الاحكام الجائرة تعبير عن نظام يحتضر يتجه نحو الهاوية
الاستقواء بالسلطة السياسية للانتقام ممن لا يملك القوة المادية خصوصا النساء انما هو تعبير عن النذالة والسقوط الاخلاقي. كما ان صياغة القوانين بما يتناسب مع بقاء الحاكم على الكرسي يؤكد غياب الشرعية من جهة وعمق نزعة الانانية والجشع والظلم. وهناك العديد من الامثلة التي تكشف جوانب من هذه الحقائق. فعندما يسعى عبد الفتاح السيسي، الحاكم العسكري لمصر، لتغيير الدستور لكي يستطيع البقاء في المنصب فترة اطول، فانما ذلك طغيان وتجاوز للسلطة الطبيعية التي يقبلها العقل ويقرها الذوق البشري. وحين تصاغ القوانين بما يحقق للديكتاتور ما يريد من تجاوز للحدود والقيم، فان ذلك من علامات تداعي اوضاع البلدان وتراجعها. ان من المؤكد ان تحاصر الظواهر السلبية خصوصا الارهاب والعنف الاعمى، قانونا وسلوكا وعرفا. ولكن ليس مقبولا ان يتم التلاعب بهذه المفاهيم لتصبح شاملة لكل ما لا يتناسب مع ذوق الحاكم الديكتاتور. هذا ما يفعله طاغية البحرين الذي اعتبر ان معارضة طغيانه “ارهاب” وان الاحتجاج السلمي او التعبير عن الرأي يصب في هذه الخانة ايضا.
في الايام القليلة الماضية اصدرت محاكم الطاغية احكاما جائرة بحق العشرات من المواطنين الذين لم يرتكب اي منهم جرما، وان كل ما فعله هؤلاء انهم رفضوا منح الشرعية للحكم القبلي التوارثي الاستبدادي. فأقرت محاكم التمييز قرارات اعدام عدد من المواطنين ليصل عدد الذين ابرمت احكام قتلهم سبعة من مجموع 23 صدرت بحقهم احكام الاعدام. ويجب التأكيد على ان هذه الاحكام انما هي قرارات سياسية وليست قضائية. فالقضاة الذين يعينهم الحاكم منحازون بشكل طبيعي لمن هو مصدر رزقهم، ولا تهمهم العدالة او حكم القانون. هؤلاء تموت ضمائرهم في اللحظة التي يقبلون فيها بالوظيفة الممنوحة لهم من حاكم ظالم يمارس ابشع اشكال التوحش مع معارضيه. صدرت احكام الاعدام بقرارات من ديوان الطاغية الذي اصبح يتلذذ بموت البحرانيين الابرياء، فهو يرى في وجودهم تحديا لاستبداده وظلمه، ويعتبر موتهم راحة له. انه الشعور الحيواني الذي تطغى فيه السادية والتوحش وانعدام الاخلاق. شباب في عمر الزهور يساقون الى المقاصل ويعلقون ليستقبلوا رصاص الغدر الخليفي بدون جرم ارتكبوه، كما حدث مع عباس السميع الذي اتهم بالمشاركة في جريمة حدثت عندما كان يدرس طلابه باحدى المدارس. الظلم يسقط العروش ويمحق الامم: وتلك القى لما ظلموا اهلكناهم…. وماكان ربك ليهلك القرى واهلها مصلحون.
وبالاضافة لاحكام الاعدام اصدرت العصابة الخليفية احكاما اخرى بالسجن المؤبد بحق عدد من المواطنين الابرياء. كما امر الطاغية باسقط جنسية عدد من المحكومين مؤخرا، ليتجاوز عدد الذين اسقطت جنسيتهم اكثر من 850 شخصا من اصول بحرانية اصيلة. ثم اصدر الديكتاتور المجرم احكاما اخرى بسجن العشرات من المواطنين الذين وقفوا بجانب سماحة الشيخ عيسى احمد قاسم عندما كان تحت الحصار عامين كاملين. هؤلاء الفتية قضوا شهورا خارج منزل سماحة الشيخ ليفتدوه لو تعرض لاعتداء خليفي. وعانى هؤلاء من حرارة الشمس وقسوة البرد ابتغاء لرضا الله سبحانه. كانوا في موقع الدفاع عن النفس وليس الاعتداء على احد. ولم يسجل على اي منهم مخالفة لقانون انساني عادل، او تجاوز لحق احد من الناس او الجنوح للعنف او العدوان. بل كانوا ضحايا العنف الذي مارسه مرتزقة الخليفيين عندما شنوا عدوانهم على منزل سماحة الشيخ عيسى في شهر مايو 2017. ادى ذلك العدوان لاستشهاد خمسة مواطنين وجرح العشرات، واعتقال المئات. حدثت المجزرة التي عمقت الغضب الشعبي ضد العصابة الخليفية المجرمة. وبدلا من تشكيل لجنة محايدة للبحث في ذلك الاعتداء وظروفه، تواصل الانتقام من البحرانيين الذين كانوا ضحايا ذلك العدوان الوحشي.
