مقدمتهم الاستاذان حسن مشيمع وعبد الوهاب حسين، والامين العام لجمعية الوفاق سماحة الشيخ علي سلمان، والحقوقي المرموق نبيل رجب) ام منفيا مثل الامام الخميني رحمه الله (كما هو حال سماحة الشيخ عيسى وعدد من العلماء ورموز الحراك الشعبي) فانه سيعود الى وطنه وشعبه ليشاطرهم فرحة النصر بسقوط النظام الظالم انشاء الله. الشيخ عيسى بدأ باصدار البيانات ذات الاثر الكبير على معنويات الشعب خصوصا الميدانيين منهم، كما بدأ يلم شمل الشتات البحراني المبعثر في اقطار الارض، وسيكون توجيهه بتصعيد النضال السلمي ضد الطغمة الخليفية الفاسدة مؤثرا في الحفاظ على شعلة الثورة وحراك الشعب. فهو يعيش في قلوب الاحرار، ولن يؤثر البعد الجغرافي على ذلك.
ثالثا: ان سياسة القمع المتواصل التي يمارسها الحكم بحق النشطاء خصوصا القوى الثورية فشلت بعد ثماني سنوات في إخماد الصوت الثوري المطالب باسقاطه واستبداله بنظام حكم يختاره الشعب وفق دستور يكتبه بيديه ونظام سياسي قائم على اساس “لكل مواطن صوت”. فقد اكتظت السجون بالمعتقلين رجالا ونساء، شبابا وشيوخا، وشبعت السياط من اجساد الاحرار، وكلت السنة عبيده الذين نصبهم “قضاة” بالظلم والجور، من اصدار احكام الاعدام والسجن وسحب الجنسية والابعاد، ولكن ذلك كله فشل في احتواء الوضع او اخماد لهب الثورة او ثني ابطال الميادين عن الخروج هاتفين بحياة الوطن والشعب وسقوط الطغمة الخليفية المحتلة. وما شهدته الشوارع والميادين في الذكرى الثامنة لانطلاق ثورة الرابع عشر من فبراير من حضور واسع واحتجاجات متواصلة وفتوة صامدة حطم معنويات الجلادين والجلاوزة وأثار اعجاب المراقبين الذين لم يصدقوا ان هذه الثورة المظفرة باذن الله ما تزال غضة طرية وما تزال راياتها خفاقة على ربوع الوطن. استحضرت الذاكرة الجرائم الخليفية التي استهدفت جموع الثائرين قبل وصولهم دوار اللؤلؤة وخلال تواجدهم فيه، فازدادت العزيمة وتضاعفت الهمم وتسابق الابطال في الميادين لتسجيل مواقف لله والتاريخ والعالم بان شعب البحرين لا تقهره قوى الاحتلال والبغي والعدوان، وان دماء الشهداء انما تغذي شجرة الحرية وتلهب حماس الثائرين وتوقظ من تغمض عيناه كي يستريح جسده وتتجدد روحه. لقد جددت الثورة روح الصمود والجهاد والثبات فاصبح الشعب لا يخشى الا الله ولا يخاف احدا سواه، وان دماءه التي يسفكها القتلة والسفاحون انما هي بعين الله، وانهم سيواصلون نضالهم باساليبهم السلمية المتحضرة وسيكسرون شوكة الظالمين ويسقطون حكمهم المهتريء.
رابعا: شهدت السنوات الثماني التي هي عمر الثورة المظفرة باذن الله، اضطهادا خليفيا للشعب البحراني غير مسبوق، فلم يترك جريمة الا ارتكبها حتى غاص الى عنقه في الموبقات، ومنها قتل النفس المحترمة واراقة الدماء المعصومة وهدم بيوت الله ومنع المصلين من ارتياد المساجد ومنع صلاة الجمعة والجماعة وهتك اعراض النساء وتعذيب السجناء بدون رحمة وسحب جنسيات المواطنين وابعادهم عن ارض اجدادهم واستبدال الشعب الاصلي بالمجنسين، واضطهاد السكان الاصليين بدعم اجنبي فاحش. ولم تبق منظمة حقوقية دولية الا عبرت عن استيائها من ممارساته البشعة. فاجساد الشباب والاطفال شاهدة على الوحش الخليفي الاجرامي بما تحتويه من شظايا وما فقدته من اعضاء بما في ذلك العيون والايدي بالاضافة للاعاقات الدائمة. ام السجون فقد ضجت جدرانها بما شهدته من ظلم وعدوان وتعذيب وتوحش. هذه السجون اصبحت تعج بالامراض الخبيثة والجلدية والعصبية والنفسية، كل ذلك يحدث امام مرآى الطاغية ومسمعه، بل باوامره وتوجيهاته. لقد اصبح هذا الطاغية اختصارا لمحنة الوطن والشعب، ولذلك لن يستطيع ايهام الشعب باية خدعة قد يمارسها لاسكات صوت الثورة. هذه المرة جاء الحراك الشعبي ليغير مسار تاريخ البحرين بشكل حاسم، فلا عودة لما قبل 14 فبراير 2011، ولا مصالحة مع العصابة الخليفية او القبول باية صيغة تسوية تتيح لها البقاء في الحكم يوما واحدا.
ان شعبنا يتطلع للحرية الحقيقية التي لا تقبل بوجود حكم طاغوتي قبلي رجعي، وقد فتح الله قلبه على الايمان والصمود والثبات واصبح موقنا بحتمية النصر “والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين“.