حمد بن عيسى: عشرون عاما سوداء من حكم ديكتاتوري دموي
عشرون عاما عاشتها البحرين، ارضا وشعبا، في ظلمات بلا نهاية، ليل بدون نهار، مصائب بدون فرج، مآتم بلا أفراح. ذلك هو عهد الطاغية الذي تربع على كرسي الحكم بعد موت ابيه في مارس 1999. وما اشبه الليلة بالبارحة، بل ما أشد ظلمة الليلة عن سابقتها. يومها كانت سجون الخليفيين مكتظة بابناء البحرين ونسائها، وكانت نداءات المنظمات الحقوقية الدولية تضغط لاطلاق سراحهم وانهاء الحقبة السوداء الكالحة التي بدأت في 26 اغسطس 1975 بعد حل المجلس الوطني وتعليق العمل بعدد من مواد دستور 1973. كان القائد الشيخ عبد الامير الجمري يرزح وراء القضبان، وكذلك الاستاذ عبد الوهاب حسين وحسن مشيمع وسواهما من العلماء والنشطاء والمفكرين. ودار الزمن دورة استغرقت عقدين كاملين، ليبدأ من جديد بسجون أشد بشاعة وأكثر قسوة تضم آلاف السجناء السياسيين وفي مقدمتهم عبد الوهاب حسين وحسن مشيمع. فالطاغية الذي نهب الحكم خلسة وعد الشبع بما اسماه “مشروع اصلاحي” ومارست ابواقه الرخيصة مهمتها القذرة في التضليل قائلة ان “احلى الايام لم نعشها بعد”. بدأ عهده الاسود بالتأمر مع القوى الشريرة في واشنطن ولندن، التي وعدته بالدعم المطلق وسمحت له بامور ثلاثة: ان يبقى حاكما كاسلافه، وان يلغي الدستور الشرعي الذي كتب بمشاركة الشعب في 1973، وان يقوم بتنفيذ اكبر هندسة سكانية في تاريخ البلاد لاستبدال سكانها الاصليين (شيعة وسنة) بمرتزقة اجانب يستقدمهم من اقاصي الارض. وفي مقابل ذلك كان عليه اطلاق سراح السجناء السياسيين والتظاهر باصلاح سياسي شكلي. وتم التمهيد لذلك بفرض “ميثاق وطني” خادع انهى العلاقة بين شعب البحرين والعصابة الخليفية التي حكمته بالنار والحديد.
ربما حاول حمد بن عيسى التذاكي على الشعب وخداعه بالوعود والكلمات الخاوية وسرقة لغة المعارضة، ولكن ذلك لم يدم طويلا. فبعد عام واحد من ميثاقه الذي خانه به الله والوطن، فجر مفاجأته الشريرة بالغاء دستور البلاد الشرعي وفرض دستور خليفي بائس.وفي الوقت الذي كان يمارس فيه ذلك كان يستعد لتوفير ذراع امنية ضاربة تحول دون قيام اي حراك يهدد حكمه. ولكن القوى الثورية كانت له بالمرصاد، فرفضت ميثاقه ابتداء وتحركت على اوسع نطاق لافشال دستوره واعداد الارضية لاكبر ثورة شهدتها البلاد منذ الاحتلال الخليفي في 1783. اجرى انتخابات مجالسه الصورية بمشاركة بعض القوى السياسية التي اعتقدت، خطأ، ان بامكانها فعل شيء ما من داخل المؤسسة السياسية، فساهمت تلك التجربة في تمكين الطغاة الخليفيين بعد منحهم فرصة اطول لتثبيت حكمهم وبناء مؤسساتهم الامنية والاعلامية والسياسية. ظن الطاغية ان بامكانه استغلال المشاركة السياسية من قبل تلك الجمعيات باستهداف القوى الثورية وعناصرها. فبعد ثمانية اعوام من النشاط السياسي الذي غرس وعيا جديدا في وجدان الشعب، ارتكب الطاغية واحدة من كبريات حماقاته. وفي شهري اغسطس وسبتمبر 2010 شن حملة امنية شعواء كانت نتيجتها اعتقال اكثر من 500 من العناصر الثورية، وخطف سبعين آخرين من النشطاء الميدانيين وتعريضهم لابشع اصناف التعذيب. كانت تلك الحملة الجائرة ضرورة لاعادة حالة الاستقطاب الضرورية لاسقاط الحكم الخليفي. فقد نجم عن سياسات الجمعيات السياسية على مدى الاعوام الثمانية حالة استرخاء في العلاقات بين الذئاب الخليفيين والبشر البحرانيين، فكادت هوية الشعب النضالية تتميع وتتداعى بحالة التماهي مع طغمة فاجرة أذاقت البلاد والعباد اصناف العذاب.