والسؤال هنا: هل يمكن التعايش مع نظام حكم ديكتاتوري دموي كالحكم الخليفي؟ فكيف اعاودك وهذا اثر فأسك؟ الامر المؤكد ان الحكم الخليفي لا يحظى بشرعية دستورية او شعبية، بل ان بقاءه يستند للدعم الذي تقدمه انظمة حكم مستبدة كالسعودية والامارات. القوة ليست مصدرا مقبولا لشرعية اي حكم. والغلبة والقهر لا يوفران ارضية للحكم الصالح. بل ان رضا الناس هو مصدر الشرعية التي توفر للحاكم اسباب البقاء على الكرسي. ومن يتابع الوضع البحراني يجد فيه كل اسباب التمرد والثورة، وهي اسباب تزداد عمقا بمرور الوقت لان الحاكم الخليفي ليس لديه سوى اسلوب واحد: استخدام القوة المفرطة لاثبات الوجود، وان كانت هذه القوة مستوردة ومدفوعة الاجر من اموال الشعب المنهوبة.
وهنا يجب التأكيد على حقيقة واحدة: ان ما يبدو من تباين بين خطاب القوى الثورية والسياسية وهمي في اغلب جوانبه. فما تطرحه الجمعيات السياسية من الرغبة في منح الشعب حق تقرير المصير وكتابة دستور عصري بايدي ابنائه، واقامة “مملكة دستورية” لا يمارس فيها الحاكم الا دورا شرفيا بينما ينتخب الشعب رئيس وزرائه واعضاء برلمانيه، يعتبر اسقاطا لنظام الحكم الخليفي واستبداله بنظام مؤسس على المباديء المذكورة. فالحكم اليوم يختلف تماما في جوهره وشكله عما تطالب به الجمعيات السياسية غير العميلة. وهذا قريب جدا مما تطالب به القوى الثورية. فالمطلوب في كلا الحالين تحول الخليفيين من حكام وطغاة وطبقة اعلى من الآخرين الى مواطنين كبقية السكان الاصليين (شيعة وسنة). ولذلك يستحيل قبول الخليفيين بما يطرحه السياسيون، وقد يفضلون المجازفة بالتشبث بوضعهم الحالي على القبول بالتحول الى مملكة دستورية تقوم على الاسس المذكورة بالاضافة للمواطنة المتساوية. ولذلك فمن غير المنطقي الحديث عن طرحين متباينين، بل الاجدى بعد تجربة السنوات الثماني الاخيرة تلاحم القوى الوطنية بعيدا عن التصنيف الايديولوجي على ارضية التغيير واقامة منظومة سياسية عصرية. هذا يتطلب حضورا سياسيا على الصعيد الدولي يقدم للعالم اطروحة عصرية للتحول الديمقراطي، سواء بقي ملكيا ام اصبح جمهوريا. ولا يطالب احد بالقاء الخليفيين في البحر، بل بتحولهم الى مواطنين تتساوى حقوقهم ومسؤولياتهم وحظوظهم مع بقية البحرانيين.
لقد حان الوقت لطرح مشروع سياسي توافقي بين كافة الفصائل الوطنية وفق الاسس المذكورة. وهذا يتطلب تخلي القوى السياسية عن افتراضاتها المسبقة بان سطح الخطاب الثوري لا ينسجم مع اطروحاتها. فاذا كان بعض هذا الكلام صائبا قبل ثورة العام 2011 فانه لم يعد كذلك بعدها. فالخليفيون استهدفوا الجمعيات السياسية بدون استثناء، واصدروا قراراتهم بحل ثلاث منها على الاقل: العمل الاسلامي والوفاق ووعد. هذا الحل يعتبر اضطهادا مقززا واجراما واسعا لا يترك المجال لاي تعايش بين السكان الاصليين (شيعة وسنة) والعصابة الخليفية التي تصر على استخدام النار والحديد في تعاملها مع المواطنين. الامر المؤكد ان مستقبل البحرين وشعبها سيكون افضل كثيرا عندما يحدث الطلاق الدائم مع العصابة الخليفية التي ارتكبت المجازر والفظاعات بحق الوطن واهله. هذه قناعة راسخة في نفوس المواطنين لن تغيرها سياسات الانتقام والاستفزاز والوعد والوعيد، لان الله اقوى من هؤلاء المتجبرين والطغاة.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
1 مارس 2019