بحلول العام 2011، كانت الارضية البحرانية مهيأة لحراك ثوري من نوع جديد يتناغم مع ثورات الربيع العربي التي اطاحت بعدد من الزعماء الذين اعتقدوا انهم سيخلدون على هذه الارض. فما ان اطلقت الدعوة للثورة ضد الحكم الخليفي حتى ترددت اصداؤها في اطراف البلاد فاستقبلها الشعب بحماس منقطع النظير وقام بثورة هي الاقوى والاشمل في التاريخ المعاصر لهذه الارض المضظهدة. لقد انتهى عهد الطاغية حمد بن عيسى عندما انطلقت اولى الاحتجاجات في الساعات الباكرة من يوم الاثنين 14 فبراير 2011. كان اختيار التوقيت تعبيرا عن دفن ميثاق الطاغية الى الابد. لقد استيقظ الشعب من سبات تواصل عقودا، وادرك حقائق عديدة: اولها استحالة اصلاح الحكم الفاسد المؤسس على الاستبداد والعقلية القبيلة والحكم العائلي. ثانيها: الطبيعة الشريرة للحاكم الذي كانت ردة فعله الاولى على الثورة استخدام القوة وقتل الشهداء في اليوم الاول من الحراك ا لشعبي، ثالثها: فشل العمل السياسي الذي روج مقولة امكان التغيير من الداخل، رابعها: كسر الدائرة المفرغة التي تحرك العمل السياسي على مدى العقود داخلها، ولم يستطع الخروج منها فاصبح حبيس الفرضيات غير القابلة للتحقق. خامسا: خلع الشعب، للمرة الاولى في التاريخ المعاصر، ثوب الخنوع والاستكانة واعلنها واضحة منذ اليوم الاول للثورة: الشعب يريد اسقاط النظام. وعلى مدى السنوات الثماني الماضية لم يمر يوم بدون رفع شعار: يسقط حمد.
بعد عشرين عاما من حكم هذا الطاغية اصبح الاستقطاب السياسي والايديولوجي في البحرين واضحا. فعلى احد طرفي الصراع اعلن الحكم الخليفي انتماءه الكامل للخارج، تاريخيا وثقافيا وعسكريا وامنيا واقتصاديا وانه لن يستطيع ان يعتمد على اي دعم شعبي، وان بقاء الحكم الخليفي يتوقف على دعم التحالف السعودي – الاماراتي الشرير مدعوما بالموقف السياسي والامني والعسكري من التحالف الانجلو – امريكي. وعلى الطرف الآخر يقف شعب البحرين الاصلي (شيعة وسنة) مؤمنا بالله اولا وقدراته الذاتي ثانيا، وان الحل لن يتحقق الا من الداخل وان الخارج لن يكفي لحماية الحكم الخليفي الى الابد، وان امن البلد واستقراره لن يتحقق الا في اطار حكم عصري يمثل الشعب جوهره ويتأسس على دستور يكتبه المواطنون بايديهم، وحكومة ينتخبها المواطنون بارادتهم بعيدا عما يمليه الاجانب. انه انجاز كبير لانه كسر حلقة من اللف والدوران استمرت عقودا واضاعت جهود المناضلين من شتى الخلفيات الايديولوجية. فكأن هذه النضالات كانت توضع في اناء مخروق من الاسفل يمنع تراكم النضالات والخبرات. هذا التغير في النفسية الشعبية والادراك الوطني انجاز كبير لا يضاهيه انجاز آخر. صحيح ان الثمن كان كبيرا ولكن الصحيح كذلك ان السلعة الثمينة تكلف ثمنا باهضا. فها هم خيرة رموز الوطن وابنائه يرزحون وراء قضبان العدو الخليفي الذي امعن في الفساد والظلم والفساد والتعذيب. لقد قضى اغلب هؤلاء ثمانية اعوام متواصلة من الارتهان، وبعضهم كالاستاذين حسن مشيمع وعبد الوهاب حسين قضيا فترات اخرى مسجونين في التسعينات. انه تعبير عن وطن مسجون برمته، برموزه وابنائه ونسائه وارضه، منهوبة ثرواته، محتلة اراضيه، مصادرة حقوق اهله، محاربة عقائده وتراثه، وفاقد سيادته. هذا هو العهد الاسود الذي يمثله الطاغية الحالي، حمد بن عيسى، الخليفي الديكتاتور المتعجرف، السفاح المغرور، الخليفي المتصهين، والاجنبي المتبحرن. فلولا حكم حمد بن عيسى لما حدثت الثورة، ولما استيقظ الوعي من سباته وتعمق وعيه واستعاد هويته واصالته، ولما كان حقا على الله نصر المؤمنين الصابرين الثابتين على الايمان والمطالبين بالحق والحرية. فطوبى لهذا الشعب العظيم، والعار للديكتاتور السفاح الذي عاث في الارض فسادا، وجعل اعزة أهلها أذلة، فالله ناصر هذا الشعب ومنتقم من هذا السفاح “انا من المجرمين منتقمون”.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
8 مارس 2019